الحق بين العقل والنقل
المصطفى حميمو
علَّم الحكيم الصيني كونفوشيوس (551-479 ق.م.) تلاميذه وأتباعه الفضيلة. ورأى في الإنسانية وفي الرفق وفي الولاء واحترام الوالدين والانضباط في السلوك والسعي إلى التعلّم والاتزان في كل الأمور، السبيل إلى انسجام الناس مع الكون من حولهم، المتناغمة مكوناته مع نفسها وفيما بينها مهما كبر أو صغر حجمها. قد ورث هو تلك الحكمة أبا عن جد، مثله مثل باقي الصينيين، من الأساطير العتيقة والمؤسسة لمنظومة القيم الصينية التي عمّرت وترسخت في وجدانهم جيلا من بعد جيل منذ آلاف السنين وحتى يومنا هذا.
لكن حين سُئل عن الموت، أجاب كيف يعرف ذلك وهو لا يدري حتى المقصود من وجود الحياة. بهذه العبارة أقرَّ بحدود معرفته كرجل حكيم، وبيَّن أن حكمته على سموّها، تبقى دون الجواب عن الأسئلة الكبرى التي تشغل بال الإنسان عن وعي أو من دونه منذ الأزل. من أين؟ ولماذا؟ وإلى أين؟ وهنا يظهر الفرق بين الحكمة الكامنة في الفطرة بإذن من الله والتي تُستنبط من التجربة والعقل، ثم يزكيها الوحي الذي يأتي رحمة من عند الله السميع العليم.
والقرآن الكريم يذكر بقوله تعالى ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾ [الشمس: 7-8]، أي سلحها بقدرة فطرية على التمييز بين الخير والشر. وهذه الفطرة هي ما يجعل الإنسان يميل إلى مكارم الأخلاق لما يفكر في مصلحته بين غيره من الناس في المجتمع فيبحث عن العدل. ولما يتحقق له كل ما يريد من متاع الحياة يمل ويجد نفسه متعطشا لما يطمئن النفس ويحييه الحياة الطيبة المنشودة، فيتساءل عن أصل جنسه وعن الغاية من وجوده وعن مصيره من بعد الموت. ومن رحمة الله به الذي خلقه أنزل الأجوبة على تلك التساؤلات عبر الوحي لرسله. فالوحي من الله لا يُلغِي العقل الذي خلقه الله، بل يُكمّله ويحث عباده على حسن استعماله، بقوله في أكثر من آية : « أفلا يعقلون؟- ولو كانوا يعقلون – أفلا يتفكرون؟ »..





Aucun commentaire