Home»National»غياب الثقافة السينمائية في حاضرة زيري بن عطية عاصمة الثقافة العربية

غياب الثقافة السينمائية في حاضرة زيري بن عطية عاصمة الثقافة العربية

0
Shares
PinterestGoogle+

غياب الثقافة السينمائية في حاضرة زيري بن عطية عاصمة الثقافة العربية

محمد شركي

لا يليق بمدينة وجدة حاضرة زيري بن عطية وعاصمة المغرب الشرقي التي تم اختيارها عاصمة للثقافة العربية  لهذا العام أن تغيب فيها الثقافة السينمائية التي هي جزء من الثقافة العامة .

لقد كانت الثقافة السينمائية حاضرة بقوة في مدينة وجدة في الستينات والسبعينات وجزء من الثمانينات . وكانت بها ست قاعات سينمائية تختص كل واحدة منها بجمهور خاص ، وتعرض الأفلام التي تناسب ثقافته وميوله ، فبعضها كان يساير قاعات العرض السينمائي في كبرى المدن المغربية ، فيعرض الأفلام ذات الشهرة العالمية ، وكان الجمهور المقبل عليها على مستوى من الثقافة يفهم لغة تلك الأفلام التي كانت في الغالب باللغة الفرنسية . وكان  بعض الجمهور غير المثقف ثقافة فرنسية يقلد النوع المثقف، فيحضر بدوره لمشاهدة تلك الأفلام ليثبت حضوره في الساحة الثقافية ، وأنه يساير الذوق السينمائي في المدينة . وفي المقابل كانت هناك قاعات سينمائية متواضعة تعرض الأفلام التجارية الرخيصة كبعض أفلام رعاة البقر ، وأفلام الحروب ، والأفلام البوليسية ، والأفلام الفكاهية ،  والأفلام الهندية ، و أفلام  فنون القتال الصينية أو اليابانية ، وبعض الأفلام العربية التاريخية  منها والاجتماعية …

وكانت بعض القاعات السينمائية يغلب عليها عرض نوع من الأفلام منها أفلام رعاة البقر ، ويرتادها عشاق تلك الأفلام خصوصا من شريحة الشباب حتى أن بعض تلك القاعات تحول محيطها إلى سوق لبيع وتبادل قصص رعاة البقر التي كانت تعين الشباب المتدرس على تحسين مستواه في اللغة الفرنسية . وكان لأفلام رعاة البقر تأثير على سلوك الفئة التي تعشقها سلبا وإيجابا حسب مضامين تلك الأفلام وما تتضمنه من قيم إذ ليست كل أفلام رعاة البقر تقتصر على تصوير حياة اللصوصية والسطو والاعتداء ، بل كان بعضها يعالج مواضيع أخلاقية وإنسانية كالانتصار للضعف وإقامة العدالة والقصاص من المعتدين وهلم جرا . وبقدر ما كان بعض الشباب ينساق وراء جموح أبطال أفلام رعاة البقر ، كان البعض الآخر يتأثر بالقيم الإنسانية في  بعض تلك الأفلام .

وكانت قاعات أخرى تتخصص في الأفلام العاطفية خصوصا الهندية منها، والتي كانت تستهوي نوعا خاصا من الجمهور غالبيته من الشباب غير المتمدرس والذي يمتهن الحرف المختلفة ، ويتسلى بمشاهدة تلك الأفلام بعد يوم مضن في الورشات وغيرها . وكان لهذه الأفلام أثر كبير على سلوك هؤلاء سلبا وإيجابا أيضا بطبيعة الحال، حيث كانت الأفلام الهندية العاطفية ترقق من عواطفهم وتحركها خصوصا وأن عشاق تلك الأفلام  كانوا  في الغالب من شباب الأحياء الهامشية التي تعاني من الحرمان وقسوة ظروف العيش ، وكانوا يجدون العزاء في تلك الأفلام ، ويتأثرون بأغانيها بل كان بعضهم يحفظ مقاطع منها وهو لا يعرف مضامينها ، وكانت  تلك الأفلام تعرض باللغة الهندية التي لا يفهمها المتفرجون ، ويستعيضون عن عدم فهمها بتشغيل خيالهم المجنح ، وكانوا كأنهم يشاركون المخرجين الهنود في تمطيط سيناروهاتهم إلى أقصى حد ممكن . وخلاصة القول أن الأفلام الهندية العاطفية كانت تسوق الغزل العذري بين شباب متواضع الثقافة وتلطف من هيجان غرائزه الفوارة عكس بعض الأفلام الغربية التي كانت تعرض المشاهد المثيرة للغرائز . ومقابل تهذيب الأفلام الهندية لمشاعر المعجبين بها، كانت تطوح بهم أيضا  في عوالم الخيال والأوهام  والأحلام التي لا تغني عن معاناة واقعهم  البائس .

أما أفلام فنون القتال التي كانت بعض القاعات تستأثر بعرضها ،فقد كان ضرها أكبر من نفعها لأنها كانت تثير في نوع من الشباب نوازع العنف وتشجعهم عليه ، وقد كانت سببا في إقبال هؤلاء على  قاعات رياضات فنون القتال  للتدرب عليها تأثرا بأبطال السينما  .

وكأفلام فنون القتال كانت أفلام الحروب تستهوي فئة أخرى من الشباب ، وتؤثر فيه سلبا وإيجابا. والغريب أن هذا الشباب في الغالب  لم يكن ضحية ما يخطط له أصحاب  تلك الأفلام  من تسويق للثقافة الحرب  بل كان تأثرهم بها عكس ما يريد هؤلاء من وراء أفلامهم  ،ذلك أن أفلام الحرببين العالميتين على سبيل المثال كان  بعض الشباب عندنا  يستهويه الزعيم النازي وجيوشه ، كما كان يتعاطف مع ثوار حرب فيتنام . وهو ما يعكس وعي ذلك الشباب بما كانت تخطط له السينما الغربية من الدعاية لحروبها القذرة التي خلفت ملايين الضحايا .

وكان لبعثات التدريس الأجنبية عندنا  خصوصا الفرنسية منها دور كبير في نشر الثقافة السينمائية بين أوساط المتعلمين ، حيث كان بعض الأستاذة الفرنسيين يوجهون تلاميذهم لحضور عروض سينمائية لمناقشتها في قاعات الدرس ، وكانت تلك العروض عبارة عن أفلام قصيرة تعرض بين فترتي الأفلام الطويلة في دور السينما ، وكان بعضها ذا طابع تربوي وتثقيفي ، وإن كانت كلها تتناول الثقافة الغربية وقيمها. وكان بعض أولئك المدرسين الأجانب يستخدمون بعض المراكز الثقافية التي كانت تنشط  بكثرة في المدينة لعرض تلك الأفلام ومناقشتها . ولم تكن تلك العروض والمناقشات تخلو من أهداف غير معلنة حيث كان بعض أولئك المدرسين يحملون فكرا ثوريا كان يستهوي الشباب المتمدرس في فترة ما يسمى بالحرب الباردة .

وكانت الأفلام العربية خصوصا أفلام السينما المصرية تستهوي شريحة خاصة من المتفرجين ، وكان العنصر النسوي يحضرها خصوصا بعض الأفلام التي تحيط بها هالة من الدعاية الإعلامية  ، والتي تعالج مواضيع اجتماعية تتعلق بقضايا المرأة ، وكان أحيانا الآباء وأولياء الأمور يصحبون بناتهم لمشاهدة تلك الأفلام .

أما الأفلام التاريخية وخصوصا الدينية منها، فكانت تستهوي في الغالب شريحة الكبار الذين يجدون متعة في مشاهدتها ، وربما ظن بعضهم أنه من الواجب الديني مشاهدتها ،لأنهم كانوا يتشوقون إلى العصور المشرقة من التاريخ الإسلامي  المجيد وبطولاته  المشرفة .

وكانت الأفلام المغربية  في حكم النادرة فضلا عن كونها لم تكن تستهوي المشاهدين كغيرها من الأفلام الغربية نظرا لكونها كانت متواضعة ، ولا تعالج من القضايا الاجتماعية سوى مواضيع بعض الآفات والانحرافات ظنا من أصحابها أن ذلك هو الأسلوب الأمثل لمعالجة مشاكل المجتمع المغربي . ولم تكن الأفلام التي تعرضها التلفزة المغربية تختلف عن الأفلام التي تعرضها بعض قاعات السينما ، ولا زالت دار لقمان على حالها .

وكانت بداية نهاية التألق السينمائي في هذه المدينة إبان ظهور صحون الفضائيات التي غزت سطوح المنازل ، وربطتها بالعالم الخارجي  لأول مرة ربطا لم يكن متيسرا من قبل ، وصارت القنوات تعرض كمّا هائلا من الأفلام المختلفة  ، وتوفر عمن كان يرتاد قاعات السينما مصاريف ارتيادها . و المؤسف  في غزو الفضائيات هو إقبال الشباب على المواقع الإباحية والتي كانت لها آثار سلبية خطيرة على سلوكهم ، لأن قاعات العرض السينمائي لم تكن تعرض مثل تلك الأفلام، الشيء الذي جعل  سلوك الشباب يطبّع مع الإباحية، ويراها أمرا عاديا وطبيعيا  ما دامت المجتمعات الغربية التي تفوقنا  في نظره تطورا على المستوى المادي والتكنولوجي تسوقها دون حرج .

ولما جاء غزو الهواتف الخلوية الذكية منها ، وازداد انفتاح الناس على العالم بسببها ، وصارت الأفلام السينمائية في متناولها  ، نسي الناس عموما والشباب خصوصا شيئا اسمه السينما ، وصار كل واحد يحمل قاعة السينما في جيبه ، ويتفرج عليها في كل مكان يحل به.

وغلّقت قاعات السينما أبوابها في مدينة الألفية ، واختفت الثقافة السينمائية بطقوسها المعهودة فجأة  ، وصارت في خبر كان ، وحذف الفن السابع من قاموس ساكنتها باستثناء ما تحاول القيام به نخبة من رجال التعليم بمن فيهم الذين أحيلوا على المعاش من بعث الثقافة السينمائية مستغلة فضاء مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية لعرض بعض الأفلام خصوصا التربوية منها لفائدة شريحة المتعلمين ومناقشتها قصد خلق الثقافة السينمائية المفقودة لديهامن جديد .

وكم كان جميلا ومفيدا لو أن هذا المركز الذي يقوم بدور ثقافي  في المدينة مهم بحيث لا يمضي يوم دون أن تعرف رحابه أنشطة ثقافية متنوعة حين صمم بناؤه أن يخصص حيز منه لركح مسرحي ، وآخر لقاعة عرض سينمائي ليكتمل طابعه الثقافي ، فيساير أبو الفنون ، وكذا الفن السابع ، فن المحاضرة المهيمن على أنشطة  هذا المركز الثقافية   .

وإن عودة الثقافة المسرحية والسينمائية من شأنها أن تحد من الآثار السلبية لوسائل التواصل الاجتماعي التي سلبت عقول الناس  خصوصا الشباب ، وشغلتهم عن المسرح والسينما ، والمطالعة وهي  من مصادر الثقافة التي يمكن أن تسهم في بناء مجتمع مثقف . وقد يحدث المسرح والسينما في سلوك الشباب كما كان ذاك من قبل الأثر الكبير إذا ما سهرت على انتقاء الأعمال الفنية المسرحية والسينمائية نخبة متخصصة تتنخل ما يناسب هذا الشباب، وما يقربه من القيم الإنسانية النبيلة  ومن هويته العربية  الإسلامية ، ويبعده عن تأثير القيم الغريبة  خصوصا المنحطة منها ، والتي تجد طريقها  المعبد إليه عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي لا تخضع  لا لتوجيه ولا لرقابة ، وهي تفسد قيم البلاد وطباع العباد .

وفي الأخير لا بد من التعبير عن أسف شديد لغياب الثقافة السينمائية في حاضرة زيري بن عطية التي اختيرت هذا العام عاصمة للثقافة العربية . ونأمل أن يفكر أصحاب الذوق السينمائي  والغيورون على الفن السابع في إحياء دور السينما فيها لبعث الثقافة السينمائية الغائبة من جديد بعيدا عن اعتماد المنطق المقاولاتي وحده ، وهو منطق الربح المادي ، الغافل عن الأرصدة اللامادية المعطلة  عندنا  بالرغم من النداءات المتكررة لاعتمادها ، والتي لا يستهان بدورها في بناء  الصرح  الحضاري لهذه الأمة .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *