Home»International»كورونا وكلاب ألمانيا

كورونا وكلاب ألمانيا

2
Shares
PinterestGoogle+

سلسلة من المقالات تتحدث عن رحلة إلى أوربا  تثار من خلالها  قضايا سياسية وثقافية واقتصادية وغيرها  مما يتعلق بالمجتمع الأوربي في علاقته بالجالية العربية عموما والمغربية خاصة

كورونا وكلاب ألمانيا

موليلة بنيونس / المانيا / وجدة سيتي

عم الوباء  فعم البلاء ، لا حديث اليوم في الساحة العالمية  إلا عن هذا الذي ابتلي به البشرعلى اختلاف أجناسهم وأعراقهم وعقائدهم ،عمت المصيبة فاستحجم  القوم الذين ملكوا الدنيا وشغلوا العباد بالمنجزات والمخترعات والمبتدعات ،نسوا الذكر والتذكر فزلزلوا زلزالا – ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ هَٰذَا ٱلَّذِى كُنتُم بِهِۦ تَسْتَعْجِلُونَ – فتساءلوا وتدارسوا وتمحصوا  واستنتجوا  مدى الهشاشة التي أصابت حضارتهم وتحضرهم وأظهرت عوراتهم مكشوفة للعيان ،- ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ  – رُبَّ قائلٍ هُراءٌ هذا الذي يلمز بالدين ما هو صائر في الدنيا  من بأس وشدة .ونحن نقول الدنيا بلا دين هوان وخراب ، تفشت العدوى بين الناس فأرغموا على التزام بيوتهم  إلى أجل غير معلوم بحجة وقاية البلاد والعباد ، من تهافت هذه الكائنات  الهجينة على خطف الأرواح – وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ –وهذا ليس من الكلام إنما من التكليم وهنا الفرق  بين ما تنطق به الشفتان وما يمزق بالأسنان ،لعن الله الوباء ، يقال والله أعلم  هذا من التطهير وذاك للعقاب حسب المذاهب والملل ونحن نقول حلت المصيبة وكفى اللهم اكفنا شر الوباء  والبلاء.

أصبح العالم سجنا كبيرا يضم السجين والسجان من أجل الحرب على الوباء وأنا من كل هذا لا أبالي فقد سدت في وجهي الآفاق وأغلقت الحدود ،قُضِيَ الأمر ،أنا هنا في بلاد الإفرنج مكسور الجناح ،فاغر الفم أترقب  الذي يأتي وقد لا يأتي ،أنا هنا إلى إشعار آخر تذكرت بيتا للعباس بن الأحنف يقول فيه  أسرب القطا هل من يعير جناحه .  لعلي إلى من قد هويت أطير؟ فأصبني الوجد والحنين إلى وطني ، كل الدول التي تحترم مواطنيها هبت لنجدتهم وترحيلهم من بلاد الغربة فما مصير الرعية من الراعي ،لنا قلوب ووجدان وإحساس كما لغيرنا ممن جمع الله شملهم بأوطانهم  فهل من مجيب– وا معتصماه – ليحدث الصفير والنفير أم ندبت  بنا الحروف والأدوات كسقطتنا  بجرة قلم ؟وما هي في المحصلة إلا كلمات تخضع لنواميس النحاة ،هنا في بلاد الجرمان المواطنون  مجبولون على النظام والامتثال للأوامر بلا ضجيج ،ولا تدافع ولا حالات طوارئ  في هذا  البلد العجيب جميع الأجناس على اختلاف ألوانها ولهجاتها وعقائدها  قابلة  للاندماج بل و للانصهار تحت قبة العدل والمساواة وحقوق المستضعفين ، شريطة احترام القانون، للكل  حقوق كاملة كما عليهم واجبات ،ليس لديهم لا شرفاء ولا زوايا صوفية ولكن لا يظلم عندهم أحد ،الإنسان هنا يعيش في هناء وسعادة ما دام يلتزم حدوده ليفسح المجال لغيره كي يمارس حريته ،الناس هنا يعيشون في تناغم تام كأنهم يعزفون سنفونية لأكبر موسيقار ألماني وما أكثرهم ،شعب واع ومثقف يقتنون الكتب كما تقتنى الساندويتشات ،الثقافة تسري في عروقهم ،والتربية قطعة من حياتهم لا يمكن الفصل بينهما ،المسئولون عندهم عدلوا فنام الجميع في مأمن و أمان.

حل  بهم الوباء كما في جميع المعمور فانتشرت بينهم عدوى الفيروس اللعين الذي لم يستثن منهم حتى المرأة الحديدية التي تسوسهم منذ عقود خلت فأضحت مكافحته أكبر تحد تشهده بلادهم  منذ الحرب العالمية الثانية ، فنادى المنادي بهمس عبر الشاشة العجيبة ،احجروا أنفسكم احترازا وتفاديا للعدوى فانحجروا إلا العبد القادم من بلاد المقدم والشيخ والقائد وهلم جرا أعيش هنا حالة نشاز، أهيم وحدي في الطبيعة  ،لأني أعشق الحرية ، كما يعشقها درويش- *حريتي فوضاي إني اعترف *وسأعترف بجميع أخطائي  *وما اقترف الفؤاد من الحنين ،كما أهوى التسكع  بين مراعي وحقول ألمانيا  ، فرغم حالة الاستنفار التي أعلنتها  الدولة الألمانية لإقناع مواطنيها بلزوم بيوتهم ،فإنها لم تشل الحركة في البلاد  ولم تعلن حالة الطوارئ كما في كثير من الدول التي أصابها الوباء بل تركت لمواطنيها هامشا للتحرك والتصرف في حياتهم الخاصة بشروط ملزمة كتفادي التجمعات الغير الضرورية،الاستجابة للنداء كانت عفوية وفورية لأن الشعب الألماني بطبعه شعب راق  يحاول أبدا السعي والكد لبلوغ أعلا مراتب الكمال والدقة في كل نواحي الحياة ،ألمانيا « أرض الأفكار النيرة و مكان للجد والاجتهاد والعمل الدؤوب والانضباط و دقة المواعيد  حباها الله طبيعة رائعة، تغري النفس  بالتسكع بين أشجار غاباتها  أو بين الجنان ،مطر بالليل وشمس بالنهار، من زعم أن انحباس المطر نقمة تبتلى بها الأمم المارقة؟ حينما يكون النهار مشمسا  انتعل حذائي وأركب دراجتي ثم أهيم بين الحقول منتشيا بالروائح والعطور التي تجود بها الطبيعة الغناء،أصادف  في طريقي من حين لآخر بعض الألمان على اختلاف أعمارهم يفسحون كلابهم المدللة لأن هذا السلوك يعتبر عندهم واجبا وحقا من حقوق الكلاب فمن أجل إسعادها ترفع جميع القيود التي تفرضها الحالة الاستثنائية  في وجوه أصحابها ،لأن مصاحبة الكلب عندهم في الحل و الترحال دليل على المواطنة الصالحة ، فالذي يعطف على الكلاب في عرفهم  فهو على ما سواها أعطف ،فما رأي أهل الفطنة عندنا في جدلية الجنة والنار في كلب وهرة ؟

كلاب ألمانيا تنعم بالحقوق والرعاية التي قلما تتوفر لدى كثير من خلق الله في بلاد العربان توفر لها  الدولة  متاجر خاصة  لبيع مستلزماتها على اختلاف أنواعها أما الطعام فهو لا يختلف كثيرا  في الجودة والتغليف والتعبئة عن طعام أصحابها ، إن طرق العناية والرعاية والعلاج والاهتمام بها  ترفعها أحيانا إلى مصاف البشر الذي ينعم بالحقوق الكاملة  داخل المجتمع الألماني،و السر في ذلك  في نظهرهم واعتقادهم أن الكلب  مجبول على الصدق و الأمانة  و الوفاء لذلك  يتفوق في بعض الأحيان  على صاحبه في فرض احترام الألمان له ، يتجلى ذلك في أنماط التحية والدعابة التي يحظى بها من قبل المجتمع الألماني،مقبرة  الكلاب في ألمانيا  تثير الإعجاب من شدة الحرص على الاعتناء بها  فالقبور فيها لا تختلف عن قبور أصحابها إلا من حيث الشكل والحجم و إذا كنت ممن يمقتون الكلاب فمن باب اللباقة بل و من الواجب  إخفاء مشاعرك ومداراتها ببعض الابتسامات التي تزرعها  في وجه الكلب وإلا صنفت لا قدر الله ضمن  من يعادي الحيوانات وهي هنا تعتبر وصمة عار في جبين صاحبها تتعدى سبة  معاداة الإنسانية .

في إحدى جولاتي المعتادة بين الحقول التقيت  عجوزا تفسح كلبها المدلل و حينما رآني أقبل مهرولا نحوي وهو يبصبص ذنبه فرحا وبدأ يلاعبني، ابتسمت  في وجهه ومسحت على ظهره وصاحبة الكلب تراقب المشهد بكل اهتمام ثم بدأت تخاطبني بلغة لم أفقه فيها شيئا ولكنها كانت تفوح بالورد والياسمين ، استنبطت ذلك من خلال ابتسامتها العريضة و عرفت أنها تكيل لي كل أنواع المدائح والشكر لأنني داعبت كلبها المدلل ،كلاب بلادي ليست مدللة وبلا أسماء ، ولا عناوين  تعاني شظف العيش ولا مأوى لها تقتات من المزابل وتنام في المقابر ،عزاؤها الوحيد أنها تعيش طليقة تنعم بالحرية التامة إلا في بعض الحالات حينما تهاجمها الصبيان بالحجارة ولكن كلاب بلادي مدربة بالغريزة على حب البقاء وما حيرني أن كلاب بلادي أصبحت  مضرب الأمثال في النذالة والخسة وهي من ذلك براء في بلد حين يعير الواحد منا صاحبه يقول له اخرس يا ابن الكلب، فلو كان يعلم قيمة الكلب في ألمانيا لتنمى أن يكون هو وقبيلته كلاب ألمانيا،في بلد العربان  كم من شخص  يتمنى أن ينعم بالحياة الرغيدة كما ينعم بها كلب ألمانيا في أكله ومرقده ونظافته ،كم من شخص في بلد العربان محروم من أبسط الحقوق في أكله ومرقده ونظافته وختاما ما زلت أتذكر حكاية شعبية  مفادها كلب زار مع صاحبه الألماني بلدا عربيا  تسلل الكلب من الفندق في غفلة من صاحبه وحراسه وبدأ يتجول في المدينة حرا طليقا وما هي إلا لحظات حتى بدأت تنهال عليه الحجارة والهراوات من كل حدب وصوب ولم يكن المسكين على دراية كلابنا في اتقاء المكروه فأصيب في جسمه وعقله ،حملوه إلى المستشفى على وجه السرعة للعلاج من الجروح التي طالته  وخصصوا له طبيبا نفسانيا لتجاوز المحنة والمصيبة فقال قولته المشهورة لم أكن أعلم أنني كلب حتى زرت بلد العربان   اللهم جد على كلاب بلادي كما جدت على رفيق أهل الرقيم .

MOULILA  Benyounes       Allemagne

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *