سلطة حليمة

محمد شحلال
كانت أسماء الإناث شبه نمطية لدى أهالينا في الماضي،حيث ظلت،،فاظمة،،على رأس القائمة،شأنها في ذلك،شأن،،محند،،بين الذكور.
وإذا توالت الإناث في الأسرة الواحدة،فإن أصحاب ،،الحل والعقد،،غالبا ما كانوا يعودون إلى أسماء الجدات أو بعض مشاهير النساء، عبر القبائل الأخرى أملا في استنساخ المحاسن أو رجاحة العقل ،وأهم من كل ذلك:بناء المرأة المتكاملة.
لعل اسم،،حليمة،،من الأسماء الوازنة بين أهالينا،حيث كانت بعض الأسر تختار هذا الاسم تيمنا بمرضعة الرسول عليه السلام، والتي ظلت أمهاتنا يتغنين بمآثرها كلما حل المولد النبوي،أو إحياء ل،،حليمة،،ما ،عرفت بجمالها وتفرد شخصيتها.
غير أن اسم ،،حليمة،،قد تجاوز الاعتبارات السابقة،وتحول إلى مصدر إلهام خلال رقصات،،بوشطبة،،الليلية، والشهيرة بمسقط رأسنا،حيث كان البارعون في الرقصة،يرتجلون أبياتا شعرية توظف فيها،،حليمة،،بكل غواية،إلى درجة أن كل ،،حليمة،،تنتشي بهذا الغزل العذري اعتقادا منها أن الرسالة تخصها ولو كان المبدع يعني غيرها !
كانت رقصة،،بوشطبة،،تتشكل من صفين متقابلين،حيث يستعرض أصحاب الصف الأول إبداعاتهم الشعرية/ الغنائية،بينما يكتفي أصحاب الصف الثاني بترديد اللازمة في انتظار تبادل الأدوار حتى الهزيع الأخير من الليل.
لقد اشتهر في كل،،دوار،،مجموعة من المهرة في رقصة ،،بوشطبة،،لذلك كانوا يتلقون الدعوة من جهات كثيرة ، لإحياء سهرات الرقص التي تمهد للأعراس على مدى أيام عديدة،وكان ضمن هؤلاء المهرة،رجل من أقاربي،لم يحز من حطام الدنيا إلا خفة دمه وإبداعه في رقصة،،بوشطبة،، التي كان يرتجل خلالها أبياتا شعرية خالدة.
لم يكن مبدعنا ليتخلف عن موعد،،وروش،،حيث يقيم القائد على عهد الاستعمار ،والذي دعا الراقصين المهرة لتنشيط الأيام التي تسبق عرس أحد أبنائه،وكان من الطبيعي أن يكون الحضور والتنافس على أشدهما للفوز بإعجاب القائد ورضاه.
قبل أن تنطلق رقصات،،بوشطبة،،تدخل القائد وحذر الحاضرين من ذكر،،حليمة،،في ارتجالهم وإلا كان الجزاء من جنس ما عرف عن رجل السلطة الذي كانت ترتعد فرائص الأهالي من مجرد ذكره.
امتثل الراقصون للأمر،وانطلقت الحناجر والآهات لتخرج أجود ما لديها،إلى أن حصل النشاز على لسان قريبي الذي عجز عن مقاومةغواية،،حليمة،،فأوردها في أحد أبياته مكرها !
التقط القائد هذا التحدي ،،الصلف،،بسرعة فقطع،،النشاط،،متوعدا : مايمسو ازعامو ؟) من هذا المتهور الذي تجرأ علينا)؟
لم يتردد المبدع ،،المتهور،،فرد على الفور بعد أن ضرب على الدف بكل قوة : أنتش القايذ !( أنا أيها القائد).
تقدم القائد نحوه،فلما عرف هويته،خف غضبه وربت على كتفه قائلا: لست من كنت أتوقعه ليلقى جزاءه،فأنت بريء،وما عليك إلا أن تستأنف الرقص !
اندهش الجميع وهم يسمعون إقرار الراقص بفعلته وعدول القائد عن ترتيب العقوبة،لأن حريمه لم يتعرض لسوء ممن يستحق العقاب،بل كان استجابة لسلطة الإبداع البريئة.
لعل الأهالي أدركوا بمناسبة هذا الحادث العارض،بأن القائد الصارم،كان كذلك رجلا متزنا حينما يقف على حقائق الأمور،أما قريبي،فقد أصبح من يومها نجما بعدما تغنى ب،،حليمة،،وعزز إقراره بضربة قوية كانت بمثابة توقيع على شعور لا تصنع فيه.
Aucun commentaire