شهادة للتاريخ متعلقة بظروف العمل القاسية في جهة فجيج بوعرفة

شهادة للتاريخ متعلقة بظروف العمل القاسية في جهة فجيج بوعرفة
محمد شركي
سبب الإدلاء بهذه الشهادة للتاريخ هو قضية عزل وزارة الشأن الديني مؤخرا رئيس المجلس العلمي المحلي بجهة فجيج بوعرفة ، وذلك بسبب عدم مواظبته على الحضور بمقر عمله .
و في هذه الشهادة لا يتعلق الأمر بشخص المعزول مباشرة، بل يتعلق الأمر بي شخصيا حين كنت أشتغل كمفتش تربوي بهذه الجهة من وطننا الحبيب ، وقد قضيت بها مدة سنتين مطلع التسعينيات من القرن الماضي بعد تخرجي من المركز الوطني لتكوين المفتشين بالرباط .
و كان الاعتقاد السائد أو الشائع يومئذ لدى الكثيرين أن تعيين الموظفين بهذه الجهة كان في يعض الأحيان يعتبر إجراء تأديبيا والله أعلم . ولا أظن أنني عينت بتلك الجهة بموجب إجراء تأديبي ، بل بسبب منصب شاغر بنيابة فجيج بوعرفة في الجهة الشرقية التي كنت قد طلبت التعيين بها وتحديدا بنيابة وجدة أنجاد حيث كانت أسرتي تقيم .
ولقد كان كل من يعين بهذه الجهة كغيرها من الجهات النائية يواجه العديد من المشاكل، وعلى رأسها مشكل الاستقرار الذي يعد أهم عامل لضمان القيام بالواجب على الوجه المطلوب، وهو مشكل عانيت منه شخصيا أنا وبعض الزملاء الذين عينوا معي في نفس النيابة، ويتعلق الأمر بشح أماكن الإيواء أثناء وجودنا في الجهة لممارسة مهامنا سواء في مدينة بوعرفة ، أو في مدينة فجيج أو في القرى التابعة لهما كبوعنان، وبني تجيت، وتالسينت ، وتندرارة . ولم يكن (مقر إيواء ) هكذا بين قوسين إلا بمدينة بوعرفة، وكان يطلق عليه (دار الضيافة ) بين قوسين أيضا التي نزلت بها أول عهدي بممارسة مهمتي أنا وزملائي انطلاقا من مدينة وجدة مساء يوم عاصف اشتدت رياحه ، وتناثر غباره ،وكان زجاج نوافذ دار الضيافة مكسورا ، والغبار يتسرب إليها ،ويغطي أسرتها وأغطيتها ، فبتنا ليلتنا والعاصفة تشنف أسمعنا بهزيزها، وباب الدار له صرير ذكرني بصرير أبواب المساكن التي تصورها أفلام رعاة البقر عند هبوب الرياح العاصفة . ولقد أصبحنا بعد ليل نابغي ونحن في أسوإ حال وقد كسانا الغبار، وكان منظرنا مثير للشفقة والسخرية .
ولما استقبلنا صباح اليوم التالي السيد النائب الإقليمي ونحن على تلك الحال افتتح اللقاء معنا بمعاتبة هيئة التفتيش التي عاب عليها قلة الحضور إلا نادرا ، وحثنا على كسر هذا التقليد السيء . ولما أثرنا معه مشكل الدار المفتقرة إلى النظافة عزا اتساخها واتساخ أسرتها وأغطيتها وكسر زجاج نوافذها إلى سوء تصرف المفتشين ،علما بأنها كانت تستقبل غيرهم أيضا، ولم تكن خاصة بهم ، وهي دار يمكن أن تنعت بكل النعوت عدا نعت الضيافة. وكان أسلوب حديثه عن المفتشين يشي بنوع من التعريض الصريح بهم ودون أدنى احترام و هو نائب الوزير الذي تبوأ هذه النيابة بمستوى دون مستوى المفتشين عبر طرق الزبونية والحزبية الجاري بها العمل .
لقد واجهناه ساعتئذ بما يناسب أسلوب حديثه ، وانتهى اللقاء معه بعد دقائق معدودات من بدايته ، وكان الأول والأخير حتى انتقنا من تلك الجهة إلى جهات أخرى . وأما الإقامة والمبيت في فجيج أوفي بني تجيت فكانت داخل داخليتين بمؤسستين تربويتين مع نزلائهما من الناشئة المتعلمة مع انعدام البديل ، وفي ظروف أسوأ من ظروف الإقامة والمبيت بدار الضيافة ، وكان ذلك سببا رئيسيا يضطرنا إلى استعجال مغادرة تلك الجهة بعد إنجاز مهامنا في أقل وقت ممكن . ولقد كان حالنا في تلك الجهة شبيها بحال المسرحي توفيق الحكيم الذي كان يشتغل موظفا مع نائب قضاء في ريف صعيد مصر فوثق تلك الحال في مؤلفه الشهير » يوميات نائب في الأرياف » حيث كان النائب يستعجل المغادرة على متن القطار الوحيد في الأسبوع . وكنا مثل هذا النائب نستعجل المغادرة على متن حافلة صغيرة معروفة عند أهل تلك الجهة باسم البراق تندرا ببطئها مع طول مدة سفرها المضني ، وقد أخبرنا أنها كانت بين الحين والآخر تنقلب أو كما قيل لنا تتمرغ كتمرغ الدواب ، ولم نعي حقيقة هذا التمرغ حتى عاينا سائقها ومساعده يتناوبان على سجارة محشوة بالحشيش .
ولست أدري وقد مرت على عملي بتك الجهة سنون هل تغير الحال بها أم ما زالت دار لقمان على حالها ،وما زال البراق المكوكي يتحرك ويتمرغ . ولقد كان حال أطر التفتيش أفضل من حال أطر التدريس أو غيرهم من موظفي الوزارة الوصية على الشأن التربوي . وكان المفتشون التربويون يومئذ أثناء زيارة المدرسين يسبق حديثهم عن الشكاة من سوء ظروف العمل قبل الحديث عن العمل ، وكانت أحوال بعضهم صراحة يرثى لها .
والآن أعود إلى حدث إقالة رئيس المجلس العلمي بتلك الجهة للتساؤل عن ظروف إقامته أولا ، وعن ظروف عمله ، وظروف تنقله بين مقر العمل ومقر الإقامة… فإن كانت كالظروف التي مر بها المفتشون التربويون، فإنه جدير بأن تلتمس له الأعذار عن غيابه عوض معاقبته بالعزل .ولا بد أخلاقيا من كشف النقاب عن ظروف عمله هو والعاملون معه قبل محاسبتهم وذلك من باب العدل والإنصاف ، وربط ظروف العمل بالمسؤولية ، وقد قضى الخالق سبحانه أن النفس لا تكلف إلا وسعها . وليس من العدل أن يحاسب من مستقره في كبريات الحواضر من ساء مستقره ومقامه .
وأخيرا أختم بالقول كان الله في عون كل من طوحت به الظروف للعمل في تلك الجهة التي أرى من الواجب صادقا والله تعالى يشهد على ذلك الإشادة بطيب أخلاق أهلها وبكرمهم رغم ظروفها القاسية صيفا وشتاء ، مع إهمال كبير كانت تعاني منه يوم كنت أعمل بها ، ولا أدري هل تغير حالها أم ما زالت كما كانت ؟
ولست أروم من وراء هذه الشهادة للتاريخ سوى لفت أنظار المسؤولين الكبار إلى ظروف عمل من يشتغلون تحت سلطتهم في هذه الجهة النائية جغرافيا وهي في أمس الحاجة إلى المحفزات المادية والمعنوي على استقرار من يعملون بها في مختلف القطاعات .
تنويه : معذرة المرجو اعتماد هذا الإرسال عوض سابقه الذي تخللته أخطاء مطبعية سهوا






1 Comment
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته،
تحية احترام وتقدير لأخي محمد شركي، مع جزيل الشكر على تناوله لما عاشه القادمون للعمل بإقليم فجيج من معاناة وقساوة، وخاصة رجال التعليم، وأنا أحدهم.
أخص بالذكر الفترة ما بين 1986 و1991، حيث عُينت أستاذًا لمادة الرياضيات بتالسينت إلى غاية سنة 1995. في تلك الفترة، كنا نعيش ظروفًا صعبة للغاية، فبجانب انعدام الكهرباء، لم تكن هناك وسائل مواصلات مناسبة. للوصول إلى مقر العمل، كنا نضطر لركوب شاحنات الطحين الكبيرة، أو الاستعانة بمركبة « البراق » المعروفة بكثرة أعطالها.
أما الكهرباء، فكانت المدينة غير مرتبطة بالشبكة الوطنية، وكانت تعتمد على مولد كهربائي لا يشتغل إلا لخمس أو ست ساعات في اليوم، وغالبًا ما يتوقف عن العمل بسبب الأعطاب المتكررة.
ورغم هذه الظروف القاسية، لم تُمنح لنا حتى إمكانية التغيب الاضطراري. ولتوضيح جزء من هذه المعاناة، أذكر أنه في بعض الأحيان كان من المستحيل السفر من تالسينت إلى وجدة عبر بني تجيت وبوعرفة، فنضطر لاختيار وجهة ميدلت عبر حافلة « الساتيام »، التي كانت تُخصص رحلة واحدة في الأسبوع، كل يوم سبت.
وقد صادف أن تزامنت عطلة الربيع (15 يومًا) مع يوم الأحد، فقررنا – نحن ثلاثة أساتذة – السفر يوم السبت عبر حافلة الساتيام، بعد أن أخبرنا رئيس المؤسسة بذلك. لكننا تفاجأنا بعد نهاية العطلة باقتطاع 16 يومًا من رواتبنا، بدعوى أننا تغيبنا يوم السبت الذي سبق العطلة!