أي إعلام نريد!؟
أي إعلام نريد !؟
من مقومات الحياة في أي ثقافة معاصرة
احتضانها لقيمة المنهج العلمي كأداة في تفكير الأفراد والجماعات، ووسيلة لتنظيم
المجتمع في حركته الداخلية وتفاعلاته الخارجية، ولسنا نبالغ في التأكيد على أهمية
الرؤية العلمية وإشاعتها هدفا ووسيلة في البنية الثقافية المجتمعية
المغربية، عشنا فترة نسمع أن جهة من جهات المغرب في لحظات تاريخه حصرت العلم
على أبنائها ثم تأتي حقب الثمانينيات والتسعينيات ليأتي المجتمع السياسي بتنظير
آخر مفاده » لم تعد هناك دراسة لم يعد هناك علم!! » ثم تنبثق عتبة
القرن الواحد والعشرين بمحور مثله المجتمع الإعلامي التواصلي انبنى على الإسقاطات
الشخصية ولعب دور الضحية في الكثير من المحطات ترتب عنه التفكير الصوتي الخطابي،
التفكير الفهلوي الذي أدى إلى ضعف النظرة الموضوعية وتجاوز لضوابط النظم وأحكامها
فاسحة بوابة الصمود السلبي الذي خلق سلوكا اجتماعيا عاجزا عن المتطلبات المتطورة
لأدوات الإنتاج، كما يمكن أن تتفاوت القيم ومعاييرها بين مواقف ذات نفع شخصي
ومواقف ذات نفع عام وإذا كان هذا التناقض أو التباين يمكن تبريره أو السماح
به كجزء من الطبيعة البشرية، إلا أن اتساع الهوة بين القيم الجماعية والفردية
وازدياد حجمها وتعدد مجالاتهايمثل خطرا على الحياة المجتمعية ويهددها
بالتفسخ والتناحر والإنتكاسات فيما يظن أنه قد حسم وينطوي ذلك جليا في
العلاقات بين السلطة والشعب.
الظاهرة
كيفما كانت سواء بحدها الإيجابي أ والسلبي(1) تتعامل بشكل مباشر مع الإنسان(2) ولا تنجح هذه العملية دون وساطة(3) قد يمثلها: المجتمع السياسي، المجتمع
المدني،الحقل الديني ثم التكثل الإعلامي كلها عناصر قد تؤثر سلبا أو إيجابا في
العلاقة الثنائية بين الظاهرة والإنسان (1 )/(2)= ظاهرة تمت قولبتها من
قبل العنصر(3) الذي يوجهها بالطريقة التي هو يحب. قصة مراسل حينما طلب منه رجل
الشرطة بطاقة تعريف لأنه وجده في وضع غير محتشم فقال الإعلامي » أتدري مع من
تتكلم، غدا سوف أكتب مقالا عنكم وعن فضائحكم… » وكيف يتمكن الأشخاص من إسقاط
وتصفية حساباتهم مع أفراد آخرين وزج المواطنين في ربوع الوطن للتحامل. الوطنية
والنضال ليسا حكرا على من يكتب في الجرائد ويؤسس الجمعيات. الوطنية خلق يولد مع
الإنسان بل هو جزء من الإيمان.
علم المقارنة يقتضي أن يلجأ المقارن إلى
وضع ما ويقابله بوضع من جنسه يشاركه مواصفاته والأجسام المكونة له، فلا يمكنني
مقارنة كأس زجاج بطاولة من الخشب لأن الحكم سوف يمون قيميا أكثر منه موضوعيا. إلا
أننا حينما نواجه المسألة الإعلامية في بلد ما تجعلنا ننظر إليها بشكل شمولي آخذين
بعين الإعتبار المستجد الجهوي ثم الدولي الذي يؤشر لنجاعة أو تقهقر الحقل الإعلامي
في موقع ما وزمان ما.
الإعلامي « بوب وودوورد » Bob Woodward في جريدة « بريد
واشنطن Washington Post » حينما كشف
فضيحة « واتر كيت » « Watergate » في بداية 1970 تكتم
عن المصدر الذي كان يزوده بالمعلومات من داخل الأجهزة الأمنية مدة تزيد عن ثلاثين
سنة من السرية حيث لقب هذا الشخص المجهول »الحنجرة العميقة » الذي توفي
مؤخرا ثم طلبت أسرته من »وودوورد » الإفصاح عن إسم الشخص الذي
هو »مارك فيلت » Mark Felt طيلة هذه السنوات حاور
وناقش « وودوورد » قضايا جد حساسة مع شخصيات وافقت إمداده بالمعلومات لا
لشيء بل لما يحمله من أخلاقيات المهنة ولعلّها » المصداقية »
مَلَكَةٌ ليس من السهل أن تكون عند كل من يخط اليوم. الإعلامية « جوديث ميلر Judith Miller » من جريدة »
نيويورك تايمز » التي سُجنت عوض أن تكشف عن مصدر تسريب تحديد هوية العميلة في
الإستخبارات المركزية « فاليري بليم Valerie
Plame »
» لوويل بيركمن Lowell Bergman » من محطة
« »CNBC كشف عن إدمان النيكوتين
المتواجد في سجائر »بال مال » والتي كلفت شركة التبغ ملايير الدولارات
فاجأ الجميع حين استقال بمجرد الإنتهاء من تحقيقه لأن رئيس تحريره كان يضغط عليه
من أجل اتباع خط القناة. وقضية البجع Pelican
Brief التي هزت ضجتها جدران البيت الأبيض وأمثلة أخرى قاسمها الرئيسي أن
هؤلاء الإعلاميين في فطرتهم توجد جرعة المصداقية التي لاتشترى ولاتباع لم
يشهد لأحدهم أن سب وشتم الناس في أعراضهم بل ترفعوا عن كل ما من شأنه تلطيخ صورة
رجل الإعلامولأنهم يجعلون من العلمية أساس العمل.
هنا يلعب الإعلام والإبداع دور الوسيط بين الشعب
والمؤسسات ، فيصبح رجل المخابرات محبوبا للجميع والشرطي رجلا شهما شجاعا وكل أبناء
المدرسة يودون أن يصبحوا رجالا للإطفاء( على الرغم من علم الجميع أن هناك إدارات
فاسدة..) فنحن كل ما حملت وظيفته رائحة السلطة فهو سلبي وحتى وإن كان إيجابيا. سئم
المواطن من الإجترار والحشو لنفس المواضيع والخطب وماذا تححق منها وحينما يجد
المتتبع أن عدة منابر تتعاون مع قنواة إعلامية عربية تكيل لبلده وتظهره بصورة
النقص فهذا لايمكن إلا تسميته بزيف المواطنة، نعم لإظهار الفساد والمفسدين وأوكار
التعفن وتحري الصدق والبرهان بالبرهان لأنه ليس من المنطقي أن أنعت شخصا بأسوء
النعوت وأربطه بفضائح وآتي بعد أسبوع لأقول « أنا آسف! » لكن بعد ماذا؟:
بعد أن شوهنا صورته وجعلنا أبنائه مهزلة في المدرسة والحي والألقاب والشعر اللذان
ينظمان فما معنى « آسف! ».
يود
القارئ أن يحصل على مادة إعلامية تخاطب العقل فيفتح الصفحات مستنشقا حرية تعبير
جاعلة من المصداقية والموضوعية والمسؤولية متلازمات، نتعجب لبعض التقارير الدولية
مثلا عن أحوال السجون في العالم العربي التي أعلنت مسؤولة في المفوضية الأوروبية عن تدهور لوضعية
السجون العربية باستثناء المغرب الذي أبان عن إرادة قوية لإعطاء صورة مغايرة، فإذا
بنا نجد الإعلام المستقل يضع الخبر على الشكل التالي » تردي السجون في العالم
العربي » الإعلام الحزبي تطرق للخبر بحياد ثم يأتي الإعلام المؤسساتي ليورد
الخبر دون استثمار له. ونفس الشئ مع تقارير التي تحسب للمغرب، كتقريري 2006 و2008
الصادر عن الخارجية الأمريكية حول الإتجار بالبشر والدعارة الذي استثنى المغرب في
بلدان العالم العربي من الظاهرة، على الإعلام المستقل والحزبي والمؤسساتي أن يعي
أن المتلقي لم يعد يجتر ويستاء بل أصبح يطرح أسئلة كل صباح لأنه حين تكرار الأشياء
فهي تفقد روحها . هنالك رجالات إعلام يرقون بكتاباتهم إلى مستوى العلمية جاعلين من
عملهم زاوية تنويرية، تهذيبية ومعرفية.
كيف يعقل أن نتحدث عن تضييق الخناق عن الصحافة
وفي صباح اليوم الثاني تنشر نفس الصحف مقالات غير مسؤولة متحدية أخلاق المهنة تقول
نعم أنا هنا فتعالووا لاعتقالي كي أصبح (مناضلا) وتتعاطف معي جميع المنابر الجهوية
والدولية، بل الأزيد من ذلك هو جعل بعض (الفاعلين العرب) ينتقدون المغرب في حين أن
هؤلاء ممنوعون في بلدانهم. زارني أحد الإخوة العرب في بيتي فوجدني أتصفح الجرائد
على الإنترنيت، فوجدته مندهشا حينما رأى مقالا فيه انتقاد لصاحب الجلالة
فقال »هل هذا حقيقي!!!؟؟ هذا أكيد شغل مخابرات لأنه أمر مستحيل في بلد عربي
!!؟ » قلت « نعم ولماذا ليس هو حقيقي!؟ » فأطلعته على العديد من
المقالات بمختلف الجرائد ثم قال باندهاش » أتدري أنه في بريطانيا لايتطرق
للملكة بهذه الطريقة، حتى عملية « اليمامة » التي للقصر يد فيها توقفت عن نشرها
الجرائد. »
إن التوجه الجديد في المغرب ينصب على حركية وثورة
ثقافية هادئة تحمل رؤية تنموية بل أصبحت
ضمن مشاريع الأقطاب الإقتصادية الكبرى
للمملكة فلا فرق بين ما ينجز في المغرب و دول متقدمة( قد تبدو للبعض خطوات بطيئة
إلا أنها صلبة مرتكزة على دعائم متينة). فهل من حق المواطن من هيئة إنصاف ومصالحة
مع الإعلام عن سنوات الإجترار والحشو والإطناب.
عبدالقادر فلالي-كندا-




Aucun commentaire