Home»National»حديث الجمعة :  » والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون « 

حديث الجمعة :  » والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون « 

1
Shares
PinterestGoogle+

حديث الجمعة : (( والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون ))

محمد شركي

لقد جاء في كتاب الله عز وجل وصف لخلقه من البشر حسب طاعتهم له أو خروجهم عنها . ويمكن تصنيفهم بهذا الاعتبار إلى مطيعين وعصاة  ،ولكل صنف صفات وصفهم بها خالقهم سبحانه وتعالى . ومعرفة صفات هؤلاء وهؤلاء من خلال كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لا مندوحة لمؤمن عن معرفتها إذا كان حريصا على صيانة إيمانه ، ذلك أن معرفة صفات المؤمنين المطيعين ربهم تجعله يحذو حذوهم ، ومعرفة صفات العصاة  تجعله يتنكب سبيلهم .

 ولقد ورد في الصحيحين أن الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه وأرضاه  قال :  » كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير ، وكنت أساله عن الشر مخافة أن يدركني ، فقلت : يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير ، فهل بعد هذا الخير من شر ؟ فقال : نعم ، فقلت : وهل بعد ذلك الشر من خير ؟ قال : نعم ، وفيه دخن ، قلت : وما دخنه ؟ قال : قوم يهدون بغير هديي ، تعرف منه وتنكر ، قلت : وهل بعد ذلك الخير من شر ؟ قال : نعم دعاة على أبواب جهنم ، من أجابهم إليها قذفوه فيها ، قلت : يا رسول الله صفهم لنا ، فقال : هم من بني جلدتنا ، ويتكلمون بألسنتنا ، قلت : فما تأمرني إن أدركني ذلك ؟ قال : تلتزم جماعة المسلمين وإمامهم ، قلت : فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام ،  قال : فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك  » .

لقد أسدى هذا الصحابي الجليل رضي الله عنه  الذي كان يحتاط من الشر قبل أن يهتم بالخير إلى الأمة الإسلامية خدمة لا تقدر بثمن برواية هذا الحديث الذي دار بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ،والذي يتضمن إخباره عليه الصلاة والسلام بما سيتناوب على الأمة الإسلامية بعده من خير وشر . وقد أخبر عليه الصلاة والسلام بشر بعد خير الإسلام زمن نبوته ، ثم أخبر بخير يلي ذلك الشر ولكنه فيه دخن أو فساد، وهو عبارة عن خلط  بين هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يعرف منه، وبين ما ينكر مما ليس منه ، ومع ذلك  وصفه عليه الصلاة والسلام بأنه خير بسبب بقية هديه بالرغم مما فيه من دخن . وذكر بعد ذلك حصول الشر المستطير، وهو ظهور دعاة يدعون الناس إلى  نارجهنم ، وقد حدد صفاتهم بأنهم ينتسبون إلى الإسلام ، ويتحدثون لغة القرآن الكريم . ولما كان الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه حريصا على  السؤال عن الشر استنصح النبي صلى الله عليه وسلم لمعرفة ما  يجب فعله إذا ما أدركه ذلك الشر المستطير ، فأشار عليه بلزوم الجماعة المسلمة وإمامها ،ولكنه من شدة احتياطه من الشر، وحرصه  على الخلاص منه إذا حصل، سأل عمّا يفعله إذا عدم جماعة المسلمين  وإمامتهم ، فأشار عليه صلى الله عليه وسلم  بألا ينخرط في الشر أو يساهم فيه، وذلك بترك سبل الدعاة إلى نار جهنم ، وأن يموت وهو على هذه الحال صابرا على ذلك كصبر العاض بأصل شجرة .

وسيرا على نهج هذا الصحابي الجليل، يجب على كل مسلم أن يسأل عن الخير والشر الذي كشفت عنهما النبوة الصادقة  لرسول الله صلى الله عليه وسلم  بما سيحدث بعده ، وذلك من باب الاحتياط من الوقوع في الشر ، ونشدانا للخير . ومن نشدان الخير معرفة صفات أهل الخير من أجل الاقتداء بهم ، ومعرفة أهل الشر لتجنب سبلهم .

ومن صفات المؤمنين الواردة في كتاب الله عز وجل قوله تعالى واصفا عباده المؤمنين في سورة المؤمنين : ((  والذين هم لأماناتهم وعهده راعون )) ، وذلك بعد وصفهم بالخشوع في صلاتهم ، وإعراضهم عن اللغو ، وفعلهم للزكاة ، وحفظهم للفروج .

ولقد جمع لهم الله عز وجل في قوله : (( والذين هم لأماناتهم وعهده راعون )) بين سجيتين أو خصلتين أو فضيلتين هما : أداء الأمانة، وحفظ العهد . والأمانة والعهد سيّان ،لأن كل أمانة عهد ، وكل عهد أمانة ، وكلاهما يكون إما ماديا أو معنويا ، ويكونان بين مؤتمنين وأمناء أو بين متعاهدين ، ويكون بينهم رب العزة جل جلاله شاهدا عليهم . وحرصهم على رعاية الأمانات والوفاء بالعهود يكون بدافع تقوى الله عز وجل وخشيته ومراعاته . ومعلوم أن أمر الله عز وجل برعايتها يدل على التحذيرالشديد من الطمع فيما يكون فيها من منافع وفوائد  ، وذلك  مما  يغري الإنسان بعدم رعا يتها ، فتحدث نفسه الأمارة بالسوء بمخالفة أمر الله عز وجل فيهما .

ولقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قبض الأمانة وهو خيانتها فقال :  » ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل أثر الوكت ثم ينام النومة فتقبض ، فيبقى أثرها مثل المجل كجمر دحرجته على رجلك فنفط ، فتراه منتبرا ، وليس فيه شيء ، فيصبح الناس يتبايعون ،فلا يكاد أحد يؤدي الأمانة ، فيقال: إن في بني فلان رجلا أمينا ، ويقال للرجل : ما أعقله ، وما أظرفه ، وما أجلده ، وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان  »  

هذا حديث فيه تحذير خطير من شر مستطير، وهو قبض الأمانة في أمة الإسلام ، وقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم المراحل التي يمر بها هذا  القبض  بحيث لا يبقى منها في قلب الإنسان سوى أثر كأثر السواد الذي يكون في قشرة التمر، ثم ينتهي الأمر بها إلى أن تصير كنفط  أو بثر أودمّل  كالذي يحصل في جلد الإنسان إذا لفحته النار فينتفخ بسبب صديد  ينتج عن الحرق . وهذان تمثيلان لما يحصل للأمانة حين تقبض أو تضيّع ، فلا يبقى منها سوى أثر بعد عين كما يقال . وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم حال الناس حين تقبض الأمانة حيث يجتمعون كلهم على تضييعها حتى يصير الأمين بينهم عملة صعبة كما يقال ، فيشار إلى ندرته، وحينئذ  يمتدح مضيع الأمانة فيوصف بالتعقل والظرف والجلد ،وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان ،وهو مثقال يدل على فقدان الإيمان .

وإذا كان الله عز وجل  قد جعل حصول الإيمان برعاية الأمانة والعهد ، فإن فقدانه يكون بتضييعهما كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ولا بد من التذكير بأن لفظتي أمانة وعهد تنسحبان على شتى المعاملات بين الناس المادية منها والمعنوية ، وهي معاملات تتسع وتتنوع  لتشمل العديد من مجالات الحياة ، ويكون الله عز وجل رقيبا عليهم فيها ، وتكون سببا في تمكن الإيمان  من قلوبهم إن أحسنوا أو خلوها منه إن أساءوا ، والإحسان في تلك المعاملات يكون بحفظ الأمانات والعهود ، والإساءة تكون بتضييعها .

حديث هذه الجمعة الداعي إليه ما آلت إليه حال الأمة الإسلامية من استخفاف بالإيمان من خلال الاستخفاف بالأمانات والعهود وتضييعها  . ولقد صار الناس يعدون الأمناء على رؤوس الأصابع ، ويقولون كما جاء في الحديث النبوي الشريف : » إن في بني فلان رجلا أمينا « . وصار الغالب عليهم مدح من لا أمانة لهم ووصفهم بنعوت كالتي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم يطربون لسماعها ، مع أنها تبرأ منهم، وهم على قناعة بأنهم ليسوا أهلا لها .

وعلى الإنسان المسلم في هذا الزمان أن يصطلح مع  خالقه عز وجل ، ويجدد

 صلته به من خلال تجديد الصلة بما أوحى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم قرآنا كريما وسنة مشرفة ليستدرك ما  قد يكون قد ضاع من رصيد إيمانه ،وذلك برعاية ما أمر الله تعالى برعايته من أمانات وعهود ما دام في العمر بقية.

اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمة الإيمان ، ونعوذ بك مما  ينقضها ، ويفضي بنا إلى زوالها من تضييع للأمانات ونقض للعهود .

والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .     

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *