Home»Femme»عناصر لفهم مجريات موسم البحيرات واقتراحات لمعالجة المشاكل التي تتجلى من خلاله.

عناصر لفهم مجريات موسم البحيرات واقتراحات لمعالجة المشاكل التي تتجلى من خلاله.

0
Shares
PinterestGoogle+

بسم الله الرحمن الرحيم

الحسن جرودي

عناصر لفهم مجريات موسم البحيرات واقتراحات لمعالجة المشاكل التي تتجلى من خلاله.

في المقال السابق تطرقت إلى بعض طرق الاحتيال التي يعمد إليها البعض من خلال استغلال الكليشيهات المنتشرة في المجتمع وتقمص الدور المناسب للعملية المرغوب في إجرائها، وهذا الأمر قد لا يقتصر على المغرب وإنما يتعداه إلى جل بلدان المعمور مع اختلافٍ في الطرق والمنهجيات والوسائل، إلا أن المشترك فيه غالبا ما يكون العمد وسبق الإصرار.

وفي الوقت الذي لا زالت أفكاري مرتبطة بموضوع المقال، توصلتُ من أحد الإخوة بفيديو لمجريات موسم البحيرات بثلاثاء بوكدرة بإقليم آسفي الذي تستقبل فيه النساء اللواتي لم يكن لهن نصيب في الزواج، من يسمونهم « شرفاء البحيرات » بإلقاء ملابسهن الداخلية في قارعة الطريق، ليقوموا بالدوس عليها ثم يعاد جمعها ولبسها فيما بعد، عسى أن يسعفهن الحظ من خلال هذه الممارسة بالظفر بمبتغاهن. وحتى لا أتسرع في الخوض في الموضوع، قمت ببحث بسيط على الأنترنيت، وتبين لي أن الأمر لا يقتصر على الإناث، على الرغم من تواجدهن المكثف، وإنما يتعداه إلى بعض الذكور، بحيث هناك من يُلقي في طريقهم بحذائه، وهناك من يلقي بمحفظة نقوده، وهناك من يطلب منهم كمية ماء، وهناك من يسعى إلى أن ينفث عليه أحدهم لعاب فمه…وكل ذلك طلبا للبركة حتى يحصل على مبتغاه حسب الاعتقاد السائد.

إن الاستنتاج الأولي بخصوص هذه الظاهرة قبل أية دراسة علمية، هو أنها تُعبِّر عن نوع من الحرمان الذي يعاني منه كل فرد من الأفراد المعنيين بهذه الممارسات، كل حسب المطلب الذي يود تحقيقه ذَكرا كان أو أنثى، غير أن الملفت للانتباه هو الحضور المكثف للعنصر النسوي، وهو الأمر الذي يُفترض معه حرمان عدد كبير من الفتيات من الزواج.

وإذا علمنا أن الزواج مطلبٌ شرعي مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم  » يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ ». فإن السؤال الذي يَطرح نفسه بالنسبة للإناث هو لماذا يلجأن إلى هذه الطرق الخرافية لجلب الرجل، في الوقت الذي يُفترض فيه وجود طرق فِطرية وشرعية في نفس الوقت. ويطرح السؤال نفسه بالنسبة لمطالب الذكور التي غالبا ما تحوم حول طلب المال أو العمل، أو الشفاء من مرض مزمن، أو ربما حتى الظفر بزوجة صالحة…؟ والإجابة البديهية التي تتبادر إلى الذهن هي ضعف الإمكانيات التي تسمح بتلبية هذه الاحتياجات بالطرق المشروعة، ومن ثمة اللجوء إلى مثل هذه الممارسات التي لا تختلف في جوهرها عن تلك التي يسلكها أولئك الذي يتقمصون شخصيات غير شخصياتهم الأصلية، للاحتيال على الآخر وقضاء بعض مآربهم، وإذا هناك من اختلاف بين الممارستين فإنه يكمن في الوسيلة لا غير، بحيث يقوم أحد الفريقين بعملية الخداع بشكل مباشر، بينما يقوم الصنف الثاني بالمرور عبر وسيط « شرفاء البحيرات » في هذه الحالة.

وعلى الرغم من إيماني بأن الخوض في مثل هذه الظواهر الاجتماعية يحتاج إلى دراسات مختصة، فإني أغامر لأطرح بعض العناصر التي يمكن الاستئناس بها في الغوص في تجلية الأسباب الحقيقية الكامنة وراءها، واقتراح الحلول الملائمة لمعالجتها، وألخصها في التالي:

  • الجهل بالدين من قبل الطرف الضعيف في المعادلة، الذي تمثله هؤلاء النسوة ومَن على شاكلتهم من الرجال، وذلك مذ زرع الاستعمار بذوره الأولى لتقوم جهات معينة بإنباتها ورعاية شتلتها حتى إذا أينعت وأثمرت، برزت الأطراف التي لا ترغب في حل المعادلة، لجني ثمارها، الذي قد يكون باسم الدين، كما هو الشأن بالنسبة للصفقة التجارية الخيالية التي يستفيد منها شرفاء البحيرات بحيث يتم بيع « قالب السكر ب 50 درهم » على سبيل المثال لا الحصر.
  • افتقار شباب هذه الجهة كما هو الشأن بالنسبة لعديد من جهات المغرب إلى عمل أو مدخول قار، يسمح لهم بتكوين أسرة تتوفر فيها أدنى شروط العيش الكريم.
  • وقوف جهات معينة وراء استمرار هذا المهرجان، مسنودة باستشراء الجهل بجميع أشكاله، وعلى الخصوص الجهل بمقاصد الشريعة الإسلامية في موضوع الزواج التي تهون دونها كل العراقيل والعقبات التي على رأسها غلاء مهور النساء، وضيق ذات اليد لدى الرجال، بحيث لو تم العمل فقط بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه « إِنَّ أَعْظَمَ النِّكَاحِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُ مَؤُونَةً » لتم تزويج كل الراغبين فيه، ولما تم امتهان كرامة هؤلاء النسوة تحت شعارات فارغة من قبيل الاحتفاظ على العادات والتقاليد.
  • اللجوء إلى هذا النوع من الممارسات هو في الحقيقة تعبير من نساء هذه المنطقة بصفة خاصة ونساء المغرب بصفة عامة، على تمسكهن بمؤسسة الزواج كما هي متعارف عليها لدى المغاربة باعتبارها ضرورة شرعية، وأصل في تكوين الأسرة التي تُعتبر الضامن الوحيد في استمرار البشرية في الوجود، ولا يمكن بحال من الأحوال للجمعيات النسوية أن تؤَوِّله إلى كونه مؤشرا على حرمان في إشباع الجانب الجنسي الغريزي المحض، لأنه لو كان ذلك هو القصد لما أعوزتهن الحيل في سبيل تحقيقه.

وإذا سلمنا بمساهمة هذه العناصر بشكل من الأشكال في بروز هذه الظاهرة واستمرارها، وجب تنبيه كل من له علاقة بالموضوع بتحمل مسؤوليته كاملة أمام الله أولا وأمام المجتمع ثانيا وأقول:

  • على الدولة أن تولي اهتماما كبيرا لموضوع التوعية الدينية في برامج التعليم سواء تعلق الأمر بالتعليم النظامي أو غير النظامي، أوببرامج محو الأمية التي قد تكون هي الأنسب على المدى القصير بالنسبة للنسوة اللواتي فاتَهُن قطار الاستفادة من التعليم النظامي، وعدم الاقتصار على برامج تعاونيات تربية الأرانب والماعز …التي لا يمكن إنكار أهميتها في المساهمة في تنمية دخل الأسرة، لولا أن سيطرة الجانب المادي يمكن أن يؤدي، في غياب الوازع الديني، إلى إحداث خِلالٍ (جمع خَلل) في العلاقات الأسرية تؤدي إلى نتائج لا تحمد عقباها، قد تنحصر في نشوز الزوجة، وقد تصل إلى حد الطلاق.
  • على العلماء والوعاظ الذين يكتفون بالحديث في المواضيع، لا أقول غير المهمة، ولكنها غير مستعجلة، أن تتصدى لمثل هذه الظواهر المشينة التي لا تحتمل معالجتها الانتظار، وذلك باعتماد كل الوسائل المتاحة، على رأسها وسائل التواصل الاجتماعي خاصة وأنها أصبحت متاحة للجميع، وإلا فإن عدم اقتحامها يفسح المجال واسعا أمام الأطراف المستفيدة من هكذا ممارسات.
  • على الجمعيات الحقوقية أن تسارع إلى تحمل مسؤوليتها في الدفاع عن حقوق الإنسان في شموليتها، لمعالجة مثل هذه الممارسات من وجهة نظر الثقافة الإسلامية الأصيلة، عوض تلك التي تَسْتَميتُ في الدفاع عنها مجموعة من الجمعيات النسوية، والتي أتوقع أنها ستهرع إلى إعادة صياغة حل المشكل طبق الأجندة التي تعمل على تحقيقها، من مثل حرية التصرف في الجسد والإباحية والإجهاض…والعمل على تعويض حق تكوين أسرة عن طريق مؤسسة الزواج، إلى الحق في الجنس، وهو الأمر الذي لا يمكن أن يُقبل في بيئة تميلُ الكفةُ فيها إلى العِفَّة التي تُستَشَفُّ من خلال لباس الحشمة والوقار الذي بدا واضحا في جميع الفيديوهات التي تناولت الموضوع.
  • على السلطات المحلية وكل المسؤولين المعنيين العكوف على معالجة مثل هذه الظواهر ومحاربة كل الذين يتاجرون بمعاناة أبناء المجتمع ذكورا وإناثا، والاغتناء على حساب جهلهم، والضرب على أيديهم من حديد حتى يجعلوا حدا لكل ما من شأنه أن يسيء إلى سمعة البلاد، بالإضافة إلى محاربة الفكر الخرافي الذي غالبا ما يكون حاجزا أمام التشمير على السواعد وتشجيع المبادرة في البحث عن مصدر الرزق الحلال.

في الأخير أتوجه إلى عموم المغاربة الذين يستعملون وسائل التواصل الاجتماعي والذين يَرْنُون إلى الارتقاء بهذا الوطن الحبيب إلى مصاف الأمم المُحترَمة، أن يساهموا في نشر ثقافة الجد، ويقاطعوا كل تلك الترهات والتفاهات أو على الأقل أن يقلعوا عن تقاسمها وتعميمها في محيطهم الذي يتواصلون معه انطلاقا من مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

الحسن جرودي

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *