من هو الإنسان

من هو الإنسان ؟
بقلم عمر حيمري
اختلف الفلاسفة حول ماهية الإنسان أيما اختلاف، فمنهم من قال هو حيوان ناطق، حيوان عاقل، ومنهم من قال بأن وجوده وماهيته مرتبطة بالتفكير » أنا أفكر إذن أما موجود » ومنهم من ذكر أنه حيوان ميتافيزيقي وآخرون قالوا أنه حيوان متفلسف وهكذا اختلفت رؤى الفلسفات وتعددت. والحقيقة أن كل هذه التعريفات الفلسفية لها نصيب من الصواب والمصداقية ولكنها تعريفات ضيقة قاصرة، اهتمت ببعض صفات الإنسان وخصائصه وبعض جوانبه الفيزيولوجية والبيولوجية الظاهرة، وهذا النوع من التعريفات، لا يمكن أن يحتوي الإنسان ويشمله ولا هو بالتعريف الشامل المطلق. والواقع أني لم أجد للإنسان بين كل هذه الفلسفات « تعريفا شاملا مانعا » كما يقول المناطقة. وإني لأرى أن أنسب تعريف للإنسان وربما أدقه هو: « الإنسان زمان » نعم الإنسان وهو في عالم الذر زمان. – لقوله سبحانه وتعالى [ وإذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين ] ( سورة الأعراف آية 172)،- أي في بداية التكوين البشري أو الخلق الأدمي هو زمان فعلي كامن، ولكنه قابل للظهور والخروج في زمان محدد بدقة وبعينه معين، لا يتجاوزه ولا يتأخر عنه، وتبقى سيرورة الإنسان عبر الزمان، فكل زمان يسلمه للزمان الذي يليه حتى تتم الحلقة، فينتهي الزمان المحدود وتبدأ رحلة هذا الإنسان مع الزمان اللانهائي واللامحدود وبالتعبير القرآني « عالم الخلود ».
الإنسان وهو في عالم الذر زمان موجود مدرك، عاقل، ناطق، شاهد على نفسه بالإيمان وواع بما شهد به وملتزم بالتوحيد وآخذ على نفسه العهد والله يشهد عليه. ويضل هذا الإنسان في حركة دائمة، دؤوبة، يجري مع الزمان ويحمله الزمان حتى يلج زمان النطفة وتستمر رحلته من نطفة إلى التي تليها حتى يستقر في الرحم. وفيه يجري عليه الزمان المعروف المحدد والذي هو في الغالب تسعة أشهر. وفي هذه المرحة يكون الإنسان شعورا وإحساسات أكثر منه كائنا بيولوجية وفيزيولوجيا فلا زفير ولا شهيق له ولا يرى ولا يقوم بالعمليات العقلية كالتحليل والتصنيف والقياس والاستقراء …ولا يدرك الزمان وربما لا يدرك حتى المكان الذي يوجد فيه، وهو خاضع لتكوين والتطور، ولكن دائما في إطار الزمان ولا يخرج إلى علم الكون والظهور وهو الزمان الذي يتدرج فيه ويكبر معه ولا يمكن مطلقا تجاوزه من ناحية الفعل والعمل ولا من ناحية النهاية. وعلى هذا الأساس فهوما زال مطالب بتنفيذ العهد الذي قطعه على نفسه مع ربه وهو الإيمان بالله وتوحيده والعمل طبعا بما يقتضيه مبدأ التوحيد، فإن هو خالف العهد سيسأل عن ذلك ولكن في زمان غير زمانه المحدود والنهائي. بل في زمان آخر مطلق، وهو يلهث لموصل إليه مجبرا لا مخيرا .
إن الإنسان كزمان فرضت عليه فروضا وواجبات هي نفسها متعلقة بزمانه، فإعلان الشهادة مرتبط بزمان العقل والبلوغ ووصول الدعوة إليه ، والصلاة لا بد أن تعلن في زمان محدد وتؤدى في زمان محدد [ فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون ]( سورة الماعون آية5) فالصلاة المطلوبة، هي الصلاة بالفعل وليس الصلاة بالقوة، التي لا تراعي الزمان المحدد المفروض ولا تحترمه وربما حتى الإتقان تهمله. وفريضة الصيام هي الأخرى لا تخرج مطلقا عن الزمان المفروض لها ولا يمكن تعويض صيام شهر رمضان واستبداله بشهر آخر بدون حجة شرعية قاهرة كالمرض أو السفر، وحتى زكاة أموالنا هي الأخرى لها علاقة بالتاريخ الزمني للنصاب ولا يجوز إخراجها قبل أو بعد الزمان المحدد لها، إلا في ظروف شرعية معينة. والحج هو الآخر لا يمكن أن نتصوره خارج الزمان، الذي حدده الله له في قوله سبحانه وتعالى [ الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهين الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب ]( سورة البقرة 197) وقوله سبحانه [ يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج]( سورة البقرة آية 189) ولو قال قائل نقدم الحج أو نؤخره لشهر غيره ولزمان آخر بسبب جائحة أو حرب أو عدم أمن، فلما جاز له ذلك لأن الحج زمان معين. الإنسان زمان ليلي ويومي ولا يمكن تصوره خارج هذا الزمان. لأنه والزمان شيء واحدة وماهية ووجود واحد. الإنسان زمان، فإذا خرج من هذا الزمان وجد نفسه في زمان الخلود والخلود نوعان جنة وجحيم فليختر لنفسه أي زمان يكون.





Aucun commentaire