وتستمر الإبادة رغم التنديد بالعدو والاعتراف بالدولة الفلسطينية !!!

بسم الله الرحمن الرحيم
وتستمر الإبادة رغم التنديد بالعدو والاعتراف بالدولة الفلسطينية !!!
لا تفصلنا سوى أياما معدودات عن استكمال الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني سنتها الثانية، دون أدنى اعتبار للعدو الصهيوني لا للقرارات الأممية التي يندرج ضمنها قرار محكمة العدل الدولية، التي أصدرت مذكرتي اعتقال في حق نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف كالانت، ولا للإدانات المتكررة لجل دول العالم، ولا للاحتجاجات التي عمت أغلب شعوب المعمور، والتي أصبح عدد المشاركين فيها يتكاثر كما وكيفا يوما بعد يوم، بل كل ذلك لم يزده إلا تعنتا وإمعانا في تدمير البشر والشجر والحجر.
وإذا كان الأمر على ما هو عليه، فلا شك أن للعدو ما يكفي من المعطيات الميدانية التي يستند إليها في تجاهله لمختلف هذه « العراقيل ». ولا شك أن أهم هذه المعطيات تتمثل في موقف الولايات المتحدة الأمريكية التي أبانت عن انخراطها في مواجهة العالم بأكمله، والوقوف بجانب العدو، من خلال الاستغلال المبتذل لورقة الفيتو، كما كان الشأن عندما تم اعتماده لإسقاط مشروع قرارٍ لمجلس الأمن الدولي، كان سيطالب بوقف فوري وغير مشروط ودائم لإطلاق النار في غزة، ويطالب إسرائيل برفع جميع القيود المفروضة على إيصال المساعدات إلى القطاع الفلسطيني، وذلك على الرغم من مساهمة عشرة أعضاء من إجمالي 15 عضوا في المجلس في صياغة المشروع ودعمه من قبل 14 عضوا، وعلى الرغم من كونه يطالب أيضا بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن المحتجزين لدى مختلف فصائل حركة المقاومة.
وإذا كانت الولايات المتحدة مستعدة لفرض قرارها على دول العالم المنضوية تحت راية « الأمم المتحدة » وعلى أعضاء مجلس الأمن بمن فيهم الدول الأربعة الأخرى التي تمتلك حق الفيتو، فهذا يعني: إما أن هناك تراتبية في استعمال هذا الحق تتصدرها الولايات المتحدة، وإما أن هناك تواطؤ وترتيبات داخل مجلس الأمن نفسه للسماح باعتماد هذا « الحق » الباطل من هذا العضو أو ذك، انطلاقا من حسابات سياسية تراعي المصلحة الخاصة لكل عضو على حذة. وفي كلتا الحالتين يَفرض السؤال التالي نفسه: ما فائدة التنديدات والتنديدات « الشديدة » من قبل الدول المغلوبة على أمرها، خاصة إذا تكررت دون أن يسندها فعل ملموس على أرض الواقع، كما هو الشأن بالنسبة للدول العربية والإسلامية التي تكررت قممها، وفي كل مرة يكون التنديد بممارسات العدو ورفضها » الرفض القاطع » هو السلاح الوحيد، كما هو واضح في المقتطفات التالية من البيان الختامي لقمة الدوحة الأخيرة بعد العدوان المتغطرس على دولة قطر:
- الإدانة بأشد العبارات للهجوم الجبان غير الشرعي الذي شنته إسرائيل في 9 سبتمبر / أيلول 2025 على حي سكني في العاصمة القطرية الدوحة…
- التأكيد على التضامن المطلق مع دولة قطر ضد هذا العدوان الذي يمثل عدوانا على جميع الدول العربية والإسلامية…
- التأكيد على الرفض القاطع لمحاولات تبرير هذا العدوان تحت أي ذريعة كانت، والتشديد على أنه يشكل انتهاكا سافرا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة…
- الرفض الكامل والمطلق للتهديدات الإسرائيلية المتكررة بإمكانية استهداف دولة قطر مجددا، أو أي دولة عربية أو إسلامية، ونعتبرها استفزازا وتصعيدا خطيرا يهدد السلم والأمن الدوليين. ونحث المجتمع الدولي على إدانتها بأشد العبارات واتخاذ الإجراءات الرادعة الكفيلة بوقفها.
- تأكيد إدانة أي محاولات إسرائيلية لتهجير الشعب الفلسطيني، تحت أي ذريعة أو مسمى، من أراضيه المحتلة عام 1967، واعتبار ذلك جريمة ضد الإنسانية…
فماذا يعني التصريح ب »الرفض الكامل والمطلق للتهديدات الإسرائيلية المتكررة بإمكانية استهداف دولة قطر مجددا، أو أي دولة عربية أو إسلامية » في الوقت الذي تُقصف فيه سوريا ولبنان واليمن… دون اتخاذ أية إجراءات عملية، ولو في مستوياتها الدنيا من قبيل وقف التطبيع، غير الاستسلام للعدو إن لم يتجاوزه إلى التواطؤ معه، وما الاستنجاد بالمجتمع الدولي والأمم المتحدة التي أبانت عن عجزها في تنفيذ الأحكام التي أصدرتها عدد من الأجهزة التابعة لها إلا دليل على هذا الاستسلام.
نفس السؤال يُطرح بخصوص اعتراف 157 دولة بدولة فلسطين لحد الآن، مع الإشارة إلى وجود فريقين بحسب طبيعة الاعتراف: فريق يحذو حذو الاعتراف الإسباني الذي يتجسد في عدد من الخطوات العملية من قبيل حضر إبرام عقود التسلح مع العدو الصهيوني، وإلغاء المرحلة الأخيرة من طواف إسبانيا للدراجات، والتهديد بالانسحاب من كأس العالم لسنة 2026 إذا تأهل له منتخب إsرائيل…والآخر يتماهى مع الاعتراف الفرنسي الذي لا يمكن أن يكون إلى لصالح العدو الصهيوني، وإلا فأي منطق هذا الذي يُشترط فيه على المقاومة تحرير ما تبقى من الرهائن ثم التخلي عن سلاحها والانسحاب الكلي من الساحة الفلسطينية قبل الشروع في مفاوضات الحل النهائي، التي لن تؤدي في أحسن الأحوال إلا إلى ما كان يُفترض أن يؤدي إليه مؤتمر مدريد للسلام وما تلاه من مفاوضات مع منظمة التحرير الفلسطينية، والأدهى من هذا هو أن الرئيس الفرنسي لم يُشر لا من قريب ولا من بعيد إلى أي إجراء عملي يثني العدو عن مواصلة عملية الإبادة الجماعية علما أن فرنسا تتوفر على « حق » الفيتو، ومما يؤكد أن مضمون هذا الاعتراف الخرافي يخدم مصلحة العدو 100% وليس فيه للفلسطينيين إلا الاسم، هو ربطه بضرورة تطبيع الدول العربية والإسلامية مع العدو الصهيوني.
في الأخير أقول بأن المأساة الفلسطينية دامت أكثر مما يلزم، وأن طوفان الأقصى لم يترك مجالا للمراوغة لا للأفراد ولا للدول والأنظمة، فإما الاصطفاف مع حق الشعب الفلسطيني ومساندته ماديا ومعنويا في تقرير مصيره، وإما التخندق ضد هذا الحق بعيدا عن السفسطة التي لا هدف لها سوى منح الوقت للعدو لتحقيق حلم « إsرائيل الكبرى ». ولعل الأحداث المصاحبة لأسطول الصمود كفيلة بتمحيص مواقف الدول التي يشارك مواطنوها فيه على الأقل، والتي يبدو من خلال التباطؤ الحاصل في تقدمه نحو غزة، ومن خلال تعامل الدول المعنية مع مهاجمته من قبل العدو، سواء في تونس أو في عرض البحر البيض المتوسط، ومن خلال بعض الانسحابات التي عمل أصحابها على تبريرها، أن هناك أمورا تُدار في الخفاء بين العدو بشقيه الصهيوني والأمريكي، ومسؤولي الدول التي تم إحراجها من قبل مواطنيها المشاركين في الأسطول، ذلك أنه إذا كان سكوت عدد من الدول المغلوبة على أمرها مفهوم، فإن موقف حكومة إيطاليا التي أرسلت سفينة حربية لإغاثة المتضررين في حالة وقوع هجوم صهيوني، لتردف ذلك بإخبار مواطنيها حسب بعض المواقع الإخبارية بأن عليهم أن يتحملوا مسؤوليتهم الفردية فيما يمكن أن يصيبهم من أذى، يبقى موقفا في صالح العدو، ولا يبقى سوى موقف الحكومة الإسبانية التي أبانت لحد الآن عن انسجام بين أقوالها وأفعالها. ومما لا شك فيه أن مصير خطة ترامب للسلام نجاحا أو فشلا سيُخرج للعلن بعضا مما يُعتمل في الخفاء، ويكشف بالملموس حقيقة المنددين باللسان والمنددين بالفعل على حد سواء، ويميز بين الصادقين في أقوالهم وأفعالهم وبين المنافقين الذين يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، ويخفون في أنفسهم ما لا يبدون، وصدق الشاعر إذ يقول:
وما المرءُ إلا فعلُه ووفاؤه … وليس بكثرةِ ما يقولُ لسانُه
الحسن جرودي





Aucun commentaire