Home»National»مقنعة السائل عن المرض الهائل:مكاشفة سوسيوثقافية الجزء(4)

مقنعة السائل عن المرض الهائل:مكاشفة سوسيوثقافية الجزء(4)

0
Shares
PinterestGoogle+
 

مقنعة السائل عن المرض الهائل:مكاشفة سوسيوثقافية الجزء(4)

بقلم: د خالد عيادي

ولكي تتضح الرؤية بالنسبة ، لمن  يهمه  أمر هذا الوباء، اقترح أن نضع ذلك الحدث « الرهيب » في سياقه التاريخي والحضاري للأمة العربية والإسلامية . وقد كنت ألمحت في الجزء الثاني من هذه السلسلة، أن العالم الإسلامي عصرئذ ، سيدخل مع بداية القرن التاسع الهجري، أو سقوط مملكة « غرناطة » الأندلسية سنة 1492م الموافق ل897ه، مرحلة ما يسمى عند المؤرخين بفترات عصور الانحطاط .ومثلما تقدم فبوادر الانحطاط الحضاري كانت قبل، يشهد بذلك ما وثقه »ابن خلدون » في ملاحظته الثمينة حينما قال: »وجاء للدول على حين هرمها وبلوغ الغاية من مداها، فقلص  من ظلالها، وفلَّ من حدها، وأوهن من سلطانها، وتداعت إلى التلاشي والاضمحلال أحوالها، وانتقض عمران الأرض. » وسيتضاعف « السقوط الحضاري » كلما تقدم الأمد، لنصل إلى عصور « الجهل » و »الفساد » و »الفتون » على حد تعبير الإمام  » عبد الرحمان الأخضري » شاهد القرن العاشر، الذي وثق شهادته في منظومته الشهيرة: « السلم المنورق في علم المنطق ». ففي سياق وضعه لنظمه يعتذر، في أدب وتواضع ، للقراء، أن ألفها في ظروف عينها بقوله:

.  لَاسِيَّـمَا فِي عَـاشِرِ القُـرُونِ *** ذِي الجَهـلِ وَالفَسَـادِ وَالفُتُـونِ

        وحتى نقترب من تلك الحقبة أكثر، نقرأ ل »ابن خلدون » « تدوينا » تاريخيا واجتماعيا في غاية الدقة والعمق عما وسمه ب « الطاعون الجارف » المؤدي إلى « انتقاص البشر ».و ذلك باعتباره شاهدا على القرن الثامن الهجري، و معاصرا لتلك الفترة الحساسة .و »ابن خلدون » ينقل إلينا تلك الأجواء بإحاطة المؤرخ ، وملاحظة السوسيولوجي، وانتباه الفقيه، وحس الشاعر المرهف.ومما استرعى انتباهي ذكره أن ذلك الوباء قد غير من « ..العوائد والنحل التي تبدلت لأهلها ».وهذا الذي يقع الآن في مجتمعاتنا، مع جائحة كورونا، من اختفاء لعادات وظهور أخرى .الأمر الذي يستنتج معه أن ملاحظة »ابن خلدون » قد صارت قاعدة سوسيولوجية عند حدوث منعطفات تاريخية.

        يقول في سياق حديثه عن مهام المؤرخ و »مقاصده » في تتبع « الأحوال العامة للآفاق والأجيال والأعصار » ما هذا نصه: « وأما لهذا العهد وهو آخر المائة الثامنة، فقد انقلبت أحوال المغرب الذي نحن « شاهدوه »، وتبدلت بالجملة ، واعتاض([1]) من أجيال البربر أهله على القدم بمن طرأ من لدن المائة الخامسة من أجيال العرب([2]) .هذا ما نزل بالعمران شرقًا وغربًا في منتصف هذه « المائة الثامنة » ، من « الطاعون الجارف » الذي تحيَّف الأمم، وذهب بأهل الجيل، وطوى كثيرًا من محاسن العمران ومحاها، وجاء للدول على حين هرمها وبلوغ الغاية من مداها، فقلص  من ظلالها، وفلَّ من حدها، وأوهن من سلطانها، وتداعت إلى التلاشي والاضمحلال أحوالها، وانتقض عمران الأرض بانتقاص البشر، فخربت الأمصار والمصانع، ودرست السبل والمعالم، وخلت الديار والمنازل، وضعفت الدول والقبائل، وتبدل الساكن . وكأني بالشرق قد نزل به مثلما نزل بالمغرب، لكن على نسبته ومقدار عمرانه. وكأنما نادى لسان الكون في العالم بالخمول والانقباض فبادر بالإجابة :والله وارث الأرض ومن عليها .وإذا تبدلت الأحوال جملة فكأنما تبدل الخلق من أصله، وتحول العالم بأسره، وكأنه خلق جديد، ونشأة مستأنفة، وعالم مُحدَث، فاحتاج لهذا العهد، من يدون أحوال الخليقة والآفاق وأجيالها والعوائد والنحل، التي تبدلت لأهلها([3])

………………………………………………………………………………………………………………

) اعتاض أي:  مما فقد تعوض، أخذ بدلا منه أو مقابلا .اعتاض أي أخذ العوض.[1]

[2] ) مقدمة ابن خلدون – عبد الرحمان بن خلدون- تحقيق –علي عبد الواحد وافي- ص:325 .

[3] ) نفس المرجع – ص:325-326.

 

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.