Home»National»الألقاب والإرهاب

الألقاب والإرهاب

0
Shares
PinterestGoogle+

بسم الله الرحمن الرحيم

الألقاب والإرهاب
وأنا أقرأ مقالا في إحدى الصحف الإلكترونية، أثار انتباهي لأول مرة ختْمُ المقال بلقب صاحبه: « خبير في التحليل النفسي للمجتمع المغربي والعربي »، وتساءلت عن الدافع والهدف من إرفاق المقال بهذا اللقب، ومن ثم هل هناك بصفة عامة تأثيرٌ لألقاب المخاطِبين على نفسية المخاطَبين بالشكل الذي يجعلهم يتقبلون أفكارهم دون تمحيصها؟
لا أدعي أن جوابي على هذا السؤال ناتج عن دراسة شاملة ومتأنية للموضوع بقدر ما أنطلق من ملاحظات محدودة تتعلق بمدى إصدار المتلقي لأحكام مسبقة عن الخطاب بمختلف أنواعه، انطلاقا من الصورة التي تنطبع في ذهنه من خلال الألقاب التي يحملها المخاطِب، ذلك أن نسبة القراءة إذا كان الأمر يتعلق بكتاب أو مقال، ونسبة الحضور إذا كان الأمر يتعلق بمحاضرة أو ندوة ترتبط بشكل من الأشكال بطبيعة هذه الألقاب. والسؤال المطروح ما سبب هذا الارتباط؟ ومن المستفيد منه؟
لست عالم نفس ولا عالم اجتماع لأجيب بشكل دقيق على السؤال المتعلق بسبب الارتباط، إلا أن ما يلاحظ على العموم بالنسبة للسؤال المتعلق بالمستفيد بهذا الارتباط، هو أن الكفة غالبا ما تميل لصالح المخاطِبين ذوي الألقاب الرنانة من مثل دكتور ومختص وباحث وغيرها، كما أنها تميل إلى الأجانب أكثر منه للمخاطِبين المحليين حيث تنطبق عليهم مقولة مطرب الحي لا يُطرِب، مما يبدو معه أن هناك تأثير نفسي يمكن الاستئناس في تفسيره بمفعول بيكماليون (effet Pygmalion) بحيث يلعب لقب المخاطِب وبلده ومؤلفاته دورُ المحفِّز اتجاه مخاطِب معين، والمثبط اتجاه مخاطِب آخر، ومن ثم الإقبال على الأول وعلى منتوجه والإدبار على الثاني وعلى منتوجه، سواء كان هذ المنتوج ماديا أو لا ماديا.
وإذا اقتصرنا على مروجي المنتوج اللامادي في جانبه الثقافي على الخصوص، فلا شك أنهم يعتمدون على هذا المفعول وعلى غيره من الآليات التي تهدف إلى التأثير في المتلقي واستمالته إلى تبني أفكارهم دون تمحيص كبير، ومن ثم إلغاء ملَكة النقد التي تُعتبر الضامن الأساسي للتحقق من مدى صحة وصلاحية ما يَسمع وما يَقرأ، وبالتالي التمكن من أخذ موقف واع من أفكار المحاضِر أو الكاتب بالنسبة لموضوع معين دون تعميم هذا الموقف على كل المواضيع التي يُحاضر أو يَكتب فيها هذا المخاطِب أو ذاك، بحيث يمكن أن يَتفق معه في موضوع ويختلف معه في مواضيع أخرى والعكس بالعكس.
ولا شك أن إبراز المخاطِب لألقابه بنية التأثير على المخاطَب في منحى معين خاصة إذا كان هذا المنحى يتنافى مع ثوابت وقيم الأمة يُعتبر إرهابا فكريا يتعين الوعي بمخاطره من خلال استحضار الفكر النقدي الذي يحول دون الاستسلام أمام رأي أي كان مهما حمل من ألقاب، قبل قياس منتوجه بمقياس المبادئ الأساسية التي بنى عليها شخصيته. وإذا صح هذا الأمر وأحسبه كذلك، فإنه ينطبق على كاتبِ مقالٍ ورد في إحدى الجرائد الإلكترونية، يجمع من الألقاب ما جعله يسمح لنفسه بالدعوة إلى تبني العلاقات « الجنسية الحرة » من خلال سرد قصة زواجه من أجنبية بعد أن عاشرها معاشرة غير شرعية لمدة سنتين كاملتين، علما أن هذا أمر شخصي لا ينفع القارء في شيء سوى تطبيعَه مع هذا النوع من العلاقات التي تتنافى مع قيم ومعتقدات المجتمع المغربي كما سطرها دستور البلاد، مما يلزم معه التصدي لهذا النوع من الدعاة من بني جلدتنا الذين أبدعوا في تبني مختلف أنواع الإرهاب الفكري الظاهر منه والباطن، وهو ما يتطلب منا الاستحضار الدائم لعقولنا خاصة أمام أولئك الذين صنعوا لأنفسهم ألقابا جعلوا منها سلاحا لتعطيل ملكة النقد لدينا كما هو حاصل في مجالات متعددة في حياتنا اليومية، ولا سبيل إلى دعم هذه الملكة إلا بالتحصن بالعلم والمعرفة الشرعية دون الإعراض عن باقي أنواع المعرفة.
وإذا كان من شأن الألقاب التي يتدثر بها البعض أن تُستغل في التأثير السلبي على توجهات الناس، فإنها يمكن في نفس الوقت أن تؤثر سلبا على صاحبها حينما يَركبُه الغرور ويعتقد أن إقبال الناس على منتوجه من محاضرات ومقالات وكتب و… دليل على امتلاكه للحقيقة، مما قد يزُجُّ به في قفص الخُيلاء والتعالي على الناس والمشي في الأرض مرحا، ومن ثم احتقار أفكارهم وآرائهم مهما اقتربت من الحقيقة، وهو الأمر الذي نها عنه الله سبحانه وتعالى على لسان لقمان وهو يعض ابنه حيث قال: » وَلَا تُصَاعِر خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ » (الآية 18من سورة لقمان).
فليعلم الذين يتخذون الألقاب مطية لتمرير الأفكار الهدامة إلى مخاطَبيهم، أنهم إذا كان المجال خصبا لذلك بسبب ضعف المعرفة الشرعية واضمحلال ملكة النقد التي كادت تغيب في المجتمع عن طريق مناهج التعليم المُخترقة من قبل الاستعمار القديم والحديث، فإن الله قادر على أن يكشف مكرهم ويجعل كيدهم في نحورهم: « يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين » صدق الله العظيم.
الحسن جرودي

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. محمد بيجمن
    03/11/2018 at 00:58

    مقال موفق من حيث المضمون محرر بأسلوب سلس يساعد على استيعاب مضمونه . .

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *