Home»Islam»حديث الجمعة : (( واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين ))

حديث الجمعة : (( واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين ))

0
Shares
PinterestGoogle+

حديث الجمعة : (( واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين ))

محمد شركي

مر بنا في حديث الجمعة الفارطة بيان ما ورد فيه قول الله تعالى : (( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ))، وقد خص فيه رسوله صلى الله عليه وسلم بصفة الرحمة التي تجلت في تخلقه بخلق القرآن الكريم الذي جعله الله تعالى رحمة للعالمين جنا وإنسا وغيرهما من سائر المخلوقات على اختلاف أنواعها وأجناسها إذ أمر فيه برحمة سائر ما خلق عن طريق سلوكات معلومة ترجمها  سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أفعالا وأقوالا وتقريرات .

ولقد تعددت الآيات الكريمة التي فصلت في تجليات رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي نذكر منها ما جاء في الآية الكريمة الخامسة عشرة بعد المائتين من سورة الشعراء  التي يقول فيها سبحانه وتعالى مخاطبا نبيه الكريم  (( واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين )) ، وقد جاءت  معترضة بين  بقوله عز من قائل : (( وأنذر عشيرتك الأقربين )) وبين قوله : (( فإن عصوك فقل إني بريء مما تعملون )) .

ومما  جاء في كتب التفسير بخصوص سبب نزول الآيتين اللتين توسطتهما  آية أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بخفض جناحه لمن اتبعه من المؤمنين  أن الله تعالى لما  أمر رسوله بإنذار عشيرته الأقربين خرج إليهم مناديا يخص بالذكر بعضهم كعمته صفية بنت عبد المطلب ، وبنته فاطمة الزهراء وزوجها علي بن أبي طالب وغيرهم دون ذكر من كان لا زال  منهم على ملة الشرك كعمه أبي طالب مع أنه كان هو وغيره ممن لم يؤمنوا بعد مشمولين أيضا بالإنذار دون ذكر أسمائهم كما ذكر أسماء المؤمنين منهم . ولقد شق ذلك على غير عشيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من المؤمنين لما لم يشملهم الذكر في ذلك الإنذار، فأمره الله تعالى بأن يخفض لهم جناحه  إكراما لهم لأجل إيمانهم واتباعهم الرسول صلى الله عليه وسلم . ويمثل هذا الأمر الإلهي للرسول صلى الله عليه وسلم تجليا من تجليات الرحمة العامة التي أودعها فيه الله عز وجل لما أنزل عليه كتاب الرحمة بالعالمين أجمعين ، وهو تخصيص المؤمنين ممن عاصروه بخفض الجناح الذي هو كناية عن التواضع لهم وحسن معاملتهم . وهذا التعبير القرآني البليغ  والبديع المكني عن هذا السلوك الرفيع  إنما اقتبس من صفة الطير الذي يطير عاليا  في السماء ببسط جناحيه ، ويخفضهما إذا نزل من عليائه ،والإنسان يتشبه به في  حال خفضه جناحه  حين يتواضع لغيره ،  ويلين له قولا وفعلا ، ويحسن معاملته . وهذا التعبير ورد أيضا في أمر المؤمنين بالإحسان إلى الوالدين في قوله تعالى : (( واخفض لهما جناح الذل من الرحمة )) ، وهنا جاء الأمر بخفض الجناح للوالدين أشد وأوكد من مجرد خفض الجناح الدال على التواضع وحسن المعاملة، لهذا استعير للذل الجناح تعبيرا عن منتهى درجة التواضع الواجبة للوالدين والتي تبلغ حد إذلال النفس لهما .

وأمرُ الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بخفض جناحه لمن اتبعه من المؤمنين فيه وصف له بصفة التواضع المنشطر عن الرحمة العامة  التي أودعها فيه من خلال إيداعها في القرآن الكريم الرحمة المهداة  للعالمين من ربهم سبحانه وتعالى. ولن يبلغ المتواضعون  من البشر مهما كانوا مرتبة التواضع التي خص بها الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم رحمة بالمؤمنين، ذلك لأن قدره عند ربه عز وجل ليس يدانيه قدر أحد . وإذا كان تواضع العظماء يكبر في أعين الناس، وقد يذرفون دموعهم فرحا وابتهاجا بذلك  لأنه غير معتاد في غيرهم من ذوي العظمة المتكبرين، فإن تواضع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أثنى عليه ربه سبحانه وتعالى  بقوله : (( وإنك لعلى خلق عظيم )) هو تواضع  فوق تواضع المتواضعين  من العظماء مهما بلغ تواضعهم، لأن قيمة التواضع تكون على قدر عظمة المتواضع ، وعظمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فوق كل عظمة .

ولقد مر بنا في حديث الجمعة الفارطة أن الله تعالى نوه بعظمة خلق رسوله صلى الله عليه وسلم المبعوث رحمة  للعالمين وجعله قدوة وإسوة لهم، وهو أمر لهم للتخلق بخلقه على قدر وسعهم دون أن يتأتى لأحد منهم أن يبلغ شأوه عليه الصلاة والسلام .

والقصد من حديث هذه الجمعة هو تذكير المؤمنين بصفة من صفاته عليه الصلاة والسلام التي هي التواضع، وقد جاء التعبير عنه في كتاب الله عز وجل في منتهى البلاغة والروعة،ذلك أنه عند التدبر فيه  تستحضر عظمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي فوق كل تصور ، ولهذا علينا أن ندرك  قيمة تواضعه  للمؤمنين مع تلك العظمة  وهو أعلى درجات التواضع التي لا يمكن أن يبلغه متواضع مهما بالغ  في تواضعه .

وما أغلى وما أندر صفة التواضع  بين  المؤمنين  اقتداء وتأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم  في هذا الزمان الذي أصاب فيه داء العظمة كثير من الناس  والذي مرده الاعتداد  بالسلطان أوالجاه أوالمال أو العلم  أو الشهرة من كل نوع… أو غير ذلك مما يحسب على العظمة مع أنه إلى زوال مع زوال متاع دار الغرور. والغريب أن الناس في هذا الزمان يستعظمون العظمة  دون تواضع أيما استعظام ، و جل المستعظَمين  ـ بفتح الظاء ـ في هذا الزمان يرون في التواضع منقصة لعظمتهم  من شأنه أن يجعل المستعظِمين لهم ـ بكسر الظاء ـ يقصرون في إجلالهم وتقديرهم واحترامهم ، وليس هؤلاء بالمقتدين ولا بالمتأسين برسول الله صلى الله عليه وسلم ، والأجدر بهم أن يذكروا  عظمته وتواضعه إذا حضرهم الشعور بالعظمة وبجحت بها أنفسهم .

وليس التواضع الذي أمر به الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم حكرا عليه وعلى أصحاب العظمة ، بل كل المؤمنين مطالبين بهذا الخلق العظيم الذي هو زينتهم المعنوية التي يتزينون بها ، ويتباهون بها فيما بينهم عوض التزين  والتباهي بغيرها مما يفسد النفوس من عظمة وكبرياء . وعلى المؤمن الكيس إذا أطرى عليه الناس أن يحثو الثرى فوق هامته تواضعا لله تعالى ، وما تواضع له سبحانه وتعالى من تكبر على خلقه  ولم يتواضع لهم.

اللهم  زينا بزينة التواضع ، ونعوذ بك من الكبرياء الذي جعلته رداءك.

اللهم إنا نستمطرك الفرج العاجل من الكرب الذي ألم بالمستضعفين من عبادك المؤمنين في أرض الإسراء والمعراج ، وندعوك بما وصفت به ذاتك المقدسة لا إله إلا أنت العظيم الحليم رب العرش العظيم الكريم ، ورب السماوات والأرض وما بينهما  أن تعجل لهم بفرجك يا مفرج الكروب. اللهم لا تخيب رجاءهم ورجاءنا فيك وقد أطمعتنا فيه بقولك الكريم : (( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان )) ، اللهم إن قصرت هممنا في الاستجابة لك كما تحب وترضى ، وضعف إيماننا عما ترضاه لنا ، وقل عزمنا في نشدانه، فأنت أرحم وأرأف من أن تردنا خائبين إذا دعوناك . اللهم إنا نشكو إليك ضعف إخواننا المستضعفين  وضعفنا وقلة حيلتنا وهواننا على أعدائك وأعدائنا يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين وربنا العظيم إلى من تكلنا وتكل إخواننا وهم في كرب عظيم ؟ إن لم يكن بك علينا وعليهم غضب فلا نبالي ولا يبالون ، ولكن عافيتك أوسع لنا ولهم ، نعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن ينزل   بهم وبنا غضبك أو يحل بهم  وبنا سخطك لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك سبحانك .

والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *