حقوق الفرد المسلم تتوقف على حقوق الأمة والتزام شرعها
حقوق الفرد المسلم تتوقف على حقوق الأمة والتزام شرعها
محمد شركي
نشر موقع هسبريس مقالا تحت عنوان : » الرفع من صوت القرآن في زمن الطوارىء الصحية يثير سجالا مغربيا » وهو مقال للمدعو نور الدين إكجان تناول فيه موضوع رفع بعض المواطنين أصوات الموسيقى أو تلاوة القرآن الكريم من بيوتهم وهم في حجرهم . وساق حدث مسؤولة بمدينة وجدة أمرت أحد المسنين بالدخول إلى بيته وبخفض صوت مقرىء يتلو كتاب الله عز وجل، الشيء الذي جعل هذا الحدث موضوع نقاش بين البعض على اختلاف توجهاتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي . واغتنم صاحب المقال الفرصة للإشارة إلى العلماني أحمد عصيد واصفا إياه بالباحث في الشأن الديني ، وذكر أنه صرح لموقع هسبريس بأنه في سفر له على متن القطار طلب من شخص كان ينصت إلى تلاوة القرآن من هاتفه المحمول أن يخفض من صوته إلا أن هذا الشخص رفض ذلك وشتمه . وساق صاحب المقال بعد ذلك بعض كلام عصيد نذكر منه ما يلي :
» الأمر مرتبط بضعف الثقافة القانونية للمغاربة؛ فكثير من التجاوزات يراها الناس مشروعة، في حين أن كل الأمور مؤطرة بقانون، بما في ذلك صوت الأذان، حيث أصدرت وزارة الأوقاف مذكرة تنظم مستوى الصوت.
والاستماع إلى القرآن لا يجب أن يتم على حساب الآخرين، هذه العقليات غير مواطنة، وأصحابها لا يعرفون حقوقهم بالشكل المطلوب. « والمغاربة بحاجة إلى التربية والتأطير »، منتقدا « سيادة التدين الفولكلوري المعتمد على المظاهر الخارجية المبالغ فيها ». »واستعراض التدين لا يعني الصلاح، فمن الممكن أن يكون المتفاخر بتدينه إنسانا سيء الأخلاق »، مؤكدا أن « انتشار هذه السلوكيات يعود بالأساس إلى ضعف التربية، وغياب فكرة العيش المشترك، وتقبل الآخر »
أولا نتساءل عن شهادة صاحب هذا المقال بأن العلماني عصيد باحث في الشأن الديني ، وهل هو ممن تصح منهم مثل هذه الشهادة التي هي شأن المؤسسات والمعاهد العلمية . والمعروف عن عصيد أنه مدرس فلسفة ، وليس باحثا في الشأن الديني، ولا هو خريج معهد ديني . وهل كل من يتحدث في الدين دون أن يكون متخصصا في ذلك يعتبر باحثا فيه ؟
الأمر الثاني يبدو أن صاحب المقال من أتباع تيار عصيد العلماني الذي توجد لدى أصحابه حساسية مفرطة تجاه الإسلام وأهله ، لهذا حشر ذكرعصيد في مقاله ليسرد بعض ما صرح به لموقع هسبريس من عبارات دأب على التفوه بها في بلد مسلم ، وهو يتمنى ويحلم بزرع فيروس العلمانية فيه .
أما قضية رفع الأصوات بتلاوة القرآن الكريم أو بالغناء لإزعاج الناس، فلا أحد يقبل بذلك ، والإسلام هو أول من يمنع ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف، فسمع الصحابة رضوان الله عليهم يجهرون بالقراءة ، فكشف الستر وقال:
« ألا إن كلكم مناج ربه ، فلا يؤذين بعضكم بعضا ، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة أو قال في الصلاة «
وإذا كان رفع الصوت بقراءة القرآن الكريم أثناء الصلاة في المسجد منهيا عنه بموجب ما أثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأولى ألا يرفع في غير الصلاة ،وفي غير المسجد كما بدا للبعض أن يفعل مخالفا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذريعة واهية وهي التبرك بتلاوته في ظرف الجائحة . وإذا كان رفع الصوت الذي يؤذي الغير بالقرآن الكريم منهيا عنه شرعا، فأولى ألا ترفع الأصوات بموسيقى أو غيرها . أما رفع الأذان فقد شرعه الله عز وجل ليصل النداء للصلاة إلى كل الناس ، ولما كثر الناس واتسعت الحواضر كان لا بد من استعمال مكبرات الصوت، علما بأن الأذان لا يتجاوز وقته دقيقتين أو ثلاث ، و لهذا لا يمكن أن يكون مصدر إزعاج .
ولنعد الآن إلى ما وصف به عصيد المغاربة من ضعف ثقافتهم القانونية ،وكثرة تجاوزاتهم التي يرونها مشروعة، وعقلياتهم غير المواطنة ، وحاجتهم إلى التربية والتأطير ، ووصف تدينهم بالتدين الفلكلوري ، وأنه لا يعني صلاحهم بل قد يخفي سوء الأخلاق ، ووصفهم مرة أخرى بضعف التربية ، وبغياب فكرة العيش المشترك ، وتقبل الآخر .
وسننطلق من حيث انتهى وهو قوله « غياب فكرة العيش المشترك وتقبل الآخر » ، وهو مربط الفرس، لأنه يعتبر نفسه وتياره العلماني هو ذلك الآخر الذي يجب التعايش معه ، ومعلوم أن ذلك الآخر لا يحترم دين الأمة المغربية المسلمة ، ولا يتوقف في ما يقوله أو ما يكتبه عن انتقادها والسخرية منها ومن دينها ،والحط من شأنها، ووصفها بأوصاف ونعوت تؤذي مشاعرها وكرامتها ، والتشكيك في وطنيتها وفي وعيها ، والطعن في ثقافتها ، وهو إنما يريد بذلك الدعاية لتوجهه العلماني الذي لا يتجاوب معه هذا الشعب ، ولا مستقبل له في هذا الوطن المسلم رغم أنفه وأنف قبيله العلماني .
وكثيرا ما يتبجح عصيد بالدفاع عن الحقوق والحريات، ولكن دفاعه يقتصر على ما يعتبر حقوق وحريات طائفته العلمانية، أما عموم الأمة المغربية المسلمة فلا يبالي بحقوقها وحرياتها، علما بأن حقوق الفرد المسلم تتوقف على حقوق الأمة التي وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها كالبنيان المرصوص الذي يشد بعضه بعضا ، وكالجسد الواحد المتناغمة أعضاؤه . ولا يمكن باسم الحرية والحقوق أن تطالب لبنة من لبنات هذا البنيان بمخالفة غيرها لتكون نشازا فيه ، أو عضو من أعضاء الجسد ليتحرك خارج ما يضبط باقي الأعضاء من تناغم . وإن عصيد عبارة عن لحن ناشز داخل المجتمع المغربي المسلم ، وهو يسبح عكس التيار، ويغرد خارج السرب كما يقال ، ويدعو إلى سلوكات مناقضة لشريعة الإسلام ،ويعتبرها حرية وحق ذلك الآخر العلماني ، ويطالب الأمة بقبوله بالرغم من نشازه وإلا تصدى لها بالنقد والتجريح بأسلوب التعالي عليها والسخرية منها والاستنقاص من قدرها وشأنها .
ومعلوم أن الانخراط في الأمة المسلمة عبارة عن التزام لا يمكن التملص منه أو التنكر له ، وهو ما يعرف شرعا بالخروج عن الجماعة . وأخطر خروج عنها هو الاستخفاف بدينها وبشريعته ، والمطالبة بإحلال غيرها من الشرائع مما هو من وضع البشر محلها .
Aucun commentaire