التطبيع ..بين الرصاصة والرحمة

التطبيع ..بين الرصاصة والرحمة
رمضان مصباح
أوَفعلتموها؟
منذ سنين استمعت الى كلام ل « شيمون بريز » – ت شتنبر2016- ظل عالقا بذهني ،مخالطا لكل تفكير في معضلة الشرق الاوسط ،التي ستدمر العالم في النهاية؛اذا لم يرشد وينضج الحل الذي يجُبُّ كل عروق وفروع الازمة الحالية ؛التي ارتدت فجأة اللباس النووي ،وحمشت كل الدول المالكة لأزرار تخريب العالم ،وكل ما انتهت اليه الحضارة الانسانية.
قال الرجل ،وهو من هو دراية ورزانة ودهاء، ما معناه:
» ان إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي تُحرَم دوليا من جني ثمار انتصاراتها العسكرية »
واضح جدا انه لم يكن يتحدث عن الارض الفلسطينية ،لأنها تحت قدميه ،يحتلها على هواه ؛ولم يخض من اجلها حربا؛ لان الدعم الغربي ،الانجليزي والامريكي ،وحتى الاوروبي،كفاه شر الاقتتال.
عينا الرجل ،واصابعه واقدامه، كانت تشير الى الاراضي العربية التي كان الجيش الإسرائيلي مضطرا للانسحاب منها ؛رغم انتصاراته العسكرية ،ورغم مقدراته التي تمكنه من الثبات فيها؛ وهو ،حسب قناعة بريز ،صاحب حق تأسس على هزيمة خصومه.
المواثيق والقوانين الدولية التي تحفظ للدول سيادتها ،ولو منهزمة، لا تعني لإسرائيل شيئا .
وهل يأبه للفرع من اجتث الجذع؟
لو قمنا بتنزيل منطق شيمون بريز هذا ،اليوم ،لكان من حق إسرائيل ،العسكري، احتلال جنوب لبنان ،بعد دحر حزب الله؛ واستكمال حربها على ايران ،حتى تحتل،برا، طهران وربما اليمن السعيد ايضا.
وقد تبحث عن فرص احتلا ل سيناء مرة اخرى، وتنزل من هضبة الجولان الى دمشق.
لم اذكر غزة، لأنها تحفر فيها لاحتلال باطنها، بعد ان دمرت ظاهرها كلية.
على ضوء هذا ، وما قطعه التطبيع من أشواط، أسائل الحاضر ،لأبحث فيه عن تحقق باذخ لرغبة – أو عتاب – شيمون بريز؛ ولعله يردد في قبره الان :
لقد احسنتم ..حققتم ،سلما، ما خلته لا يتحقق الا بالحسم العسكري؛ وأوغلتم في الحرب حتى دمرتم الجبل النووي.
حققت لكم اتفاقيات ابراهيم ،ما تحقق لإبراهيم ،من برد وسلام، وهو في اتون النيران.
وما هو اكثر من التطبيع، صموده لحرب غزة ؛حتى وانتم تتجاوزون فيها دفع الضرر ،الى عمليات ابادة حقيقية للشعب الفلسطيني.
وما هو اهم من الاهم سكوت عالم القرن الواحد والعشرين عن حرب تطهيرية لم تعش البشرية مثيلا لها حتى في ازمنة التوحش ،وما اعقبها من امبراطوريات مستبدة .
سلم وحرب:
مهما قيل في طوفان الأقصى ،فهو لا يعدو أن يكون ردة فعل ،ايرانية حمساوية، على تهافت التطبيع ،ولما تنضج شروطه.
ولعل من دبر وسلح راهن على بيضة التطبيع اياه ،متوهما أن اسرائيل لن تزيد على رد ميداني محدود ،في وسع غزة ،عسكريا وديموغرافيا، تحمله.
ستحرص الدولة العبرية على صيانة هذه البيضة من الكسر؛ اذ مكاسبها، الآنية والمستقبلية، أهم من خسائر هجمة محدودة لن تتجاوز غلاف غزة .
لكن ما حصل كان العكس تماما ،لأن اسرائيل فهمت – وهي تنظر الى أسراها – أن كبرياءها هو المستهدف ؛وهو واحد ،وينسحب على الخريطة كلها.
كبرياء تعزز باعتراف الدول العربية المطبعة.
وعليه فقد ارتقت هجمة الطوفان- لدى ساسة اسرائيل- الى شروع في تدمير المشروع الصهيوني ،في المنطقة ،كلية؛ وهو المشروع الذي بثت فيه اتفاقيات ابراهيم المزيد من العنفوان .
لقد بدا المشهد الاسرائيلي ،السياسي والعسكري، سرياليا نوعا ما:
مقدمات تطبيع عام تأسست على نوع من السلم ،يراهن على الثبات والتوسع ؛لكنها –وبسبب حلمها الشاسع هذا – أفضت بسرعة الى
حرب ؛ابتدأت رد فعل طبيعيا ،ومحدودا ؛ثم اتسعت خرائطها عبر سوريا ولبنان واليمن ،لتصل الى النووي الايراني.
وللحرب عدالتها المجالية،اذ لم تسلم حتى مدن اسرائيل ،خصوصا تل أبيب وحيفا من الدمار.
ودخل الفيل دكان الخزف:
ان اسرائيل التي شرعت –بدعم أمريكي – في مسلسل التطبيع ،هي غير اسرائيل اليوم ؛التي تحمل أوزار عشرات الألاف من أرواح الفلسطينيين؛ بدعم أمريكي ،مرة أخرى ،وشبه سكوت عالمي.
وهي غير اسرائيل التي تدفع اليوم فلسطينيي غزة الى هاوية الموت جوعا، ومرضا وجروحا.
وهي غير اسرائيل المنبوذة اليوم – على المستوى الشعبي، وحتى الأمريكي – عالميا .
وهي غير اسرائيل التي أدان بعض ساستها النافذين القضاء الدولي ،مصدرا مذكرات اعتقال.
كما أن اسرائيل التي لم تنشد في لقاءاتها التطبيعية غير قصائد الغزل والمحبة ،تتحدث اليوم لغة أخرى ،شاكية المخالب.
ان قتلها للعلماء الايرانيين ،هو قتل رمزي لكل العلماء العرب .
كما أن استباحتها لأجواء بعيدة بآلاف الكيلومترات ،رسالة مفزعة لكل العرب ،وسماء العرب مهما علت ونأت .
كل هذا يستدعي من الدول التي طبعت ،ان لم يكن دفن التطبيع كلية ،اعادة تقييمه ؛على ضوء الوضع الاسرائيلي الحالي.
لا أحد يجادل في كون التطبيع ولد صارخا -وهذا هنا دليل موت – لأن الشعوب امتنعت عن حضور عقيقته.
هذا وحده كاف لتتراجع عنه الأنظمة المطبعة.
أمَا وقد زاد وتلطخ دما ،في خرائط اسلامية وعربية شاسعة ؛فهذا يجعلنا نقول مع الأعرابي الذي أحب غياب زوجته وكره عودتها ،وحتى عودة حمارها:
ذهب الحمار بأم عمرو *** فلا رجعت و لا رجع الحمار
كنت ممن نظروا الى التطبيع من زاوية اليهود المغاربة بإسرائيل وإمكان استعادتهم مستثمرين وسياحا و حتى مواطنين عاديين ؛ أما قضية الصحراء المغربية فلم أنتظر أن يهديها لي أحد وأنا فيها تاريخا وجغرافية.
اليوم أجدني ناصحا :
حتى ان كنتم تتشبثون بالتطبيع ،فمن عوامل استمراره وتحقيق المؤمل منه، مراجعته ،وتصحيح منطلقاته ،وتصويباته .
خطوة ضرورية الى الوراء ،من أجل خطوات الى الأمام.
ومن ضمن هذه الخطوات اقامة الدولة الفلسطينية على أرضها التاريخية.
وحتى بهذا لن تتطهر الدولة العبرية من دماء الفلسطينيين الا قليلا.
فا نظروا ما أنتم فاعلون.
Aucun commentaire