Home»National»فرنسية كاتب ياسين غنيمة أم غانمة؟

فرنسية كاتب ياسين غنيمة أم غانمة؟

0
Shares
PinterestGoogle+

بسم الله الرحمن الرحيم

فرنسية كاتب ياسين غنيمة أم غانمة؟

الحسن جرودي

اطلعت على مقال للدكتور عبد العالي الودغيري في حلقتين، تحت عنوان مَن كان الغنيمةَ حقا يا كاتب ياسين؟  يُبرز فيه تهافت المقولة المنسوبة للكاتب الجزائري كاتب ياسين بأن الفرنسية كانت بالنسبة له « غنيمة حرب »، وذلك بالعودة إلى جذور صاحبها وكيف ترعرع في أحضان اللغة الفرنسية مذ كان صغيرا حيث أخرجه أبوه من الكُتَّاب لِيُدخله في المدرسة الفرنسية التي لم يُكمل دراسته فيها، ليتوجه إلى فرنسا أين شرع في  الكتابة باللغة الفرنسية التي جعلت منه كما ورد في المقال « كاتبًا مرموقًا يُقرَن اسمُه إلى كبار أدباء الفرنكوفونية الذين صنَعتهم أبواقُها والآلات الجهنّمية لإعلامِها، ونَحَتَتْ منهم أصنامَها وتماثيلَها التي تُؤثّث بها معابدها، إذ لا بد لكل إيديولوجية من أصنام وتماثيل، بغضّ النظر عن القيمة الفنية الحقيقية لإنتاجهم الذي لا يُشترط فيه أن يكون دائمًا في المستوى الجيّد ». وبعد عودته إلى الجزائر وبسبب جهله للغة العربية اختار الدارجة للكتابة مبررا ذلك بكونها لغة الشعب، وهذه كلمةُ حقٍّ أريد بها باطل يقول الودغيري. ومع ذلك فالمشكل لا يكمن في كونه يدافع عن الأمازيغية والدارجة، وإنما يتجلى بالأساس في محاربته للغة العربية، ومن خلالها للإسلام إلى أن مات على ذلك، وهو الأمر الذي سجله التاريخ عليه من خلال مقولته المشهورة « أنا لست عربياً ولا مسلماً، أنا جزائري »  

ولن أكون في مستوى الأستاذ الودغيري لأُبرز زيغ كاتب ياسين عن الطريق الصحيح في تنكره لكل ما يمت للإسلام والعربية بصلة، باعتباره أن العربية والإسلام هما مجرد مخلفات استعمار دام زهاء 13 قرنا من جهة، وبانسياقه وراء الثقافة الفرنسية التي تفتقت عنها فكرة الفرنكوفونية كقوة تدميرية ناعمة تُعتمد في نشر ثقافة فرنسا والحفاظ على مصالحها الاستعمارية المادية والمعنوية من جهة ثانية، علما أن الاستعمار الفرنسي « لم يدم سوى » 130 سنة. (فيما يلي رابط الحلقة الأولى لمقال الأستاذ الودغيري:https://abdelkaderalami.com/?p=5561 ).

 وبما أن المقال كان بمثابة وثيقة تُبرز بالملموس خطورة كاتب ياسين وأمثاله من الفرنكفونيين على عقيدة الشعوب الإسلامية ولغتهم بخدمتهم لأجندة فرنسا، فقد كان من المتوقع أن يثير حساسية لدى الذرية الإيديولوجية، إن صح التعبير، لكاتب ياسين وزمرته، وهو ما حصل بالفعل، حيث انبرى أحدهم بالرد على الدكتور الودغيري محاولا تسفيهه، وأنا له ذلك، من خلال مقال نُشر بإحدى الصحف الإلكترونية الكثيرة الرواج، منصِّبا نفسه محاميا عن ياسين في نفس الوقت الذي يمتطي فيه الأمازيغية للدفاع عن الفرنكفونيون والفرنكوفونية، وكل ذلك من أجل ضرب الإسلام واللغة العربية التي ربما يعتقد أن « إتقانه » لها سيمكِّنه من تمرير المغالطات المنطقية التي  يَعمَد فيها إلى  الخلط بين العرب واللغة العربية.

إن محاولته تبرير مقولة ياسين بأن الفرنسية كانت له بمثابة غنيمة حرب، لا يمكن أن تصمد أمام الحجج الدامغة التي قدمها الدكتور الودغيري في أن الفرنسية هي التي غنمت ياسين واستعملته في نشر ثقافتها، وهو الذي كان بإمكانه أن يجعل من الفرنسية غنيمة بالفعل لو وظفها في الدفاع عن ثوابت الأمة الجزائرية المتمحورة على العروبة  والإسلام، ومن خلالهما، على الأقل، تثبيت الجانب الأخلاقي الذي ينتفي كليا في رواية نجمة بالخصوص، والتي تستحق بسبب ذلك أن تُدرج بامتياز في نفس الخانة مع كتاب الخبز الحافي لمحمد شكري من حيث التوجه العام ومن حيث بذاءة المعجم المعتمد، في حين يمكن لتلك المقولة أن تنطبق بصدق على أولائك الذين غنموا الفرنسية بحق، من أمثال مالك بن نبي الذي على الرغم من أنه تزوج بامرأة فرنسية (أسلمت فيما بعد على يديه) وأنه كتب جل كتبه باللغة الفرنسية، ومع ذلك فلا واحد منها يخلو من مناهضة المستعمر وأفكاره الهدامة التي تهدف إلى تكريس التبعية وتقويض أسس الثقة بالنفس لدى الشعوب، ولا من استنهاض الهمم لمحاربة الدروشة وكل الأفكار الغير فعالة وعلى رأسها تلك التي تصدر عن جهات محسوبة على التيار الديني. ونظرا لكونه يِؤمن بالدور الاستراتيجي لتشبث الأمم بثقافتها الوطنية وثوابتها الدينية واللغوية فقد عمل كل ما في وسعه لتجويد تمكنه من اللغة العربية ليراجع بعد ذلك كل مؤلفاته المترجمة إلى العربية ويُعيدَ تحريرها بنفسه ويبدأ بالتأليف وإلقاء محاضرات عدة باللغة العربية.

إن المتأمل في مقال صاحبنا يلحظ دون كبير عناء بُطلان المنطق الذي يعتمده وهو يحاول تبرير مقولة ياسين، ولعل في قوله « بأنه لولا اللغة الفرنسية، لاستمر يعتبر نفسه « عربيا » كما كان يعتقد، لكونه ينتمي إلى أسرة عربوفونية حيث كان معيار التمييز بين « العربي » والأمازيغي هو معيار اللغة« ، لعل في هذا برهانا قاطعا على أن الفرنسية هي التي كانت حائلا دون استمرار ياسين في اعتبار نفسه عربيا. وأعتقد أنه لا يوجد تعبير أوضح من هذا للقول بأن الفرنسية هي التي غنمت ياسين وليس العكس، والملفت للانتباه في هذا القول هو التحامل الواضح وضوح الشمس في رابعة النهار على العربية ومن خلالها على الإسلام باعتماد مغالطة عدم التمييز بين العربي كجنس وبين العربية كلغة وظيفتُها الأساسية التعريف الصحيح لدين الإسلام لمعتنقيه بغض النظر عن كونهم عربا أو أمازيغا أو غير ذلك، وهذه خصيصة يتميز بها الدين الإسلامي الذي لم يكن ولن يكون يوما عنصر تفريق بين العربي وغير العربي. ومن بين الأوجه الأخرى لهذه المغالطة قوله: « لكن ياسين كان يرفض العربية باعتباره جزائريا يدافع عن لغة الشعب الجزائري، التي هي الأمازيغية والدارجة، وليس لأنه « فرنسي » يدافع عن اللغة الفرنسية للشعب الفرنسي الجزائري. أما السيد الودغيري، وغيره من التعريبيين، فهم يدافعون عن العربية كلغة للشعب العربي، المغربي والجزائري، مستعملين اللغة العربية كأداة للتعريب القومي والهوياتي، والتحويل الجنسي للمغاربة والجزائريين من جنسهم الأمازيغي الإفريقي إلى جنس عربي أسيوي« . ذلك أنه من غير المقبول أن يصدر عن إنسان عاقل هذا النوع من الهراء الذي ينبني أساسا على التمييز العرقي الذي تجاوزه الإسلام لأكثر من أربعة عشر قرنا.

في الأخير أريد أن أوضح بأني لا أهدف من خلال هذا المقال إلى الدفاع عن الدكتور الودغيري في حد ذاته، لأنني أعتقد جازما بأن المشروع الذي ينافح من أجله أكبر من افتقاره إلي وإلى غيري للدفاع عنه، بقدر ما أقصد لفت الانتباه إلى مركزية وحساسية الموضوع الذي تحدث فيه والذي لا يخص مقولة كاتب ياسين وحدها، وإنما ينسحب على مجموعة من المقولات والأفكار المبثوثة هنا وهناك بغرض التطبيع معها والترويج لها حتى يصبح استعمالها أوتوماتيكيا دون التفكير في خطورة حمولتها على مجموعة من الثوابت والقيم التي تستهدفها العلمانية والعاملين لها. من هذا المنطلق أصبحت مقولة ياسين بالنسبة لكل أولائك الذين يعجزون عن تركيب جملة عربية صحيحة مبررا وشماعة يعلقون عليها عجزهم وقنطرة للتأصيل لاعتماد اللغة الفرنسية وثقافتها ولو في أردإ نسخها، كما كان الشأن بالنسبة لرئيس دولة جارة عندما استعملها مؤخرا استعمالا غير موفق ليبرر توجهه نحو التدريس باللغة الإنجليزية عوض الفرنسية.

الحسن جرودي

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *