الصحافة: سؤال الماهية ومنطق الممارسة

تقديم وحوار: عزيز باكوش
تعرف الصحافة العربية عربيا في الداخل والمهجر قفزة نوعية ، إن على مستوى حجم الإصدارات والعناوين ، أو على صعيد الكيف، حيث تبرز بين الحين والآخر كتابات رائدة وتحاليل عميقة في تفاعلها ومقارباتها لهموم الإنسان العربي. لكن غالبا ما يستعصي على الناقد والمهتم والقارئ، في أي اتجاه يصنف بعضها، في ظل التباس في التعريف و انتكاسات في الممارسة. ثمة أسئلة تطرح في هذا الشأن، هل يتعلق الأمر بقفزة نوعية أملتها شروط موضوعاتية، انطلاقا من تفاعلات كونية تراعي شروط التمدن والحوار الحداثي ، أم أن المسألة لا تعدو كونها حركية سطحية أفقية، تعوم بدل أن تغوص في أعماق التحولات الدولية، وما يعتري البلدان العربية من تحديات عولمية جارفة.
عبر هذه الورقة – الحوار، مع أحد أعلام الصحافة المغربية المهاجرة، محمد نبيل نروم فهم ماهية الصحافة ، ونحدق إشكالات فهم عملها اليومي ، من أجل وضع القارئ العربي في الشرفة « بالصوت والصورة » ، كما نتحرى دلالات و معاني الصحافة على نحو عام ،نظرية و ممارسة، تلك الممارسة الصحافية التيأمست اليوم تثير الكثير من الالتباس .
س : هناك جزء من الجمهور و الباحثين غير راضينعلى ما يقدم في عدد من « الكتابات الصحفية »، لماذا في نظرك هذه الظاهرة؟
محمد نبيل : أولا، الكتابات الصحفية أعني بها تحديدا » ما تنتجهوتعرضه المؤسسات الصحفية بكافة أنواعها، الشيء الذي بدأ كما طرحت في سؤالك، يخلق لدى الجمهور والباحثين نوعا منالتشويش، لذلك ، فهم لا يترددون في توجيه سهام نقدهم إلى الممارسة الصحفية،ومنهم من أسس مدرسة أو توجها في النقد الإعلامي(السوسيولوجي الفرنسي بيير بورديو نموذجا ). لكن لابد، من سؤال البداية ، الذي ينطلق أو بالأحرى يبدأ من سؤال ماهية الصحافة، كمجال تحول إلى موضوع للتحليل والدراسة. ومن هنا يبدولي أن وقفة قصيرة أمام دلالات الصحافة لغويا، كافية للخروج بمعان متعددة و مختلفة، و عودة الى القواميس اللغوية كافية بإحالتنا على أكثر من معنى . فالصحافةتدل على التحريف، ففعل صحَّف » بتشديد الحاء وفتحها » يعني أخطأ في قراءة الكلمة و حرفها عن وضعها. وتصحَّف، هو فعل القراءة الخاطئة، أما الصحافة عند المحدثين، كما تشيرالمراجع اللغوية العربية، فتعني كتابة الجرائد . من الأساسي أيضا التأكيد أن الصحيفة لا تعني دوماالجريدة، فهي القرطاس المكتوب، والورقة من الكتاب بوجهيها. الصحفية ليستدائما ورقية، بل هي صحيفة الوجه أي المحيا، و كذلك بشرته .أما الصحفي والصحافي، فالفرق والتماهي بينهما، يظل حاضرا باستمرار في الممارسةاليومية. الصحفي هو الذي يأخذ العلم من الصحيفة، و ليس من أستاذه مثلا ، أومن مصدر آخر، والصحافي ممارس لمهنة الصحافة التي قد تعني التغيير، يقالهذا اللفظ مصحف عن كذا أي مغير عنه.
س: التطرق إلى مجال الصحافة في الدلالات العربية لا يقصي المرجعيات الغربية . سؤالي هو ، إلى أي حد يظل فعل الترجمة بريئا ، أو لنقل وفيا لوظيفته عبر التاريخ ، بمحطاته المتحولة سياسيا وحضاريا ؟
محمد نبيل : إذاعدنا إلى تاريخ الصحافة، فسنعثر على دلالات شتى . كلمة صحافي كانت تعنيالمُخبر في القرن السابع عشر Le gazetier، هذا المعنى قد تغير في القرن التاسع عشر، و أصبح الصحافي هو المجادل و المناظر بالكتابة Le polémiste، قبل أن يصبح المفهوم في القرن العشرين يعني الصحافي الذي يعمل كمراسل مهني. أضف إلى ذلك أن ترجمة الصحافة ب le journalisme يأخذ معنى واسعا و فضفاضا. فهو يحيل على الصحيفة le journalونشرة الأخبار التلفزيونية، لكن في هذه الحالة، يبدو و كأن هناك نوعا منالإقصاء لأنواع التعبير الصحفي، أو ما يصطلح عليه بالأجناس الصحفية.
س: ألا تعتقد أن الالتباس في فهم الصحافة يرتبط بالتبادل الثقافي بين الشرق والغرب؟
محمد نبيل : تقليد العرب للأوروبيين ،واستعمال بعض دلالات مفهوم الصحافة، يظل حاضرا، و تبرره المعطيات الموضوعيةو التاريخية، التي جعلت الغرب الحالي منذ قرون يكون سباقا إلى تأسيستراكمات معرفية و علمية في مجال الصحافة عموما. و على سبيل المثال على هذاالتقليد العربي للغرب الأوروبي، أطلق العرب لفظين للدلالة على الصحف بوجهعام، و هما على التوالي، « ألغازته » Gazette ، والتي تعود في أصولها إلى اسم عملة إيطالية، و »جورنال journal » الفرنسية. كلمة « جورنال » التي كانت تعني في اللغة الإنجليزية الكتاب اليومي Daily Book أو الجريدة الصادرة بشكل يومي (مادام الأصل في هذه الكلمة هو jour وتعني يوم) ، قد انتقلت للتعبير عن معظم الجرائد، ولو تلك التي تصدر بشكل ربع شهري أو نصف شهري أو سنوي.
س: في نظرك، كيف تتم عملية الانتقال من الصحافة كدلالة وماهية إلى الممارسة اليومية؟
محمد نبيل: أولا، الكتابة الصحفية لا تخرج عنإشكالية تعريف الصحافة. ما تقدمه وتعرضه المؤسسات الإعلامية يوميا، يدخلفي إطار فعل الكتابة. و إذا كان رولان بار ث قد سبق وأن تطرق في » الدرجةالصفر للكتابة « ، إلى التعارض الحاصل بين الكتاب و الكتبة ، فإنالكتابة الصحفية، في كل أجناس الصحافة تظل خاضعة لنفس سؤال مأزق الكتابة،كفعل وحصيلة تجمع بين الظاهر و الباطن، و الوعي و اللاوعي، و الحقيقة والوهم … لكن هذا السؤال تجيب عنه السميولوجيا و اللسانيات و العلوم الاجتماعية،بقدر ما تجيب عنها علوم التواصل و الإعلام . الخطاب الصحفي كان دوما خطاباواقعيا، لأنه يصف الواقع عن طريق عملية السرد، آي سرد الأحداث أو تحويلهاوبناءها من جديد في علاقتها بالواقع الموصوف، وذلك بواسطة النقاش و إبداءالرأي والتعليق و القدرة على الإقناع و الاقتناع. أكيد، أن الواقعالاجتماعي يتجلى لنا تحت أنظار الصحافة، التي تبقى ممارسة استدلالية، ونظرا لعلاقتها الخاصة بالزمن (السرعة و عمل الصحافي تحت الضغط )، فإن لهاطبيعة خاصة تؤثر على الجماهير المستقبلة و المتلقية و الواقع نفسه.
س: هل يعني هذا الامر أن التحولات الحقيقية قادمة، وهل ستحدث قطيعة بين وسائط الاتصال التقليدية؟
محمد نبيل : أريد أن أقدم فكرة أتمنى أنتكون مقنعة، و هي أن الصحافة كمجال ومهنة، تغيرت وتحولت من حيث دلالتها وممارساتها. التغير لا يعني غياب القطيعة، بل هناك حضور لأشكال جديدةللممارسة الصحفية حاليا، (صحافة الانترنيت نموذجا). وهي تؤسس بدورهالتغيير جديد في مفهوم الصحافة وعمل الصحافي عموما .إذا كان إنياس راموني يقول « بموت نشرة الأخبار التلفزيونية » ،فهل سيكون من تبعات هذا الموتالفجائي، إعلان موت الصحافي ؟ أليس عمل الصحافي يعد ضرورة يومية داخلالمجتمع؟ الجمهور مازال يتابع الأخبار، و هناك شغف لديه بمشاهدة الشاشةالتلفزيونية. الصحافي و الباحث الكندي بيير سورماني، سبق وأن قدم لنا بعض الحججعلى ضرورة دور وعمل الصحافي الاجتماعي، فالجمهور في رأيه » في حاجة إلى أنيجد ذاته في المواد الثقافية ذات البعد الجماعي، وأن يتقاسم فضاء المعلومةبمعناها الواسع » كلام الناس عن البرامج والأخبار، وتقاسم فضاء الحديث عنها مع الآخرين، يشكل في النهاية خطابااجتماعيا. فالكثير يظن أن الصحافة مثيرة و مؤثرة في نفوس الناس، و صانعةللخبر على مقاسات معينة بعيدة عما تنتظره الجماهير، و بالتالي ينظر إليهابنوع من الريبة. يبدو هذا صحيح نسبيا، و في حدود معينة، لكن الصحافي هوالذي يقدم لنا خبرا وصورة لا نستطيع أن نراها بالعين المجردة، بل يعرضعلينا حدثا لا نحضره في زمانه و مكانه، لذلك فهو شاهد على التاريخ اليوميللمجتمع.
س: الكلام بخصوص الصحافة، يجرنا حتما إلى قضية الممنوع و المباح في هذا المجال؟
محمد نبيل: الرقابة تتجاوز ما هو مباشر في الممارسة الصحفية. المختصون في مجال الإعلاميعرفون جيدا، أن الواقع الذي يعمل فيه الصحافي غير موجود كحقيقة واحدة وكلية، و لا يمكن الإمساك به، بل هو مصنوع بأيادي و أعين وعمليات متسلسلة،و عواطف وشروط مجتمعية مترابطة. إذن، لا يمكن أن نفهم الخبر بشكل جيد، إلاإذا أخذنا بعين الاعتبار، كل هذه العوامل المتداخلة التي تساهم في صناعةالأخبار، وبناءها بشكل مباشر أو غير مباشر. فنقل الوقائع يعني بالضرورة،المساهمة في صنعها وتأويلها و إعطائها شكلا ومادة خاصة مغايرة لشكلهاالأولي، وهو ما يعرض أمام أعداد كبيرة من الجماهير، التي بدورها تمارس فعلالقراءة والتأويل. العملية برمتها معقدة وجدلية، ولا تبتعد عن منطقالعلاقة التواصلية التي تربط المرسل بالمرسل إليه. وفيالوقت نفسه، يشكل عمل الصحافي أو حاجة الجماهير إلى أخباره وتأويلاته وكلامه عن الغير، نقطة مهمة، تتمحور حول خطر الخطاب بشكل عام، كما حددهميشيل فوكو، الذي حاول الاستدلال على فرضيته القائلة بأن » إنتاج الخطابداخل كل مجتمع، مراقب و منتقى و منظم، يعاد توزيعه بموجب إجراءات لها دورفي أبعاد سلطاته، و مخاطره و السيطرة على حادثة الاحتمالي، و إسقاط ما فيهمن مادية راعبة و ثقيلة » ، وهكذا، فعندمايكثر الكلام و الخطاب حول ما يقدمه الصحافيون كل ثانية، يصبح الرهان ليسفقط على فهم معاني الصحافة ودلالاتها، بل محاولة تفكيك خطاب الصحافي، ومحاولة الإجابة على السؤال « إلى أي مدى يمكن أن نقول مالا يقال ..
لابد من القول، إن مهمة الصحافيصعبة و مليئة بالعقبات، و خاصة عندما يواجه أسئلة جوهرية من قبيل: ماذايجب علي أن أنقل ؟ وكيف سأعرض الخبر؟ عملية الانتقاء في الممارسة الصحفيةاليومية مسألة ضرورية، مشروطة بطبيعة المؤسسة الإعلامية حيث يعمل الصحافي،و أهدافها و أولوياتها و الأمر كذلك متعلق بحنكة و موهبة وتوازن الصحافي،لكن العملية تظل دوما مفعمة بالمزالق و الهفوات. الصحافي يمارس مهنته فيمؤسسة إعلامية، ترتبط بخصوصية وأولويات معينة، تختزل في ما يطلق عليهالمحللون وخبراء الإعلام ب AGENDA SETTING ، وهي عبارة عن مفهوم و خطاطة ترسم أدوار المؤسسة الإعلامية وتوجه عملهاالمهني، و من خلالها يتم توجيه الرأي العام نحو قضايا وأخبار معينة دونغيرها. وعلى سبيل المثال لا الحصر، التلفزيون الفرنسي لا يبدي اهتماماإعلاميا بحدث سياسي وقع في إحدى الولايات الكندية، لكن نجد مؤسسات إعلاميةأمريكية تركز على نفس الحدث. هذا الأسلوب الانتقائي يخضع لمنطق الأجندةالإعلامية، وهي ترتبط بدورها بمصالح سياسية و اقتصادية و اجتماعية، وبمجموعات الضغط، وبالجماهير المتلقية والمستهلكة للأخبار اليومية، وغيرهامن العوامل التي تؤسس الحقل الصحفي والإعلامي برمته.
ملحوظة: أعد هذا الحوار انطلاقا من دراسة علمية أعدها للنشر الزميل محمد نبيل




2 Comments
ان الصحافة بشتى انو اعها يجب ان تعنمد على المصادر الموثوقة و التي لا تدع المشاكل تسقط عليها من كل جانب كما يقع لجريدة المساء و النهضة محليا و ما يحاك ضد ؤئيس جريدة الشرق بوجدة و الامثلة كثيرة كما يجب عليها الاعنماد على المصداقية و الحياد و دالك ان لا تخدم طرف على الاخر و خاصة ادا كان الاخر ظالم و بما ان جريدتنا الالكترونية جهويا وجدة سيتي انفردت باخبارها و مواضيعها الشيقة و دات السبق الصحفي الدي يحسب اليها لوجود كتاب بينهم يمتلكون الحس الصحفي الفطري و لا يعيبهم الا بعض الثغرات اهمها عدم الحياد في بعض المواضيع و خاصة في موضوع اختيار الفريق الدي سيمثل منطقتنا في دوري بفرنسا و ما كان اثره على حي كامل بالمدينة وهو حي هكو الدي يتساءلون اين فريقهم الفريق الفائز بالدوري الدولي و لمادا هدا التحيز و طمس الحقيقة انه هو الاحق بالنمثيل لانه الفريق الفائز حسب ما قاله لي عدة فاعليين رياضيين و بعض اباء ابناء الفريق الفائز بكل قرحة و تظلم انني من هدا المنبر ادعو الساهرين ان لا يرضخوا لمواضيع تنشر بطريقة او تخرى دوت البحث الجدي في الحقائق او خخدمة لمصلحة ما فهي يمكن ان تجر طمس الحقيقة للاخر و هدا مثال لثغرة في جريدتكم الموقرو كانت محور نقاش انا و بعض اصدقائي اساتدة في التعليم و اتمنى لجريدتكم النجاح في مسارها الصحفي و عدم الاختصار على النشر بل حتى البحث في الحقائق لعد مس حقوق الاخرين كما حدث لفريق هكو الهامشي الدي حتى في خبر نشرتموه عنه لم تعيروه اي اهنمام لان خدمة الاخر كانت بطريقة جعلوا منكم بوق دعاية لاطروحنهم المغشوشة و اختيار تعسفي لفريق مليئ بدوي القربى على حساب الفريق الفائز الدي ¡
0;ملك كل حقوق المشاركة بدون نقاش او اكاديب
asame