Home»National»قراءة في ديوان الأحجار الفوارة لمحمد علي الرباوي الجزء الثالث- تقديم محمذ دخيسي أبو اسامة

قراءة في ديوان الأحجار الفوارة لمحمد علي الرباوي الجزء الثالث- تقديم محمذ دخيسي أبو اسامة

0
Shares
PinterestGoogle+

2- الأحجار الفوارة:

الذات والتحولات الكبرى.
قبل الحديث عن العناصر المشتركة للقصائد، لا بد من الإشارة إلى أن زمن كتابة النصوص مثبت بعد كل قصدية، وهي خاصية متميزة عند محمد علي الرباوي في كل قصائده تقريبا. وما نلاحظه في مجاميعه الشعرية، حتى إنه مثلا يصدر القصيدة بطبعة ثانية كما في نص( إغاثة الأمة بكشف الغمة) في أول الغيث: » الطبعة الثانية فاس 1990″
نعود للقول عن الزمن الشعري (زمن الكتابة) للقصائد المثبتة في المجموعة « الأحجار الفوارة » يتراوح ما بين 1982 و 1989. وتتصل هذه الفترة بمرحلة السماحة والانطلاق كما سماها عبد الرحم حوطش، التي تتميز لغة الرباوي فيها بكونها: » لغة ناعمة، وفيها كثيرا من الاستواء والرواء، وفيها شيء غير قليل من التوهج والالتقاء، فيها إفصاح عن الانتماء الفكري والإيديولوجي » (حركة الشعر المعاصر في المغرب الشرقي، ندوة المغرب الشرقي بين الماضي والحاضر). أما عن المكان فهو مدينة وجدة التي كانت الأمل الذي يطمح إليه أيام الغربة، وصارت بدورها تشكل الغربة الثانية: الغربة الداخلية التي تنطوي على الحزن الذاتي.

يقول محمد علي الرباوي في قصيدة متقدمة زمنيا عن المجموعة:
وجده!
ها قد أصبحت لعيني روضه
تحمل في عينيها الأزهار،
صارت وديانك تحمل فضة.
وينتقل إلى الرحلة المكانية داخل ذاته، ويعود غليها داعيا لها الأمن والراحة:
حين أعود إليك، وحين تعودين إلي، يعود إلينا السمع، ويعود إلينا البصر الثاقب/ فإذا ينفخ في الصور، نحس معا أنا نرتح فنستسلم للفرح المشتعل.
فهل وجد بالفعل فرحه المشتعل؟
هل ما زال يتخبط وراء أحزانه وهواجسه؟
يجيب الشاعر ذاته بقوله: » الشعر عندي سيرة ذاتية، وهذه الذات لا يمكن أن تعيش بمعزل عن المحيط الذي يضم الشاعر. فهي إذن ذات تتفاعل مع هذا الخارج، وبهذا أقول: الشعر تعبيرعن معاناة الشاعر، لكن لا بد من إضافة عنصر الوزن، لأنه عنصر يقوم بضبط التعبير »
أولا: الذات / الظمأ والعطش.
نستنتج من المجموعة الشعرية (الأحجار الفوارة) التماثل المحوري التالي:
الذات
الماءالجفاف
الظمأالارتواء
الحضورالغياب
الزيادةالنقصان
إن هذا التماثل يقوم بدور أساسي في المجموعة، بحيث يشكل نقطة الانطلاق الأولى لحل المتناقضات التي نفترض أن تكون ذات محور واحد.
1- الماء/ المصدر.
يقول محمد علي الرباوي:
وها بين ضلوعي يقصف رعد، وتهب رياح لكن النهر الصافي لم يحمل هذي الذات بعيدا..(ص- 15)
ويقول:
كنا اثنين، ورابعنا لم يأت الغيم به، كان الغيم يزور الحقل، ولا تأتي الأمطار معه.(ص- 23)
ويقول:
يجيئني الخوف
مدججا بغيمة الكآبة (ص- 57)
ويقول:
كيف قيامتنا حلت، فتشتتنا كالأصداء، تكسرنا كالأصداف، تهدمنا كالأسوار، تبددنا كالغيمة؟ (ص- 95)
إن هذه النماذج الأربعة، تضعنا أمام مصدر الماء، وهو السحاب، أو الغيم والغيمة كما جاء بها الرباوي.

وحين نبحث في لسان العرب عن تعريف هذه اللفظة نجدها تدل على العطش. يقول ابن منظور: » الغيمة العطش، وهو الغيم، أبو عمرو: الغيم والغين العطش » (12/ 446)
وبالتالي، فإذا كان المصدر والورد المرود المنتظر عطشانا، فكيف للمنتظر أن يرتوي، وكيف له أن يحول عطشه وظمأه ارتواء؟
لقد تبدد الغموض الذي يكتنف هذا المستوى الأول، والغموض نفسه كما يقول محمد علي الرباوي زائل: » لكن قصيدة في الحقيقة كيفما كانت تحتاج إلى أن يبذل القارئ مجهودا معينا للحصول على ما تحتوي من محتوى، لأن لغة الشعر غير لغة النثر، ولكن مع ذلك ينبغي عندما نتكلم عن الغموض أن نميز بين نوعين من الغموض. هناك الغموض الذي ظهر في السنوات الأخيرة مع حركة الشعر الجديد، وهو غموض يأتي بسبب ثقافة الشاعر، ينطلق من مخزون ثقافي محدد، فيفرض نفسه على المتلقي، والمتقي إذا لم يتوفر على ثققافة معينة فإنه لا يدرك كنه القصيدة ». والسبب في ذلك يعود بالأساس على الترابط الكلي الذي تشكله قصائد المجموعة الشعرية. فلو أنا مثلا اقتصرنا على العمل المتفرد للمقاطع (القصائد)، لانتابها الغموض أكثر، لكن العمل المشكل والمنسجم أرجأ فكرة الغموض، وحفز القول إن الغيمة التي كان ينتظرها الشاعر كي تروي عطشه، ما هي إلا غيمة جافة، لذلك فالمطر لا يزيد الذات إلا حزنا.
2- الماء/ التكون:
يقول محمد علي الرباوي:
ضعيفا كنت، ضعيفا ما زلت، فهذا الورد حبيبي ما زاد فؤادي غلا عطشا. (ص- 53)
أم أخرجت القرية هذي مطر السوء وأنت بها اللحظة لا تسمع إلا همسا. (ص- 82)
فالمطر نفسه التأم وتشكل مع السوء، فلم يزد الشاعر غلا عطشا، ولم يرو ظمأه كما كان منتظرا.
إن الارتواء كما صوره محمد علي الرباوي في كثير من المقاطع الشعرية من ديوانه، ارتواء دامع. تخلقه مقل الحبيب، وتشكله عيون الأحجار الدافئة، وتتحول منه المكائد والمساوئ، هذه هي لحظات السقي والري، وتلك مراحل كانت المثال الأكمل لتحسين وضعية الظمإ. يقول:
متشابكة أغصان ذنوبي
لكني اطمع
أن تمتد إلي عيون حبيبي
تسقي بسواقيها البيضاء
حدائق ذاتي (- 45).
ويقول:
اليوم أستبكيك يا أيتها الحمامة
أرسل مقلتي إليك
فاملئي جرارها بما لديك
من دموع (ص- 60)
مع احتمالية اللجوء إلى الذات، وسيلة لتخليص الشاعر من ظمإه جعله يمخر عباب العيون. لكي يخلق من خلالها ذلك الارتواء المفتقد من الأمطار والغيوم (العطشانة). لذلك، فالذات هي الأساس والمركز الذي يخلق من التماثل المحوري، والذات أيضا هي عنصر مقابل للموضوع، ودليل على التوافق الاجتماعي الذي يطمح الشاعر بثه في ذات المتلقي. يقول: » حزني ذاتي بالدرجة الأولى، لقد قلت بأن الشعر عندي معاناة. فأنا أنقل معاناتي للآخر وهذي المعاناة قد يكون مصدرها الذات وقد يكون مصدرها الخارج في علاقته بالذات. » (من حوار مع الشاعر).

3- الماء / التجمع.
القصد هنا من التجمع: مصب الماء المكتمل، واحتمال المرور بمجار للوصول على الاكتمال، وهذا هو مطمح الشاعر نفسه. يقول:
قدمت عند السد للبحر قرابيني
ولكن، مع جزره
يظل كل قربانا محاطا
بالصخور والرمال
كما سبقت الإشارة، فالأحجار – دائما- تبقى محمولة على كتف الشاعر، معبأة بأنواع الحزن. لذلك فقربانه أيضا محاط بالصخور والرمال، فلا يجد طريقا للوصول على الآخر، ويحل عنه مصائب الذات، وهو حينا آخر يقول:
إن الأحجار الفوارة قد فصلتني عنك، هي الآن تطوح بي بين أقاليم الحزن، تكبلني ببحار الهم القاتل.(ص- 93).
فتشكل الهم بحارا، بالرغم من أن الأمر يتعلق هنا بالمجاز: قاتلة. فسوغت للذات أن تتآكل وتتلاشى بين أشلاء الذوات الحزينة الأخرى، التي اجتمعت مياهها قطرة فأخرى لتنزل في غياهب الجب. لكن الجب بدوره عميق عمق الذات الحزينة:
هو الجب كجوفي المحروق عميق، وعميق ما أحمل في أعشابي من فرح حجري، هو ذاتي انشطرت شطرين، فواحدة في هذا الجب، وأخرى أسكنت عواصفها جوفي. هي باكية تغرس عينيها في جسدي. (ص- 45).

إن هذا الخطاب الموجه إلى الذات الشاعرة، مهد الطريق للتعريف بأهم المعايير الجذابة في البنية العامة للمجموعة. ومحاولتنا هذه انحصرت في الماء باعتباره المنعش، ومفرج كربة الشاعر المتعطش. ودليل القوة فيه بارز من خلال الإحصاء العام الذي سجل بعد تصفح المجموعة. والإحصاء إن كان في الأول يظهر كثرة المسوغات العامة؛ فإنه في موضوع آخر يبرز مدى التكاثف والتمظهر الكلي للنصوص داخل نسق التيمة الأساسية.
قد نشتق من هذا اللفظ (الماء) جملة مرادفات، لكن المهم منها أن تسير المسير نفسه الذي ةخططنا له من قبل: المصدر، التكون ثم التجمع. لذلك فسنخص هذا الإحصاء العددي بتحديد موضوعي مقسم إلى مستويات:
المستوى الأولالمستوى الثانيالمستوى الثالث
الرعد: ص- 15.
الغيم: ص- 23.
الجفاف: ص- 33.
غيمة الكآبة: ص- 57.
تبددنا كالغيمة: ص- 95.سواقي الماء البارد: ص- 19.
تسقي بسواقيها: ص- 45.
الوِرد: ص- 53.
قمم تخزن أنهار البلد:ص- 64.
مطر السوء: ص- 82.
جدوال رقراقة: ص- 94.
النهر الصافي: ص- 15.
الشط: ص- 16.
البحر: ص- 38.
المد والجزر،البحر: ص- 42.
الساحل الأخضر: ص- 46.
الجب كجوفي: ص- 54.
محيطا خليجيا: ص- 59.
السد الدامس: ص- 66.
نستنتج من هذا الاستبيان أن البحث عند الشاعر يتعلق بشيء ثمين هو الماء. واقتصارنا على هذا النمط من التحليل يشكل اللبنة الأولى؛ لأن التشاكل والتباين: » هو الضامن لانسجام أجزائه وارتباط أقواله. وأنه يتولد عنه تراكم تعبيري ومضموني تحتمه طبيعة اللغة والكلام، وأنه هو الذي يبعد الغموض والإبهام اللذين يكونان في بعض النصوص التي تحتمل قراءات متعددة. » (محمد مفتاح: تحليل الخطاب الشعري- استراتيجية التناص، ص- 21).

من هنا وجبت الإشارة إلى أن استخراج المضامين المتفردة لكل نص لا يلبي القصد، وإنما وجب تتبع كل النصوص ذهابا وإيابا ولمرات عديدة حتى يتوصل القارئ إلى التيمات المتكررة، ثم بؤرة التوتر.

وخلاص الشاعر محمد علي الرباوي في مجموعته الأحجار الفوارة وجل أشعاره السابقة هو الذات. والذات إلا تتلاشى أعضاؤها، وإنما تتوحد مرة ثانية، لأن التفكيكية استراتيجية للنص وممارسة عليه. لذا لا يتعين علينا أن نخضع للتفكيك إلا لبناء النصوص مرة ثانية. ومن خلال التفتيت الذي صغناه سابقا حول تيمة الماء والارتواء في شعر محمد علي الرباوي، نقول إن الأمر لا يتعلق بالذات الشاعرة، والذات باعتبارها الركن الذي ينطلق منه الرباوي، مثلت أمام جل التعبيرات وصيغت في جل التشكيلات لتوحي للقارئ أنه الممتلئ فكرا. والمتلقي الأكثر تعمقا في الترتيب الضمني والذهني للمقولات الشعرية. فلا غموض للقصيدة كما سبقت الإشارة وإنما مرور من الظاهري إلى المتعمق. وتعمقنا في شعر محمد علي الرباوي يطرح أمامنا سلطة الذات، والذات بتعبيراتها المختلفة دليل على الانطواء وراء الأحزان التي خلفتها. فنلاحظ أنه في قصيدته الأولى (الكأس)، يكرر يا المتكلم حوالي أربعا وأربعين مرة. وهو دليل كاف على تصدع الذات. وكل صيغة مربوطة بياء المتكلم تنبئ بالحزن( شتاتي، حزني، جناحي، خيلي…) كما نلاحظ تكرار بعض المفردات الأخرى في المجموعة ككل، مثل: الخمائل = خمس مرات، ويمخر: مرات عديدة.. وما هي إلا دليل على وقعها في نفس الشاعر. فالخمائل في معناها الأصلي: » الشجر الكثير الملتف » مرتبطة في شعر الرباوي بالضلوع، والحزن والأيام والقلب. وكلها مواصفات تحمل صفة الضياع والالتفاف الملغوم. أم يمخر، فهي أيضا تتعلق بدلالة الماء (البحر)، لأن يمخر تعني صعاب ومشاق عبور البحر، وهي كذلك مرتبطة بالحزن.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *