Home»Islam»حديث الجمعة : (( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ))

حديث الجمعة : (( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ))

2
Shares
PinterestGoogle+

حديث الجمعة : (( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ))

محمد شركي

مواصلة للحديث عن فئة عباد الله المؤمنين، سنتطرق  في هذا الحديث إلى موضوع يتعلق بصفوتهم، وتحديدا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ختم به الله تعالى الرسالات والرسل صلواته وسلامه عليهم أجمعين.

ومعلوم أن الله تعالى خص في الرسالة الخاتمة  بعض رسله بالذكر، ووصف كل واحد منهم بما أنعم عليه من سجايا وأخلاق، وصفات،  وأحوال، علما بأنهم جميعا  قد اجتباهم  واصطفاهم ذرية بعضها من بعض ونزههم عما يعرض لباقي الخلق من نواقص . وباستعراض صفات من  ذكروا من رسل وأنبياء صلوات الله عليهم وسلامهم عليهم أجمعين في القرآن الكريم ،نجد أن كل واحد منهم خص بما ميزه به الله تعالى عن غيره  من صفات محمودة ، وميز رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفات خصه بها دون غيره من الرسل والأنبياء ، ومما خص به ما جاء في الآية الكريمة السابعة بعد المائة من سورة الأنبياء حيث قال سبحانه وتعالى : (( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )) ، ففي هذه الآية خُصَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفة الرحمة ،وهي صفة من صفات الله تعالى تقتضي وجود من يرحم يكون مفتقرا إليها دون أن يكون للرحيم حاجة  يرجوها عنده ، بل تكون رحمته عناية به وتفضلا ، وتكرما عليه .

ولقد أضفى الله تعالى في هذه الآية الكريمة صفة رحمته على خاتم رسله عليه الصلاة والسلام ، وجعله رحيما بالخلق إلى قيام الساعة بما آتاه  سبحاته  في الرسالة الخاتمة من هدي تتحقق به الرحمة التي خص بها العالمين  .

ولقد جاء في كتب التفسير أن  هذه الآية الكريمة تضمنت ذكرا للرسول صلى الله عليه وسلم ، ولمرسله سبحانه وتعالى ، وللرسالة ، ولمن أرسل إليهم .

 وتجلت رحمة الله تعالى في كونه المرسل الذي تعطف على العالمين برسالة  خاتمة مضمونها كله رحمة  قد بلغت أوجها مقارنة مع الرسائل السابقة التي لم تبلغ درجة رحمتها ، وهي درجة تتمثل فيما أودعه الله تعالى في شريعتها من يسر ، وقد خلت  من  كل عسر مصداقا لقوله عز من قائل في الآية الكريمة الثامنة والسبعين من سورة الحج : (( وما جعل عليكم في الدين من حرج ))  ، علما بأن الشرائع التي بعث بها الرسل والأنبياء قبل الرسالة الخاتمة لم تكن في درجة يسر شريعتها التي تختزلها كلمة الرحمة . ولقد  وردت هذه الكلمة في أسلوب حصر وهي نكرة (( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )) . ولقد ذكربعض المفسرون أن تنكيرها  يفيد التعظيم .

  وكما تجلت نعمة الرحمة في الذات الإلهية المقدسة من خلال إرسال الرسالة الختامة ، فإنها تجلت في الرسول المبلغ لها صلى الله عليه وسلم الذي أسبغ عليه سبحانه وتعالى هذه الصفة حيث خلّق بخلق هذه الرسالة كما جاء في قول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حين سئلت عن خلقه عليه الصلاة والسلام ، فقالت :  » كان خلقه القرآن  » ، وإن في قولها هذا إشارة إلى خلق الرحمة الذي هو مقصد الرسالة الخاتمة. ولا يمكن أن تكون هذه الرسالة حمالة للرحمة دون أن يكون مبلغها للعالمين غير متصف بالرحمة ، وهو الذي كان يترجم تلك الرحمة المتضمنة فيها إجرائيا وعمليا  من خلال سلوكه  ومعاملاته وكل أحواله.

ولقد خص الله تعالى العالمين بهذه الرحمة المتمثلة في الرسالة الخاتمة ، وفي الرسول الذي بلغها عنه ، وورد في  بعض كتب التفسير أن المقصود بالعالمين ليسوا البشر وحدهم دون سائر الكائنات، بل كل ما خلق الله تعالى ، وهي تتجلى  فيما أوصى به سبحانه وتعالى البشر تجاه كل المخلوقات المحيطة بهم، والتي تشاركهم الوجود فوق ظهرهذه البسيطة  من مخلوقات حية ، ومن جماد.

والذي يعنينا في هذا الحديث هو صفة الرحمة التي أعطيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وشهد له بها الله عز وجل في أكثر من موضع في القرآن الكريم كقوله تعالى في الآية السابقة  : (( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )) ، وقوله في الآية الكريمة الرابعة من سورة القلم  : (( وإنك لعلى خلق عظيم ))، ففي هذه الشهادة إشارة إلى خلق الرحمة الذي عظمه الله تعالى، و كذلك في الآية  الكريمة التاسعة والخمسين بعد المائة من سورة آل عمران  : (( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك )) … إلى غير ذلك من المواضع التي وردت فيها الإشارة إلى خلق الرحمة  التي أودعه الله تعالى في رسوله صلى الله عليه وسلم . ولا بد هنا من الإشارة إلى أن الله تعالى باجتبائه واصطفائه رسوله صلى الله عليه وسلم، واختياره خاتما للمرسلين قد أعده ليكون على الخلق العظيم الذي هو الرحمة المودعة في الرسالة الخاتمة والذي أمره سبحانه وتعالى يجسدها  إجرائيا وعمليا  من خلال سلوكه كي يتابعه الناس  في ذلك ، ويتخلقون بخلقه ،وقد جعله الله تعالى إسوة  وقدوة لهم كما جاء في الآية الكريمة الواحدة والعشرين من سورة الأحزاب : (( لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا )) ، علما بأنه يكون ذكره سبحانه وتعالى كثيرا كما أمر إلا باستحضاره في كل وقت وحين  من خلال استعراض رسالته الخاتمة على الدوام  وعرض النفوس عليها، وضبط السلوك وفق تعليماتها ، ولن يحصل ذلك إلا بالتأسي والاقتداء برسوله صلى الله عليه وسلم الذي شهد له سبحانه وتعالى بكامل الانضباط  لها حتى حاز صفة الخلق العظيم .

ومعلوم أنه لا مندوحة لمن يتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم من الرجوع إلى سيرته العطرة يستعين بها على فهم ما ورد في كتاب الله عز وجل من سجاياها التي هي تطبيق عملي إجرائي لصفة الرحمة .

مناسبة حديث هذه الجمعة اقتضته مناسبة حلول مولد نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم الذي يصادف هذا اليوم العظيم، وهو خير ما طلعت عليه الشمس من أيام الله تعالى. ولا شك أننا  كمؤمنين في أمس الحاجة ونحن نحيي هذه الذكرى العطرة إلى النهل من صفة الرحمة التي منّ بها الله تعالى علي العالمين  في محكم التنزيل ،وعهد إلى رسوله الكريم أن يبلغها عنه من خلال تجسيدها عمليا وإجرائيا كي يتأسى ويقتدي به  خلقه ،ويجنوا ثمارها في حياتهم ، ويسعدون بها سعادة الدنيا المفضية بدورها إلى السعادة الأبدية في الآخرة .

ولا بد هنا من التطرق إلى ما يثار من أحاديث ، وما يقع  كل سنة بخصوص الاحتفال بذكرى مولد سيد الخلق عليه أفضل الصلوات وأزكى السلام ، ذلك أن بعض الغلاة من المنتسبين إلى دين الإسلام ينكرون جملة وتفصيلا هذا الاحتفال ردا على بعض من يخرجون عن إطار الاحتفال الجائز شرعا والذي يجب أن يهتم باستعراض سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم بغرض التأسي والاقتداء  ، وذلك من خلال سلوكات  منحرفة لا تمت بصلة إلى سيرته . وهنا لا بد من القول أن منكري الاحتفال بذكرى المولد جملة وتفصيلا ليسوا على شيء كما أجمع على ذلك أهل العلم ، كما أن الخارجين على ما  بلغه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه سبحانه وتعالى ليسوا على شيء أيضا، لأنهم يعطلون التأسي  والاقتداء به من خلال ما يبتدعونه من بدع تعكسها سلوكات مسيئة إلى شخصه الكريم المقدس .وبين غلاة الرافضين للاحتفال ، والمحتفلين بما يخالف التأسي والاقتداء ، يوجد من يحبون هذه الذكرى العظيمة  بما يرضي الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ويرعى للمناسبة قدسيتها .

 وأما ما يطعمه الناس في هذه المناسبة  من أطعمة دون إسراف ولا تبذير  ابتهاجا بها ، فلا يمكن أن يحسب بدعة كما يزعم البعض ،لأن ذلك من الطيبات التي أحلها الله تعالى ، ولا يحق لغيره أن يحرمها . وأما ما يقوم به صغار المؤمنين من ألعاب فلا يمكن أن يبدِّعه المبدِّعون لأنه من لعب الصغار دون أن يكون فيه ما يلحق بهم الضرر كاستعمال الألعاب النارية .  وأما سماع الأشعار والمدائح التي تتغنى بالسيرة  العطرة للنبي العظيم صلى الله عليه وسلم  دون شطحات … أو غيرها  مما لا يجوز شرعا، فلا يجب أن تحسب على البدع  لأنه  صلى الله عليه وسلم استنشد الشعراء ، واستمع إليهم، ولم يمتنع أو يأنف من سماع أشعارهم، ولم يمنعهم من مدحه بما فيه ، لهذا لا يجوز لمن تأخر بهم الزمان أن يبتدعوا بدعة  تحريم مديح رسول الله صلى الله عليه وسلم بما هو أهل له دون تجاوز ما وصفه به ربه سبحانه وتعالى.

 و لهذا يتعين على المؤمنين حيثما وجدوا أن يخصوا مناسبة مولده العظيم بما تستحقه من تبجيل وتعظيم شريطة أن يتجلى ذلك بما يحصل به التأسي والاقتداء به .

اللهم إنا نسألك بهذه المناسبة  الكريمة العظيمة التي عظمت خلق صاحبها أن تصلي  وتسلم عليه وعلى آله الطيبين  الطاهرين وصحابته الأكرمين في كل وقت وحين ما تعاقب الليل والنهار ، وأن ترزقنا  حبهم ، وحسن التأسي والاقتداء بهم ما حيينا ، وأن تحشرنا في زمرته يوم البعث والنشور ، وأن تجعل رسولك الكريم  لنا شفيعا يومئذ .

اللهم انصر اخواننا المستضعفين في أرض الإسراء والمعراج نصرا تعز به دينك ، وعجل لهم اللهم  بفرج قريب عاجل من عند ببركة مولد حبيبك وخليلك عليه الصلاة والسلام ، وسلط اللهم  أشد عقابك عاجلا على أعدائهم الكافرين، وعلى الشامتين بهم من المنافقين فإنهم لا يعجزونك ، وأنت عليهم قدير وقوي ومتين .

والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *