حنينُ جيلٍ على عتبة التحوّلات

سليمة فراجي
أخشى أن كثيراً من أبناء جيلنا لن يقووا على مجاراة هذا الإعصار من التحولات الجذرية في فلسفة الحياة، في طرق التواصل، وفي نظرتنا لما كان يؤنس وحدتنا.
كل شيء يتغير من حولنا بسرعة مقلقة:
زلزال صامت يهزّ روابطنا بالأهل والأحباب، ويقلب موازين العلاقات التي كانت تُبنى على العِشرة واللمسة والنظرة والنَفَس المشترك.
صرنا نرتّق شوقنا بخيوط الواتساب الباردة، ونُطمئن قلوبنا عبر شاشات صمّاء لا تنبض، تراك ولا ترحم، تُحادثك دون روح، ولا تسعفك إن كنت أُمّياً في أبجديات التكنولوجيا.
كيف لربّة البيت أن تتقن أسرار الزووم؟
كيف للمعلمة أن تُدرّس خلف شاشة؟
كيف للمحامي ان يترافع دون أن يقرأ في عين القاضي اضطراب المتهم في حالة المحاكمة عن بعد
؟
كيف لنا أن نعيش في عالم تختفي منه الورقة والدفتر والمصافحة والندوات الحية، ليُستبدل بكل شيء “عن بعد”؟
لقد أدمنت أرواحنا اللمسة، واللقاء، والعيون التي تقول قبل أن تنطق الشفاه.
ثم جاء زمن أصبحت فيه حتى الجنائز بلا مراسيم، والمنازل موصدة، والمجالس القضائية خالية من الجدل الحي، والتحايا تُختصر في رموز على شاشة، والقلوب في عزلة داخل المنازل.
صرنا نغترب شيئاً فشيئاً في عقر دارنا، ونحسّ أن بيننا وبين هذا العالم الجديد غربة لا يختصرها بعد المكان بل بعد الإحساس.
إنها قطيعة غير مُعلنة مع زمن كنا نحسبه لن ينتهي، زمن الورق والحبر والصوت الحيّ، زمن الندوات التفاعلية والمرافعات القوية، زمن الجريدة تُقرأ على مهل، والمجالس تُدار بالحضور.
فما حيلة جيلٍ تعلّق بالألفة والدفء، ويقف اليوم حائراً أمام شاشة لا تعكس إلا صورةً باهتةً من الحياة؟
كيف سنُعيد ترتيب معاني الوجود، ومتى سنتصالح مع هذا الزمان الهارب منا؟
وإلى أي شاطئ تمضي بنا هذه السفينة الإلكترونية…
Aucun commentaire