المحكمة الدستورية تنتصر لاستقلال القضاء

ذة.سليمة فراجيلقد اصابت المحكمة الدستورية لما انتصرت لاستقلال القضاء اذ لا يعقل ان
يمنح وزير العدل الذي هو عضو في السلطة التنفيذية صلاحية احالة القضاة
على محكمة النقض بدعوى تجاوزهم لاختصاصهم او التشكك المشروع
كيف يُعقل، في مغرب دستور 2011، أن يُمنح وزير العدل، وهو عضو في السلطة
التنفيذية، صلاحية إحالة قضايا على محكمة النقض بدعوى “تجاوز القضاة
لاختصاصاتهم” أو “التشكك المشروع”؟
هل نحن بصدد تكريس رقابة سياسية على القضاة؟
هل أصبح القاضي مطالبًا بأن يُرضي الوزير قبل أن يُرضي ضميره؟
إن هذا المقتضى لا يُجسد فقط خرقًا صارخا لمبدأ فصل السلط، بل هو خطر
محدق مباشر لاستقلال القضاء، وتحويل خطير للسلطة القضائية إلى مجرد
امتداد للسلطة التنفيذية.
لقد أصابت المحكمة الدستورية حين اعتبرت هذا النص غير مطابق للدستور.
لأن قبول هذا المنطق يعني ببساطة اغتيال استقلال القضاء بموجب نص تشريعي.
وإذا سُمح لوزير في الحكومة بالتدخل في مسار القضايا باسم “الاشتباه”
و”التشكك”، فما الذي تبقى من ضمانات المحاكمة العادلة؟
وهل نحن نبني دولة المؤسسات أم نُؤسّس لعودة الدولة المتدخلة في الضمير القضائي؟
هذا المقتضى لم يكن مجرد خلل تشريعي، بل محاولة علنية لفرض الوصاية
التنفيذية على القضاء، وهو ما لن يقبله أي غيور على الدستور
اذ ما نصت عليه 408 و410، على أنه: « يمكن لوزير العدل أو للوكيل العام
للملك لدى محكمة النقض، أن يقدم طلب الإحالة إلى هذه المحكمة المقررات
التي قد يكون القضاة تجاوزوا فيها سلطاتهم »، وعلى أنه: « يمكن لوزير العدل
أو للوكيل العام للملك لدى محكمة النقض تقديم طلب الإحالة من أجل التشكك
المشروع أمام هذه المحكمة عند عدم تقديم طلب في الموضوع من الأطراف »؛
تخولان لوزير العدل، بصفته عضوًا في السلطة التنفيذية، صلاحية إحالة
القضايا على محكمة النقض بدعوى “الاشتباه في تجاوز القضاة لاختصاصهم” أو
“التشكك المشروع”. وهذا وحده، لو بقي، كان كفيلًا بتحويل السلطة القضائية
إلى فرع تابع للحكومة.
وهنا وجب ان نتساءل كيف يعقل في ظل دستور 2011، أن يُمنح وزير العدل سلطة
التدخل في سير القضايا؟ هل نحن بصدد تكريس رقابة سياسية على الضمير
القضائي؟
هذا المقتضى لم يكن مجرد انزلاق تشريعي، بل كان محاولة خطيرة لشرعنة
وصاية السلطة التنفيذية على القضاء، وهو ما تصدت له المحكمة الدستورية
بشجاعة، دفاعًا عن جوهر العدالة وفصل السلط.
إن قرار المحكمة الدستورية اليوم، لا يُعد فقط انتصارًا للنص الدستوري،
بل هو كذلك اعترافٌ صريحٌ بصواب المواقف النضالية التي تبناها المحامون.
فقد دافعوا عن الاستقلال الحقيقي للقضاء، عن عدالة التبليغ، عن المساواة
بين الدفاع والنيابة العامة، وعن ضرورة احترام الآجال القانونية حماية
للأطراف.
ختامًا، لم يكن هذا النضال رفاهًا أو صراعًا قطاعيًا، بل كان دفاعًا عن
المغرب الدستوري، عن المحاكمة العادلة، وعن روح العدالة التي لا تُختزل
في نصوص، بل في ضمير مهني ووطني ناضج.
وها هي المحكمة الدستورية تؤكد ان المغرب هو دولة المؤسسات واحترام
الحقوق والحريات وتراتبية القوانين واستقلال القضاء وحصانة الدفاع





Aucun commentaire