Home»International»العادة إما لك وإما عليك

العادة إما لك وإما عليك

0
Shares
PinterestGoogle+

بسم الله الرحمن الرحيم

العادة إما لك وإما عليك

الحسن جرودي

ورد في معجم المعاني الجامع أن العَادَةُ هي كلُّ ما اعتيد حتى صار يُفعل من غير جهد، والعَادَةُ:الحالةُ تتكرَّر على نهج واحد. انطلاقا من هذا التعريف يظهر أنه لا يمكن لأحد الاستغناء عن مجموعة من العادات التي تميزه والتي يمكن اعتبارها جزء من طبيعته، سواء كانت حسنة أم سيئة، فإذا كان منها ما يميز شخصا عن شخص، فإن الأمر يمكن أن يتعدى الأفراد إلى المجموعات البشرية لتجد أن هناك عادات تميز عائلة عن عائلة أو مدينة عن مدينة أو بلدا عن بلد أو حتى قارة عن قارة، وهذا أمر ليس من الصعب ملاحظته سواء تعلق الأمر بالمأكل أو المشرب أو الملبس أو الفرح أو الحزن أو حتى الخصام… ومما لا شك فيه أن العادة تختلف باختلاف طرق اكتسابها وتعلمها، فمنها ما يُكتسب عن طريق التقليد السلبي كالتدخين وما شابهه، ومنها ما يُكتسب عن طريق التقليد الواعي كبعض أنواع التعليم، ومنها ما يكتسب عن طريق الاجتهاد كاكتساب عادة القراءة مع فهم المقروء وتلخيصه في أفق اعتماده كأرضية للكتابة، وقد تكون هناك طرق أخرى. إلا أن المشترك في مختلف العادات رغم تنوعها، ورغم اختلاف طرق اكتسابها هو أنها تُستحضر في سياقات معينة بشكل أوتوماتيكي وغير واع يصعب معه مراجعتها أو انتقادها، ولعل هذا من أهم الأسباب التي تدفع عددا كبيرا من الناس إما بشكل فردي أو جماعي إلى التمسك بعاداتهم والاستماتة في الدفاع عنها بكل ما أوتوا من قوة، بغض النظر عن وظيفيتها أو النتيجة التي تتمخض عن ممارستها، ليبقى التبرير الغالب هو  » وكذلك وجدنا آباءنا يفعلون »

ومما لا شك فيه أن المجتمعات الإنسانية تشترك في وصفها لعادات بأنها حسنة وأخرى بأنها سيئة، وقد يحصل العكس تماما عندما تختلف المرجعيات الدينة والخلفيات الثقافية بحيث ما يُعتبر عادة حسنة في مجتمع ما، يعتبر عادة سيئة في مجتمع آخر، ولعل عادة شرب الخمر على سبيل المثال التي تُعتبر من مميزات الثقافة الغربية والفرنسية على الخصوص وعنصر التباهي والافتخار، تصنف من أقبح العادات لدى المجتمعات الإسلامية، بل وتدخل في إطار المحرمات التي يتعين تجنبها وكيف باعتيادها.

وإذا كنا نعتبر أن الإنسان غير مسؤول عن العادات التي اكتسبها قبل سن الرشد، مصداقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: « كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَثَلِ البَهِيمَةِ تُنْتَجُ البَهِيمَةَ هَلْ تَرَى فِيهَا جَدْعَاء ». فإنه بمجرد البلوغ يُصبح مسؤولا عن كل أفعاله سواء تلك العادات التي أُكْسِبَها أو باقي ممارساته الحياتية، لكونه أصبح مطالب بالإجابة عن السؤالين: من أنا؟ وماذا أريد؟ من خلال اعتناقه الواعي لمرجعية عقدية وثقافية، حتى إذا كانت مرجعيته هي الإسلام وجب عليه أن يَعرض مختلف ممارساته، ما كان منها من قِبل العادة وما استجد منها، على القرآن والسنة، وإلا فلا ينفعه أن يقول كما قال الأولون: « بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ  » (الزخرف: 22).

انطلاقا من محطة الرشد التي تُعتبر مفصلية في حياته، يتعين على الإنسان المسلم أن يُقيِّم كل ممارساته، وعلى رأسها تلك التي أصبحت في حكم العادة، بناء على مقتضيات الشريعة في كل ما له علاقة بالعبادات، وبناء على توجيه المختصين بالنسبة للعادات التي تصاحب مجموعة من الممارسات الحياتية كالرياضة، والتغذية، وأوقات النوم…، بهدف تثمين ما يتوافق معهما والاحتفاظ به، وتعديل ما يمكن تعديله، والعدول عن تلك التي تتعارض معهما، والشروع في بناء عادات جديدة تتماشى معهما. من هنا تبرز أهمية التربية التي تهدف إما لتكوين عادات سليمة وإيجابية لدى الطفل بالقدر الذي يجعله يجتاز المرحلة الانتقالية بين الطفولة وبلوغ سن الرشد بسلاسة، وذلك بسبب وجود استمرارية بين المرحلتين، وإما لتثبيت عادات سلبية ومتعارضة مع المبادئ التي استقر عزمه عليها بعد رشده عن علم ووعي، وهو ما يستوجب عليه العمل على إحداث قطيعة معها، وهذا ليس بالأمر الهين، خاصة إذا علمنا أن الأمر مُخططٌ له، ويَعتمِد على دراسات نفسية واجتماعية تدفع بالفرد أو بالمجتمع للتطبيع مع ممارسات معينة مادية كانت أو معنوية تنتهي باستبطان العادة وتجسيدها في الواقع في الوقت الذي يتم عزله عن مرجعيته الدينية والثقافية التي يحتكم إليها في تقييم هذه العادات. وهذا ما نلاحظه اليوم بحيث تحولت مجموعة من الممارسات التي كانت مستهجنة إلى عهد قريب، إلى عادات تُمارس بدون أدنى حرج، ولنا في ذلك أمثلة كثيرة نذكر منها: الأكل في الأماكن العمومية الذي أصبح عادة لدى فئات كثيرة من أفراد المجتمع ذكورا وإناثا  في الوقت الذي كان يعتبر فسوقا، بالإضافة إلى طبيعة الأكل في حد ذاته، فبينما كان ينحصر في استهلاك المأكولات الطبيعية والضرورية تجاوزه إلى استهلاك مواد مصنعة ومضرة، نفس الشيء يقال عن الملبس الذي كان مؤطرا بمفهوم الحشمة خاصة في الأماكن العمومية، ليصبح ملبسا وما هو بملبس، حتى أصبح الشباب ذكورا وإناثا  يفتخرون بسراويلهم الممزقة، بل وأصبح البعض يرتادون المساجد بلباس النوم…وهذا ينسحب على عادات التعامل مع المعتقد الديني، ففي الوقت الذي لم يكن يجرأ فيه أحد على الاستهزاء بالدين، أصبح عاديا جدا أن نرى في قنواتنا وإعلامنا أناسا ينكرون  أمورا معلومة من الدين بالضرورة دون أن يُحدث ذلك ردة فعل ولا حتى حرج لدى المسؤولين أو لدى شرائح متعددة من المحسوبين على الإسلام أنفسهم إلا من رحم ربك.

وبما أن الشريعة هي الوسيلة الأساس التي يمكن للمنتسِب للإسلام أن يزن بها عاداته وكل أعماله، فإن غرس عادات سليمة في أطفالنا في حدود المعلوم من الدين  بالضرورة على الأقل، يندرج ضمن مسؤولية كل مَنْ له علاقة بتربيتهم ابتداء بالأسرة مرورا بالمدرسة وانتهاء بوسائل الإعلام والتواصل على اعتبار على أن الكل سيُحاسَب ليس على عمله فحسب، وإنما على الآثار الناتجة عن هذه التربية مادية كانت أو معنوية مصداقا لقوله تعالى: « إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ » (الآية 12 من سورة يس). وبما أن العادات تترسخ بالتكرار بحيث مع الوقت يقوم الدماغ بفعل ذلك تلقائيا، فإن الإقلاع عن عادة ما لا يتأتى إلا بالتجنب المتكرر ودون انقطاع لكل المحفزات التي تساعد على بروزها، كتغيير البيئة من مكان وأصدقاء وما إلى ذلك…مع العلم أن العادات التي تتحول إلى الإدمان الذي هو بمثابة حاجة قهرية لشيء معين أو مادة للجسم، والتي عندما يُحرَم منها يُسبِّب آثارا رهيبة، كالخمر والمخدرات وكل ما يندرج في عدادها، فالأمر قد يحتاج إلى مساعدة طبية خاصة إذا كان الفرد ضعيف الشخصية وواهن العزيمة.

خلاصة القول هو أن حياة الإنسان لا تخلو من عادات أحب أم كره، إلا أن الذي ينبغي الانتباه له هو أنها إما تكون له أو عليه، وهوما يستوجب الاتصاف باليقظة تجاهها من خلال عرضها الدائم إما على الشريعة وإما على المختصين للتمييز بين الإيجابية منها والسلبية، ومن ثم تثمين الأولى من مثل عادات احترام المواعيد، تنظيم الوقت، الصدق، الأكل المتوازن، احترام القواعد الرياضة عند مزاولة رياضة معينة… والتخلي عن الثانية من مثل عادة الكذب والنميمة والخوض في أعراض الناس… مع العمل على بناء عادات جديدة تتماشى مع طموحات الفرد للرقي بمستواه إلى ما هو أحسن.

الحسن جرودي

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *