العلمانيون المغاربة والإسلام الديموقراطي

بسم الله الرحمن الرحيم
العلمانيون المغاربة والإسلام الديموقراطي
إن المتتبع للأوضاع السائدة في المجتمع المغربي وكيفية تعامل السلطات معها، لا يمكنه إلا أن يتساءل عن الأسباب التي تكمن وراء هذا التوجه الذي يروم الانقلاب على كل ما يمت بصلة إلى الإسلام والقيم الأصيلة للشعب المغربي، بحيث نرى من جهة أنه يتم التضييق بشكل أو بآخر على النخبة من أبناء المجتمع، من علماء وشخصيات وطنية أصيلة ليشمل الخطباء الذين يتناولون مواضيع وهم يعتقدون أنها من صميم رسالة المنبر، انطلاقا من المُصرَّح به في الوثائق الرسمية التي يأتي الدستور على رأسها.
وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى العزل الذي طال عددا لا يستهان به من خطباء الجمعة، لِكونهم تناولوا مواضيع لا عيب فيها في حد ذاتها، سوى أنها لا تُساير توجها معينا غير مُعلنٍ عنه، في الوقت الذي يُفترض فيه، بغض النظر عن صِحة هذا التوجه أو خطئه، تزويد الخطباء بلائحة المواضيع غير المسموح بتناولها، كما يتم تزويدهم بالمواضيع التي يتعين عليهم التطرق إليها، مع العلم أن إشاعة عدم الخوض في المواضيع السياسة أمر مردود عليه، لأن القول عدم الخوض في السياسة هو سياسة في حد ذاته، ذلك أنه لا يخلو فعل أو قول كيف ما كان من حمولة سياسية.
ومن بين ضحايا هذا التوجه، خطيب بمدينة وجدة كان يَبذل كل ما في وسعه للنصح للمسلمين وأئمتهم عملا بالحديث الشريف « الدين النصيحة » على إثر خطبة تناول فيها أهمية المسجد في الإسلام، مركزا على أهمية المساجد الثلاثة التي تُشَدُّ إليها الرحال، ألا وهي المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى، مشيرا إلى أن هذا الأخير وقْفٌ إسلامي لا يباع ولا يشترى، ومن ثم بطلان ما أُطلق عليه صفقة القرن، ليهيب بعد ذلك بولاة أمور المسلمين إلى العمل على تحريره من براثن اليهود الصهاينة، مستشهدا بعدد من الآيات القرآنية التي تتماشى مع سياق الخطبة.
وفي مقابل ما تمت الإشارة إليه، نجد أن الباب فُتح على مصراعيه أمام العلمانيين والحداثيين بل حتى مجموعة من المستهترين ليقولوا ما شاءوا، وأنا شاءوا دون حسيب ولا رقيب، بحيث تجدهم يُحرضون على قيم الدين الإسلامي ويجعلونها سببا مباشرا في جميع أنواع التخلف الذي تعاني منه البلاد، لِيُطالبوا في مقابل ذلك بالحرية وحقوق الإنسان التي يسمونها كونية، وما هي بكونية ولا هم يحزنون، إذ كيف يمكن للشذوذ الجنسي الذي يسمونه مثلية، والزنا الذي يسمونه رضائية وقتل الأجنة الذي يسمونه حق في الإجهاض أن تنطبق عليهم صفة الكونية، مع العلم أن كل هذه الممارسات كانت منبوذة عبر تاريخ الأمم المتحضرة، حتى إذا تم التطبيع معها واستشرى في المجتمع إلى حد ميؤوس منه، تدخلت القوة الإلهية وأعادت الأمور إلى نصابها .
إن من بين ما يهمنا في هذا المقال، هو البحث عن الدوافع التي أدت بشريحة من المجتمع المغربي المحافظ إلى هذا الانقلاب الخطير على قيم الدين الإسلامي الحنيف وعلى ثوابت الأمة المغربية على مرأى ومسمع من الملإ. ومما لا شك فيه أن هذا الأمر لم يحدث هكذا فجأة بين عشية وضحاها، وإنما نَمَا وتطور في حضن المدرسة « العصرية » التي على الرغم من إيجابياتها، فإنها حادت عن سكتها منذ أن انتقصت بإيعاز إن لم نقل بفرض من الجهات الأجنبية المعلومة، من أهمية كل من مواد اللغة العربية والتاريخ والتربية الإسلامية، وذلك من خلال طبيعة مقرراتها وضعف معاملاتها وحتى منهجية تدريسها، مما ترتب عنه نفور المتعلمين منها وبالتالي حصول هذا النقص المهول لديهم في الإلمام باللغة وقواعدها التي يترتب عنه جهل بالدين الإسلامي بالضرورة، بالإضافة إلى الجهل بتاريخ الأمة في تدافعها مع أمم المعمور، الأمر الذي فتح المجال واسعا أمام العلمانيين الذين رضعوا من لبن الغرب ل »علمنة الدين » كما عنون بذلك الأستاذ عبد الله الشتوي إصداره الثالث الذي ضمنه قراءة في تقاطعات وخلفيات الإلحاد والتنوير.
لا أحد ينكر أهمية تداخل الحضارات وتلاقحها، ما دام الأمر يتم في إطار احترام خصوصيات الثقافات التي أنتجتها، إنما الذي لا يمكن القَبول به بأي حال من الأحوال، هو أن تعمل ثقافة على اجتثاث ثقافات أخرى باستعمال كل ما في وسعها من وسائل الترغيب والترهيب، ذلك أنه بعد مرحلة الاستعمار الغربي المباشر لدول العالم العربي والإسلامي على سبيل المثال لا الحصر، انتقل إلى مرحلة الاستعمار غير المباشر الذي يلجأ فيه إلى الترغيب أحيانا وإلى الترهيب أحيانا أخرى حسب ما تقتضيه الظروف، وذلك تنفيذا لمخططات تم إعدادها في مختبرات مراكز الدراسات.
وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى التقرير الذي أعدته الباحثة النمساوية المتخصصة في العلوم السياسية شيريل بينارد تحت عنوان « الإسلام الديموقراطي المدني (الشركاء والموارد والاستراتيجيات) » وذلك في إطار التقارير التي تصدرها مؤسسة راند الأمريكية الصهيونية، الذي ضمنته مجموعة من التوصيات الموجهة أساسا إلى الإدارة الأمريكية لمواجهة الإسلام السياسي الذي يعتبرونه مصدر الإرهاب، ومن خلالها إلى كل الذين يسيرون في نفس الاتجاه.
وتتوزع هذه التوصيات حسب أربع اتجاهات أساسية فاعلة في العالم الإسلامي، اعتمدت صاحبة التقرير في تحديدها على نظرة كل اتجاه للصورة النهائية التي يجب أن يكون عليها المجتمع الإسلامي. وفيما يلي أهم هذه التوصيات حسب الاتجاهات الأربع.
- البدء بدعم الحداثيين وذلك من خلال: دعم أعمالهم وتوزيعها بأسعار مدعمة؛ تشجيعهم على الكتابة للجماهير العريضة؛ دمج آرائهم في مناهج التعليم الإسلامي؛ منحهم منابر عامة؛ نشر آرائهم وتفسيراتهم وفتاواهم على نطاق جماهيري واسع لمنافسة آراء وفتاوى الأصوليين…؛ طرح « العلمانية » و »الحداثة » باعتبارهما الخيار الثقافي البديل للشباب المسلم الساخط؛ تعبيد الطريق نحو الوعي بالتاريخ والثقافة الجاهلية السابقة الإسلام…؛ المساعدة في تطوير منظمات المجتمع المدني المستقلة، من أجل تعزيز المدنية (العلمانية)…
- دعم التقليديين ضد الأصوليين وذلك من خلال: نشر انتقادات التقليديين للعنف والتطرف الأصولي على نطاق واسع؛ تشجيع الخلافات بين التقليديين والأصوليين؛ إحباط أية تحالفات بين التقليديين والأصوليين؛ تشجيع التعاون بين الحداثيين والتقليديين الأقرب إليهم فكريا؛ زيادة وجود الحداثيين ونشاطاتهم داخل المؤسسات التقليدية؛ تشجيع انتشار التصوف وتقبل المجتمعات له…
- مواجهة الأصوليين ومخالفتهم عن طريق: الاعتراض على تفسيرهم للإسلام وإبراز أخطائهم؛ الكشف عن صِلاتهم بالجماعات والأنشطة غير القانونية، فضح ما يرتكبونه من أعمال عنف على الملأ؛ إثبات عجزهم عن مباشرة الحكم أو تحقيق أي تطور إيجابي لبلادهم ومجتمعاتهم؛ نشر هذه الآراء على نطاق واسع خاصة بين الشباب والنساء وجماهير المتدينين التقليديين والأقليات المسلمة في الغرب؛ تشجيع الصحافيين على التحري عن حالات الفساد والأعمال اللاأخلاقية في أوساط الأصوليين والإرهابيين؛ تشجيع الانقسام بين الأصوليين.
- دعم العلمانيين على نحو انتقائي من خلال: تشجيع التعاون مع الأصولية كعدو مشترك وتثبيط أي تحالف علماني للقوى المناهضة للولايات المتحدة على أسس قومية أو قاعدة من إيديولوجيات يسارية؛ ثم تأكيد فكرة الفصل بين الدين والدولة في الإسلام، وأن ذلك لا يعرض الدين للخطر، ولكن يزيده قوة في واقع الأمر.
في الختام أتساءل بعد هذا التقرير عما إذا بقيت هناك ذرة من شك في أن ما يجري في المغرب وفي غيره من دول العالم العربي الإسلامي بأنه تجسيد لمخططات غربية صهيونية منها ما علمناه وما جهلناه لا شك كثير.
أرجو أن يستفيق أولئك الذين جَرفهم تيار الشعارات الرنانة وهم في غفلة من أمرهم، ليعلموا أن هذه الشعارات لا تعدو أن تكون كسراب بقيعة، وأن لا عزة لهذا البلد بغير التمسك بدينه وبمقوماته كما ورد في المقولة الشهيرة المنسوبة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه » نحن قوم أعزَّنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزَّة في غيره أذلَّنا الله » وأن يتيقنوا أن لا سبيل إلا سبيل الله مصداقا لقوله تعالى: « وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ » (الآية 153 من سورة الأنعام) صدق الله العظيم.
الحسن جرودي




1 Comment
بارك الله فيك وفي ما كتبت وحسبنا الله ونعم الوكيل في اذناب هؤلاء العلمانجية العفنة. ولا يسعنا مع قلة الحيل الا ان نقول ربنا لا تآخدنا بما فعله السفهاء منا