Home»National»سائق الأوتوبيس

سائق الأوتوبيس

1
Shares
PinterestGoogle+

في مثل هذه الأيام من العام 2017 أصدر الديوان الملكي بيانا أعلن فيه أن جلالة الملك محمد السادس  قرر إعفاء عبد الإله بنكيران من منصب رئيس الوزراء بسبب عدم قدرته على تشكيل حكومة بعد خمسة أشهر على فوز حزبه بالانتخابات، وقرر « أن يعين كرئيس حكومة جديد، شخصية سياسية أخرى من حزب العدالة والتنمية

سائق الأوتوبيس

قرأت مؤخرا مقالا شيقا لفؤاد العروي  تحدث فيه عن وزير هولندي  أنهى مسيرته  النضالية  سائقا للأوتوبيس ،هذا الحدث الذي أثاره الكاتب في مقاله لم يفعل ذلك إلا لأنه يعلم أنه قد يصعب تصديقه عند البعض في وطننا العزيز بل وفي جميع الأوطان العربية ،أما في الأوطان التي تُحتَرمُ فيها المساواةُ بين أفراد المجتمع ، كل شيء فيها ممكن وقابل للتطبيق والتصديق لأن الواجبات والحقوق عندهم لا تصنف حسب الأهواء ولا توزع حسب الفئات الشعبية بل  المراتب عندهم  تُحتَل حسب الاستحقاقات  الفردية والجماعية ،فلا شريف عندهم مميز  ولا وضيع منحط ، باسم المواطنة تتساوى عندهم جميع الفئات المجتمعية والتفاضل بينهم بالعمل والاجتهاد والابتكار فلا احد منهم مهما علا شأنه سرى في خاطره يوما أن يستأثر بما ليس له فيه حق لأنه يعلم علم اليقين أن المال العام مراقب  وفي أيادي أمينة تسهر بواسطته على رفاهية جميع المواطنين بدون استثناء للجميع حقوق وعلى الجميع واجبات،أما البلدان التي تعتمد  في سياساتها على التسيير الذي يلفه الضباب الكثيف ويكتنفه الغموض المبهم، كل شيء فيها ممكن ووطننا العزيز لم يشذ عن هذه القاعدة ،فقد ابتُلين بما أصبح يعرف عندنا بخدام الدولة، هذا المصطلح الدخيل على ثقافتنا  ابتكره بعض الانتهازيين  ممن يحسبون على التيار المخزني وأطلقوه على فئة من الموظفين تنتعش تحت مظلته ،ثم أوهموا الرأي العام على أنها متميزة بما تقدمه من الخدمات والولاءات و أنها تتفانى في خدمة هذا الوطن أكثر من باقي المواطنين البسطاء

ظهر هذا المفهوم – حسب ظني – بشكل علني ومفضوح حينما انتشر عبر وسائل التواصل و بعض الجرائد خبر استفادة بعض خدام الدولة من قطع أرضية  في مكان متميز بمدينة متميزة و بثمن متميز .ولم يكد يجف حبر هذا الخبر الذي سارت به الركبان وشغل الأنام وحير الشيب والصبيان حتى حضر السيد بنكيران بدلوه ليغرف من جب المخزن و ينال نصيبه من الريع مستخدما في ذلك خرجاته  المعهودة ليلفت إليه الأنظار أولا لأن المخزن استغنى عما في جعبته من التنازلات و كذا للخروج من عزلته منذ أن خرج من دائرة الضوء في مثل هذه الأيام من العام 2017 حينما تابع المغاربة قرارا ملكيا أنهى فيه أشهرا من الجمود السياسي وتم فيه بالمناسبة إعفاء رئيس الحكومة السابق وتكليف آخر مكانه،فلم يهدأ له بال منذ ذلك الحين  لأنه لم يكن يتصور يوما أن يخرج من دائرة الضوء بهذه الكيفية فبدأ يخبط خبط عشواء إلى أن أخرج من قبعته السحرية  قضية المعاش الاستثنائي –إن صح تسميته كذلك  والذي – كان يمكن أن يمر- تحت الدف، كما مررت الآلاف من براثن الريع، لكن السيد بنكيران اختار أن يذيع في  الناس خبر استفادته من معاشٍ استثنائي، بل وبادر، في سابقةٍ من نوعها، إلى الدعوة إلى عقد ندوة صحافية في بيته، لتبرير حاجته إلى المال أمام سيل الانتقادات التي طاولته من هنا وهناك وعبر الوسائط التواصلية المكتوبة منها والمسموعة والمرئية  على خلاف باقي الشخصيات التي حظيت بهدايا وهبات ملكية ولاذت بالصمت —وضربت الطم —

ومن يستمع إليه وهو يشكو حاله ومآله عبر الندوة التي عقدها في بيته يعتقد أنه لا يملك عشاء ليلة ،تساوى في ذلك بالمنكوبين  من أصحاب القرى النائية والجبال الأطلسية  التي توزع عليهم  بعض المساعدات و الصدقات الموسمية وحينما لا يستسيغ ملاحظات من انتقدوه أو لم يباركوا له هذا الفتح المبين وهذه الغنيمة التي حصلها على أكتاف من أوصلوه إلى سدة الحكم يتهمهم  بالفساد والإفساد ، ويعتبر نفسه ضحية لحملة إعلامية عنيفة ،مع العلم أن سيادته  هو من سعى إلى إفشاء عطية جلالة الملك  وبالتالي هو من اختار أن يضع نفسه موضع النقاش بشأن مدى أحقيته في الحصول على تقاعد استثنائي عن بضع سنوات عجاف قضاها رئيسا للحكومة ، فلا أظن أنه بلغت بالسيد الرئيس الأزمة إلى الحد الذي يجعله في وضعية المحتاج إلى مثل هذه المكرومات التي سوف تصرف من صندوق التقاعد الذي حكم عليه بالإفلاس ،وهو الذي جاء إلى السلطة يحمل في جعبته الشعار الذي استغفل به الذين قدموا إليه أصواتهم قربانا لمحاربة الفساد الذي جعل منه شعارا لحملته – صوتك فرصتك لمحاربة الفساد- وجعلت حكومته محاربة الريع بكل أشكاله في مقدمة أولوياتها لكن ما حدث هو العكس، فعندما وصل إلى رئاسة الحكومة قال للمفسدين جملته الشهيرة: « عفا الله عما سلف »، أما الرّيع فأصبح مبرّرا على اعتبار أنه عطاء من الله يؤتيه من يشاء،وحينما عين رئيسا للحكومة قرر منذ البداية، أن لا يمارس أيا من صلاحياته الدستورية، بدعوى تجنب التصادم ،فكان بذلك مبدعا في التنازل عن كل الصلاحيات المشتركة والحصرية للحكومة، قرر طواعية أن يكون وزيرا أولا للحكومة، بمنطق دستور 1996 بدل دستور 2011 الذي ناضل من أجله كل المغاربة  وفي المقابل، ظل عل امتداد الأعوام التي قضاها رئيسا للحكومة يسوق للمغاربة صورة المعارض لا صورة الحاكم كما ظل يتقمص دور الضحية مع كل ما اقترفه في حق المواطنين من ظلم وجور  كالإجهاز على تقاعدهم وحقهم في الإضراب وغيرها من الأمور التي لا يمكن حصرها ها هنا، وبعد كل هذا  وذاك يريد إقناع نفسه بمنطق فضفاض مفاده أنّ ”استفادته من تقاعد استثنائي ثابت، يبرر عودته إلى السياسة“، على حد أحد المعلقين على تقاعد سيادته الاستثنائي   ولم يفهم بعد أنّ وضعه الحالي يتطلب منه احترام واجب التحفظ الذي يخدمه ، في المقام الأول ،بينما يرى معلق آخر أن مثل هذه التناقضات ما  بين الأقوال والأفعال تضع الساسة وخصوصا من يتبنّون خطابا دينيا لبلوغ غاياتهم، ويبرّرون به سلوكياتهم، أمام مفارقاتٍ قاتلة ،إنها الانتهازية المقيتة التي توقع بالسياسي عندما يسقط في شباكها، أما من يسعى إلى تبريرها والدفاع عنها فإنها تحوّله إلى مادة للسخرية والتفكّه

 وأما السيد الرئيس المشكور- Remercié- في حوار في الجزيرة نت فيقول « لست نادما لأنني لم أعد رئيسا للحكومة أو رئيسا للحزب، أعيش مرحلة سعيدة في حياتي وأنا راض عنها، وهذه سعادة لا يساويها شيء ونحن بدورنا  نقول له بالصحة والراحة وعين الحسود فيها عود وكيف لا تعيش سعيدا وأنت الذي جئت محمولا إلى هرم السلطة على ظهور وأكتاف من خرجوا إلى الشارع يوم 20فبراير 2011-ولا أقول ثورة فبراير لأنها سرقت منهم وأجهضت من قبل من تسلقوا سلمها بكل انتهازية ووصولية جئت لتحارب الطواحن فاكتشفت على حد قولك في نفس الحوار أن المسؤولية كانت أصعب مما تخيلت وأن “الدرس الأساسي الذي استخلصته هو أن الإصلاح عملية صعبة وشاقة وطويلة،وهكذا بعت لمن صوت عليك –وعبد ربه من بينهم –أحلام مغرب عادل مع ربط المسؤولية بالمحاسبة ،ومحاسبة المفسدين والقطع مع الريع وإعادة خيرات المغرب لكل المغاربة وانتهيت بقناعة هي أن المهم بالنسبة إليك ولتيار الإسلام السياسي الذي تمثله، ليس هو ممارسة السلطات التي يمنحها لك الدستور، ولكن الأهم هو البقاء في السلطة  لأطول فترة ممكنة ، هذا الهاجس الذي بدا مرسوما منذ البداية من خلال التنازلات التي أقدمت عليها فتبخر على عهدكم ذلك الحلم الذي سوقتموه للمغاربة بسبب تقاعسكم عن تفعيل الدستور وممارسة صلاحياتكم مقابل تقاعد استثنائي وهكذا اطمأن كل الذين كانوا يتخوفون من إمكانية استغلال التعديلات الدستورية على تواضعها من أجل الحسم مع شكل الدولة وجوهر الحكم ولم يكونوا يتوقعون و لو للحظة واحدة أن يجود عليهم القدر برئيس حكومة بنكيران

 MOULILA BENYOUNES

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *