Home»International»إلى أي مدى يمكن للمظهر أن يُعبِّر عن الجوهر؟

إلى أي مدى يمكن للمظهر أن يُعبِّر عن الجوهر؟

0
Shares
PinterestGoogle+

بسم الله الرحمن الرحيم

الحسن جرودي

إلى أي مدى يمكن للمظهر أن يُعبِّر عن الجوهر؟

من المتعارف عليه أن هيئة الإنسان أو مظهره الخارجي غالبا ما يُعبِّر عن معتقداته وقناعاته الشخصية، وربما كان ذلك هو السبب في تصنيف الناس بشكل عفوي في خانات معينة حسب مظهرهم قبل الاحتكاك بهم ومعرفتهم المعرفة اللازمة للحكم عليهم، فهذا متزمت، وهذا إرهابي، وهذا فاسق، وهذا كريم، وهذا بخيل، وهذه ملحدة إلى آخر الأوصاف التي قد يطول حصرها.

ومن منطلق سيادة هذه الكليشيهات في المجتمع، يعمد البعض لاستغلالها لقضاء مآربهم بالاجتهاد في تقمص شخصيات قد تكون مناقضة لجوهرهم وحقيقتهم، فهذا متسول يأتيك في هيئة درويش رث الثياب، وآخر يأتيك في هيئة رجل محترم تقطعت به الأسباب، وهذا لص يأتيك في هيئة واعظ، وهذا فاسق يبدو في صورة زاهد، وهذه متهتكة تأتيك في صورة عفيفة… والقائمة طويلة.

وأنا أتتبع بعض حلقات النقاش الحار الذي دار ولازال يدور في الأردن الشقيق، حول المصادقة على قانون الطفل، لفت انتباهي تَصدُّر نساءٍ « محجبات » في عدد من الموائد المستديرة التي عُقدت لهذا الغرض، الدفاع باستماتة عن القانون، على الرغم من كل الحجج والبراهين الملموسة التي يدلي بها المعارضون له للاستدلال على مساوئه المتعددة، من بينها ما يتعلق بتمكين الطفل من حرية تتناقض كليا مع مفهوم التربية الأسرية في البلاد الإسلامية، وتتجاوز مفهوم الأسرة كنواة للمجتمع، ترجع مسؤولية تربية الأطفال فيها للأبوين بصفة خاصة وللعائلة بصفة عامة، قلت تتجاوز مفهوم الأسرة لترسخ مفهوم الفردانية التي تعطي الحق للطفل حتى في سن مبكرة « للاستقلال » بحيث على سبيل المثال لا يُسمح لأبويه بالاطلاع على مراسلاته الشخصية ومن ضمنها فحوى هاتفه النقال، وإذا حدث وأن قاما بذلك وعملا على تقويمه إذا كان ذلك المضمون يتجاوز الحدود التي يفرضها الشرع والأعراف والتقاليد، جاز له بل وجب عليه رفع دعوة ضدهما، مع العلم أن القوانين الأردنية الحالية لا تُعوِزها معالجة أي مشكل من المشاكل أو التجاوزات الخطيرة التي قد يقع فيها الأبوان. 

والسؤال الملح هو كيف يمكن لمتحجبة أو ملتح يُفترض فيهما الدفاع والمنافحة عن كل ما له علاقة بالدين الإسلامي وبقيمه السمحة، حسب الصورة المتداولة عنهما في المجتمعات الإسلامية والمجتمع المغربي من ضمنها، أن تدافع عن قيم غربية مفروضة من قبل الغرب، لا لشيء سوى لأنها مُتَبناة من قبل الأمم المتحدة أو لأن جل الأمم صادقت عليها ومن ثمة لا يجوز أن نكون بدعا منها.

للإجابة عن هذا السؤال لم أجد بدا من الرجوع إلى الواقع الذي تشترك فيه جل الدول العربية الإسلامية، حتى أتمكن من استكشاف الاختلافات التي تتضمنها الكليشيهات التي يشترك فيها ألائك الذين يعطون الانطباع بكونهم مسلمين، في الوقت الذي يستميتون فيه في الدفاع عن الغرب وثقافته وقوانينه، لأخلص إلى إمكانية تصنيفهم إلى ثلاثة أصناف بحيث:

يتميز أفراد الصنف الأول بعدم تمكنهم لا من الشريعة الإسلامية وثقافتها، ولا من الثقافة الغربية، وبعدم إلمامهم بالمآزق التي وَجد الغرب نفسه فيها، خاصة فيما يتعلق بالجانب الأخلاقي، مما جعلهم ينبهرون بالجانب المادي المحض الذي جعل منهم أبواقا مجانية للفكر الغربي العلماني دون وعي منهم بمآلات توجهم هذا.

فيما يتميز أفراد الصنف الثاني بثقافة غربية علمانية تم اكتسابها عن طريق التعليم الذي غالبا ما يتم جزء كبير منه في دول غربية، وفي مرحلة حساسة من العمر، يمكن إدراجها ضمن المراهقة أو المراهقة المتأخرة. وعلى الرغم من ترعرع أفراد هذا الصنف في مجتمع « إسلامي » إلا أن الثقافة الإسلامية المكتسبة بصفة عامة في البيت أو المدرسة على السواء، لم تكن في مستوى مَنْحِهم المناعة الكافية للوقوف الند بالند في وجه الثقافة الغربية على العموم وفي وجه العلمانية بصفة خاصة.

أما الصنف الثالث فيتميز المنتمون إليه، بتحصيلهم لمعرفة لا يستهان بها سواء تعلق الأمر بالثقافة الغربية أو بالشريعة الإسلامية وثقافتها، لكن ضعف عقيدتهم وانهزامهم أمام المكتسبات المادية السخية التي يجود بها الغرب على كل الجمعيات والهيئات المنخرطة في تجسيد أجندته التي غالبها ما تكون أهدافها مبثوثة بكيفية خبيثة تتسم بكونها غير مباشرة ولا صريحة في أغلب الأحيان، تجعلهم ينحازون إلى الغرب عن عمد وسبق إصرار.

إنني من خلال هذا المقال لا أدعو إلى سحب الثقة التي تُعتبر العملة الصعبة في التعامل ضمن المجتمعات المسلمة، بكيفية مطلقة، وإنما أدعو إلى التحري والتبين قبل اتخاذ أي قرار أو تبني أفكار معينة انطلاقا من مظهر صاحبها أو لحن في قوله، مصداقا لقوله تعالى: « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ » (الآية 6 الحجرات).

وحتى لا يفهم من كلامي أن المقال موجه لأهل الأردن، فإني أأكد أن كل ما قلته قد ينطبق على المغاربة الذين ربما وُجدت من بينهم أصناف أخرى لا توجد في غيره من البلدان العربية والإسلامية. ومن أمثلتها الفظة، ذلك اللغو الذي اختلقه رئيس ما سمي ب »الجبهة الوطنية لمناهضة التطرف والإرهاب » حول « حامة الشعابي ». ففي الوقت الذي يُفترض فيه أن يكون أول من يدافع عن القيم الإسلامية وعن الأعراف والتقاليد المرتبطة بها، لكونه مارس مهنة القضاء يا حسرتاه، تجده يختلق مشكلا لا وجود له أصلا ولا فائدة ترجى من ورائه سوى خلق مزيد من التوترات التي نحن في غنى عنها. ولا أدل على ذلك أن مجموعة من الجمعيات المدافعة عن حقوق الإنسان (التي اتخذها شماعة لاختلاق هذا المشكل) بالجهة، استنكرت ما ذهبت إليه ما سمي « بالجبهة الوطنية لمناهضة التطرف والإرهاب » ورئيسها، على رأسها العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان لإقليمي الناظور والدريوش، وجبهة العمل الأمازيغي بالجهة الشرقية وغيرهما من أبناء المنطقة.

ومما يُصَعِّبُ من تصنيف هذا النوع من البشر والجمعيات، هو كون المنصِب الذي كان يشغله منصبا حساسا، يوحي بأن صاحبه ملتزم بالدفاع عن قيم الشعب المغربي المستمدة من الشريعة الإسلامية، ولا شك أن عزله منه جاء بعد ضبطه في مواقف منافية لهذه القيم والحمد لله على ذلك، ومع ذلك فقد جاء ليطالب بالاختلاط في مكان عبارة عن حامة تُقصد للتداوي بالأساس وليس للاستجمام، شأنه في ذلك شأن كل الأماكن التي تستوجب عدم الاختلاط بين الجنسين، والسؤال البسيط الذي يطرح نفسه هو إذا كان لا بد من هذا المطلب فلماذا الانتقال إلى جهة مغمورة في الوقت الذي تصادفه فيه يوميا أماكن ينفصل فيها الذكور عن الإناث، من مثل الحمامات العمومية، وحتى الحمامات المنزلية التي لا أتصور أن أحدا يقبل باختلاط أفراد عائلته ذكورا وإناثا داخلها، بل وحتى قاعات وطوابير الانتظار داخل المرافق العمومية والمصحات يتم الفصل فيها بين النساء والرجال دون اعتبار ذلك « هضما لحقوق الإنسان ولا إرهابا ينشر الكراهية والتمييز في الفضاء العام، ويعكس توجهات غريبة على المجتمع » كما جاء على لسان جمعية السيد القاضي المعزول، وإنما هي ثقافة تَصدُر عن قيم إسلامية أصيلة يتعين العمل على تعميمها في كل المجالات الحياتية التي تسمح بذلك للتقليص من الآفات الناتجة عن الاختلاط غير المبرر خاصة ونحن نقرأ قول الله تعالى في سورة النور: « قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا…  » صدق الله العظيم.

الحسن جرودي

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *