القرآن يحث على البحث والانطلاق في الآفاق

أحمد الجبلي
لقد خلق الله الإنسان وفضله على سائر الكائنات، وميزه بالعقل ومنحه السمع والبصر وحرية الاختيار، ثم أمره بالسير في الأرض ليكتشف ويتعلم كيف يقوم بتسخير ما خلق الله لذاته وحتى يعمر الأرض وينتفع بما فيها.
إن القرآن الكريم قد حث الإنسان على النظر من حوله والتأمل فيما خلق الله في هذا الكون الفسيح من آفاق وأنفس، وذلك باستعمال عقله وتوجيه طاقاته ليصل إلى المعرفة التي بها يستطيع أن يقوم بتسخير ما في الكون لخدمة الإنسانية جمعاء حتى تتحقق معنى الخيرية (كنتم خير أمة أخرجت للناس)
انطلاقا من هذا الأمر القرآني العظيم ما كان ليكون لغير المسلمين سبق في أي شيء لو عمل المسلمون بتعاليم القرآن الذي أخبرهم بأن لا مناص من السير في الآفاق بدون علم حيث قال الله تعالى: » يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان)، وما كان ليكون لغيرهم سبق في علم الآثار لو تفاعل المسلمون مع الخطاب القرآني وعلموا أن الله تعالى عندما خاطبهم قائلا: (قل سيروا فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين) فإنما هو يدعوهم للانتشار في الآفاق والبحث عن كل الآثار التي تكشف عن أقوام يعرفهم المسلمون من خلال حديث القرآن عنهم كقوم عاد وثمود وفرعون وجنوده وقد تنوع قصاص الله تعالى منهم تارة بالغرق وتارة بالردم وأخرى بالقلب ومرة بالريح…
فقوم لوط مثلا من الأقوام الذين اختفوا فجأة من وجه الأرض ومنذ عشرات السنوات وعلماء الآثار منشغلون بخبر العثور على ما يميلون إلى أنه بقايا « سدوم » المعروفة إسلامياً بمدينة « قوم لوط » النبي الذي سكن فيها قبل أكثر من 3500 عام، والتي تجمع الكتب السماوية، وأهمها القرآن المفصل ما حدث لها بواقعية علمية، أن قصاصاً إلهياً جعلها وأهلها كأنها لم تكن، ولم ينج منه سوى النبي لوط وعائلته، باستثناء زوجته، وفق ما روى القرآن فصوله بسلسلة آيات موزعة في 9 سور.
وتنتهي رواية القرآن بآية قرآنية تشير إلى أن الله أبقى من المدينة بما هو درس وموعظة للأجيال، بقوله: « ولقد تركنا منها آية بيّنة لقوم يعقلون ». لكن المسلمين تعاملوا كأنهم ليسوا معنيين باكتشاف ما تركه الله كآية للعالمين، إلى أن جاءت بعثة آثار أميركية، ثابرت على التنقيب 10 سنوات في منطقة « تل الحمام » بالأردن، وهي خرائب « سدوم » التي بدأ يتضح أن الحياة « توقفت فيها فجأة » طبقاً لما ذكره البروفيسور Steven Collins رئيس البعثة، وهو من « جامعة ترينتي ساوث ويسترن » بولاية نيو مكسيكو.
ولا كان لهم سبق في علم الجغرافيا حيث تحدث الله تعالى عن أدنى الأرض والفجاج العميقة التي تحيط بالكعبة…كما تحدث عن الهواء وضيق الصدر والجلد والحروق والأوتاد والجبال والرواسي والنباتات والزرع والأشجار والبحار والسماء والرياح والقمر والأرضين وبعض الحيوانات والحشرات… وبعض الحالات النفسية التي كان يمكن أن تكون منطلقا لعلم النفس بقرون.
وما كان لغير المسلمين أن يكون لهم سبق في علم البحار لو فقه المسلمون كلام الله، ألم يكن قوله تعلى (يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان) دافعا إلى الغوص في البحار لاستخراج اللؤلئ والمرجان ومن المؤكد أن ذكره للؤلئ والمرجان سيفتح مجالات كثيرة لطرق استعماله بل ونجد القرآن نفسه يوجه إلى أحد أهم الاستعمالات حيث قال: (وتستخرجوا منه حلية لتلبسونها) وقال: (ولا يضربن بأرجلهن حتى لا يعلم ما يخفين من زينتهن)وبمجرد العلم بأن هذه الجواهر وهذا اللؤلؤ يستخدم كزينة إلا وكان داعيا إلى التفكير في آلات التصنيع ومواد النحت والتقطيع والتشكيل وبالتالي بناء معامل متخصصة في صناعة الحلي والمجسمات والخلخال.
لقد أصبح اللؤلؤ عبارة عن مادة علمية تدرس فأصبح يعرف عنه كل شيء انطلاقا من المحار ومكوناته لأنه محل الإنتاج وأصله، ونظرا لصعوبة الحصول على لؤلؤة واحدة من خلال فتح أعداد كبيرة من المحار، اكتشف الياباني ميكوموتو طريقة لزرعه وإنتاجه لكونه مادة صناعية هامة تسهم في تنمية الاقتصاد وتوفر دخلا لا يستهان به.
ولعل حديث القرآن الكريم عن الكواكب والنجوم كان الدافع الأول والحافز الذي حفز علماء العصور الأولى نحو الاهتمام بعلم الفضاء والكواكب والنجوم فصنعوا الاصطرلاب لقياس ارتفاع الشمس في السماء وتكبد النجوم وموقعها وحركاتها. كما استعمله البيروني في قياس محيط الكرة الأرضية ومثل ذلك كثير.
إننا كلما سمعنا عن اكتشاف غربي جديد عن شيء ما إلا وبادرنا بالقول: « لقد أخبرنا القرآن بذلك قبل خمسة عشرة قرنا » وبقينا هكذا عبيدا لهذه المقولة دون أن نمتلك المبادرة في البحث والتقصي وتشكيل المختبرات وتجنيد علماء متخصصين في كل مجال حتى نحقق السبق ونكون في مستوى التنافس الأممي في خدمة البشرية جمعاء.




Aucun commentaire