الصلح …والمصالحة

نظر إليها برفق، ثم بشفقة، كانت ما تزال نائمة، طلبت منه أن يوقظها في الفجر أو على الأقل في الصبح كي تنظم له يومه و تحضر له شؤونه و تنظمها، تركها نائمة ثم أنصرف، أغلق الباب برفق حتى لا يوقظها، ذهب إلى عمله، منذ بداية الصباح بدأت المشاكل تتقاطر عليه، رئيسه يصرخ في وجه إثر خطإ فادح لم ينتبه له، اعتبره من أبلد موظفيه و هو الذي كان يشرف على مصلحة كلها، لم يعد يجد متعة في هذا العمل منذ مدة، و الغريب أنه أختار هذه الوظيفة عن قناعة، ما الذي حدث؟ لماذا أصبحت الأمور مستعصية و المشاكل متداعية؟ استمر في العمل إلى غاية الزوال، ليس له الوقت الكافي، تناول وجبة غذاء، كانت عبارة عن أكلة خفيفة التهمها التهاما، عاد إلى المكتب ليكمل ما كان شرع فيه، لم ينظر إلى هاتفه، ليس له الوقت الكافي ليسأل عنها، سيفعل ذلك بعد قليل ربما في الرابعة، هكذا كان يجول بخاطره، نعم بعد قليل سأتصل بها، ستكون قد استيقظت الآن، استمر في العمل، قبل مغادرة مكتبه في السادسة اتصل به صديقه المعاهد له، و ذهبا معا المعاهدان لذلك المقهى الجميل، لتناول قهوة أو شاي، و الحديث في أي شيء، أو في شيء معين، أمور الدنيا، كرة القدم، السياسة، كل شيء، انتبها في الأخير أنهما الوحيدان اللذان بقيا في المقهى، تصافحا، قبل أن يمتطي سيارته أخرج هاتفه ربما سيتصل به أحدهم أو إحداهن، لم يفكر مجددا أن يتصل بها، هي هناك، ظن أنها تنتظره، للمرة الألف كانت تردد له أنه إن نسيها ستنساه و لا تهتم به، للمرة الألف كانت تنتظر منه فقط أن يتذكرها، و لو بأبسط الأمور، أن يسأل عنها، أن يعاهدها، و للمرة الألف كانت تعده أنه إن فعل ذلك انتظمت حياته و اعتنت هي به كل العناية، كانت تخبره أنه يكفيه أن ينظر حيث تشرق الشمس فتسمع كلماته و تحس بنجواه، و أن تلك الشمس المضيئة هي سرها و هي من ستجعل حياته مشرقة، كان الوقت متأخرا، كيف سيدخل إلى البيت ثم يواجهها، و قد نسيها اليوم كله، أي عذر سيأتي به، أو كذبة سيختلقها؟
المهم الآن أن يقنعها، أخذ سيارته و طفق يتجول وقتا معينا من الليل، حتى يتأخر فما يصل إلا و هي نائمة، رغم أنها لا تنام إلا و قد اطمأنت أنه بخير، استحيى قبل أن يدخل البيت و يجدها في ذلك الركن المضيء و قد التحفت السجاد، ذلك السجاد الذي أهدي له من الحرم المكي و بجانبه المصحف، كانت ذرات الغبار قد استقرت على غلافه، في انتظار أن يحل شهر رمضان كي يأخذه معه للمسجد لقراءة الحزب و الورد، ذات يوم و هو طفل كان يسأل عنها على الأقل خمس مرات في اليوم، أوصاه أبوه على ذلك، ها هو اليوم يتصل بها بالكاد ثلاث مرات و في بعض الأحيان مرة أو مرتين ثم يطلب منها التعجيل بالحديث إليه لكثرة انشغالاته، بدأت تلك المدة المخصصة لها تتقلص، حتى صار حديثهما عبارة عن تمتمات، كيف له أن يصالحها الآن؟ دخل البيت، كانت هناك تنتظره على السجاد، و عطر الند و المسك يحيط يها، تبسمت في وجهه، أشارت عليه بأن يتوجه نحوها، « أنا الراحة … تقدم نحوي »، كي أصالحك و أصلحك، كانت في انتظاره، توضأ، تعطر، ثم صالحها، ثم صالحته، لم تكن هي إلا تلك الصلاة التي عاهدها و عاهدته مدة، فرأت أنه بدأ يبتعد عنها، فهم سر الاختلالات في حياته، كانت تنتظره بفارغ الصبر في القبلة ناحية البيت الحرام، حيث البلد الآمن و الرزق و الثمرات، نام ثم عاهدها أنه في الفجر سيوقظها، فأيقظته في الفجر، فكانت صلاة و صلة، فاصلة بين السعادة و التعاسة، فأصبح وفيا لها ساعة ساعة، خمسة مواقيت
Aucun commentaire