Home»International»التفكير بالألوان: مساهمة في ترشيد عملية الفهم.الجزء(8)

التفكير بالألوان: مساهمة في ترشيد عملية الفهم.الجزء(8)

0
Shares
PinterestGoogle+

التفكير بالألوان: مساهمة في ترشيد عملية الفهم.الجزء(8)

بقلم:د  خالد عيادي

خاتمة:

بعد هذه المساهمة المتواضعة جدا في ترشيد عملية الفهم، ألا ترى معي أن التفكير بالألوان، هو تماما مثل الرسم بالألوان، ولك أن تتصور معي  فنانا يرسم لوحاته الفنية بلونين أثنين فقط: الأبيض والأسود.ولك أن تتخيل سيدي القارئ الفرق الشاسع بين لوحات رسمت بالألوان ،ولوحات رسمت بالأبيض والأسود. وحينئذ ستعرف بذوقك وطبعك الفطريين، كم من المجالات والحيوات والمعاني والتصورات والقدرات والممكنات ، التي اختفت قسرا من تلك اللوحات الزيتية المرسومة فقط بلونين فقط.

لامفر من تأثير الألوان على عقولنا ونفوسنا.فقد ثبت عبر التاريخ، ما للألوان من سيطرة على الإنسان.ولكل أمة لونها المفضل. كما أن لكل أمة لونا مستفزا.وفي بعض المواطن ،في القرآن الكريم، يصعب فهم قوله تعالى: « يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يوم القيامة زرقا يتخافتون »([1]) دون تحديد الدلالة السيميائية للون « الأزق » عند العرب.لقد ورد اللون « الأزرق » في شعر « امرئ القيس » حيث قال:([2]):

أيقتلني والمشرفي مضاجعي *** ومسنونة زرق كأنياب أغوال

لقد كان « أمرؤ القيس » في وضع التهديد، وفي مثل هذه الأحوال لابد أن يستثمر المهدد، جميع ما لديه من قدرات مادية ومعنوية لتخويف عدوه، لذلك أعد « أمرؤ القيس » له المشرفي، التي لا تفارقه، ومسنونة أي: نبال سنها إلى درجة اللمعان في ضوء النهار، لكن الغريب أنها موصوفة بالزرقة. وهذا اللون لا يتناسب ولمعان النصال، التي تبدو براقة للناظرين([3]). وبرجوعنا إلى معنى الزرقة في كلام العرب، تزول تلك الغرابة، لكون العرب تتشاءم من اللون الأزرق، وتذمه وتهابه وتبغضه.([4]) وهذا المعنى قد انطبع في أذهان العرب ونفسياتهم، وجرى على لسانهم بسبب أوضاع الحرب مع الروم، ولذلك كانوا يقولون: « صفة العدو أسود الكيد، أصهب السبال، أزرق العينين »([5]).

إن هذا المعنى واضح حتى في تحاشيهم وصف السماء بالزرقة، فهم يطلقون عليها صفة الخضراء، لتشاؤمهم من لون الزرقة. وقد ورد في قاموس لسان العرب « لابن منظور »، شرح لحديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم): « ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء، أصدق لهجة من أبي ذر. الخضراء: السماء، والغبراء: الأرض »([6]). مع أن لون السماء في أعين الناظرين « أزرق ».

               بإمكاننا القول بأن التراث الإسلامي والعربي مجال خصب، لقراءته من جديد، واستخراج ما ينفع الأمة الإسلامية من جهة ، والبشرية من جهة أخرى.. إن ما تركه الأولون من علماء الأصول من قواعد فقهية أو أصولية، ينم عن فهم عميق ومتلون لنصوص القرآن الكريم، والسنة النبوية.فما أحوجنا في هذا العصر إلى إعادة تشكيل العقل المسلم، و صياغة طريقة تفكيره وفق قواعد فقهية ذهبية.لو تمثلها المسلم في حياته اليومية، لزال كثير من العنت والتعنت ،والحرج والتزمت.وفي هذا السياق جاز لنا أن نتساءل : ماذا لو استحضرنا في معاملاتنا اليومية ، والأسرية ، والمجتمعية، ومواقفنا السياسية، والثقافية ،والاجتماعية مقولة: « رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب » . أوالقواعد الفقهية التالية: الأمور بمقاصدها([7])،أو »يرتكب أخف الضررين »، أو »المشقة تجلب التيسير »، أو »إذا ضاق الأمر اتسع ».وكل هذه المقولات ، وغيرها ،مما لم يتسع له الحيز، نابعة من تفكير بالألوان.وصادرة من ثقافتنا الشرعية التي علينا ،نحن المسلمين، إحياءها في القول والعمل .

…………………………………………………………………………..

[1] ) سورة طه آية 102.

[2] )  من قصيدة:ألا عم صباحا أيها الطلل البالي – ديوان امرئ القيس – دار بيروت للطباعة والنشر- بيروت- 1972-ص-142.

 

[3] ) « الشعر الجاهلي بين مقصدية الشاعر ومحصلة القارئ ». لصاحب المقال – مرجع مذكور- ص:88

([4]) الجامع لأحكام القرآن، أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي المجلد 16 الجزء –  11 الطبعة – 5 السنة – 1996 – دار الكتب العلمية، بيروت –لبنان- ص 161-162.

([5]) أنوار التنزيل وأسرار التأويل، البيضاوي –دار الكتب العلمية- بيروت –لبنان- ط1 سنة 1988 ص57.

([6]) لسان العرب « ابن منظور » .دار الجيل –بيروت- دار لسان العرب. مادة « زرق « .

[7] ) يراجع مثلا كتاب شرح القواعد الفقهية- أحمد بن الشيخ محمد  الزرقا – قام بتنسيق ومراجعة الطبعة الأولى- عبد الستار أبو غدة –الطبعة الثانية، مصححة بقلم مصطفى أحمد الزرقا(ابن المؤلف)دار القام –دمشق- ط -2-  1989.

 

 

 

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *