إشكالية الخطبة أم مشكلة الخطيب؟
إشكالية الخطبة أم مشكلة الخطيب؟
بسم الله الرحمان الرحيم
تلبية لقوله تعالى :يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون [1]حضرت صلاة الجمعة بأحد مساجد المدينة ، فكانت الخطبة حول المرأة ،ألقاها شاب في مقتبل العمر ،وسيم الوجه ،أنيق المظهر،يبدو ذلك من خلال اهتمامه بالهندام الذي أضفى عليه وقارا ومهابة وهذا الأمر مطلوب لدى كل خطيب
بعد المقدمة التقليدية شرع الخطيب يفصل القول حول حقوق المرأة وكيف كانت وضعيتها قبل الإسلام ، بعدها ركز الحديث على اهتمام الإسلام بشأنها وكيف رفعها من الحضيض إلى القمة ومن جملة ما ورد في الخطبة من تكريم الإسلام للمرأة أنها لا تسافر إلا مع ذي محرم يعني لمن تعوزه معاجم اللغة العربية أن المرأة لا يمكنها أن تسافر إلا بصحبة رفيق تكون تحت حمايته ،غير أن الخطيب لم يذكر من هي المرأة التي ينبغي أن نحضر عليها السفر لوحدها كما أنه لم يحدد السن الذي يسمح لها بالتصرف في حياتها الخاصة ولا عن نوع المستوى الثقافي الذي يخول لها التنقل بمفردها داخل وخارج الوطن ،ولست أدري لِمَ خطر ببالي في تلك اللحظة مجموعة من النساء اللواتي غيرنا مجرى الأحداث في العالم المعاصر ؟،كما خطر ببالي كذلك جملة من النساء المكافحات من أجل ضمان الكرامة والعزة والحرية والعيش الرغيد .
اعترف أن الخطيب لم يأت ببدعة لما روى البخاري ومسلم عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ ،فهو نص صريح لا يحتمل التأويل و الحديث النبوي الشريف تاج فوق رؤوسنا ولكن الظروف تغيرت ووسائل التنقل تحسنت والمسالك أصبحت آمنة ،كما أن نظرة المجتمع للمرأة قد تطورت في عصرنا الحالي و مقياس الذكورة أصبح متجاوزا للسيطرة على المرأة وفرض الوصاية عليها بدعوى من الدعوات لأن أفضل مسلك يمكن أن يخلصها من الحجر و التبعية للرجل هو تحصينها بالعلم والمعرفة، لأن محرم المرأة هو عفتها وثقافتها لأنها هي الأم وهي المدرسة إن أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراف والظروف الحياتية المعاصرة أصبحت تفرض عليها أن تجد وتجتهد للمساهمة في بناء صرح المجتمع لأنه يتسع للجميع.
فبعد هذه الملاحظة الوجيزة والمتواضعة حول مضمون الخطبة التي حضرتها يمكن أن أتساءل كرائد من رواد المساجد ليوم الجمعة فأقول هل ما زال لخطبة الجمعة وظيفتها الشرعية لخدمة الإنسان فردا وجماعة، وتبليغه حقائق الوحي المنزل [2]وهل يستفيد منها رواد المساجد يوم الجمعة ؟وهل لخطيب الجمعة القدرة والكفاءة للتأثير على سلوك المصلين والعمل على تهذيبها ؟
فخطبة الجمعة حسب أحد فقهاء الكراسي العلمية درس أسبوعي له وظيفته التربوية التوجيهية ،وأثره الوعظي على المصلين وهي منبر ديني تبين من خلاله حقائق الإسلام ومضامينه وقيمه حتى يتعلم الناس ويتفقهوا ويرشدوا ،وهي في ذات الوقت منبر وعظي لتذكير الناس وإيقاظ مشاعرهم الإيمانية وتجديد صلتهم بالله ،وتحصينهم من الانحراف والتطرف والزيغ ،ولا يقوم بهذه الحقوق والوظائف حق القيام إلا الخطيب الكفء الذي يمتلك قوام الخطابة الناجحة[3] وهذا الصنف من الخطباء ،أغلبهم ينتمي إلى الحقل التربوي و البيداغوجي تحس في كيفية إلقائهم لخطبة الجمعة أن هناك منهجية معتمدة ،والألفاظ عندهم منتقاة بعناية ،أغلب الخطب عندهم تواكب الأحداث الآنية التي تثير اهتمام الرأي العام الوطني على عدة مستوياته الاجتماعية والتربوية والاقتصادية وحتى السياسية وتحمل قيمة مضافة لدى المتلقي فتثير فضوله وتحرك إحساسه ومشاعره .مثل هؤلاء الخطباء يستقطبون النصيب الأوفر من رواد المساجد يوم الجمعة فتراهم يشدون إليهم الرحال من مختلف أرجاء المدينة لأنهم يجدون فيهم ضالتهم المنشودة المتمثلة في الشكل والمضمون فيحدث التجاوب والإقبال بشكل ملحوظ على هذه المساجد يوم الجمعة
وفي المقابل ، هناك بعض المساجد ليست لروادها هذه الحظوة فقد ابتليت ببعض الخطباء الذين لا علاقة لهم بمنبر رسول الله ، فهم يعانون من ضعف ملحوظ في مستوياتهم ، وعدم انخراط بعضهم في قضايا المجتمع وهموم الناس وما يشغل بالهم ، يفتقرون لأبسط القواعد الثقافية والدينية واللغوية والنحوية والبلاغية [4]
و منهم من لا يطلع على مضمون الخطبة إلا في آخر لحظة ،يظهر ذلك جليا في طريقة التهجي وكأنه طفل مبتدأ مع ما يصاحب ذلك من لحن في القول وتعثر في الأداء وهذه مشكلة بل ومعضلة بعض الخطباء وهناك من يبلغها بطريقة خالية من أي إحساس مما يجردها من الهدف المنشود فتفقد التأثير على سلوك الناس كما يبدو ،مما يدفع كثيرا من المصلين إلى التساؤل حول جدوى حضور خطبة الجمعة مادام تأثيرها في الناس محدودا لعجزها في ترسيخ الثوابت ، ولعجزها في مجاراة ومنافسة تأثير وسائل الإعلام في الناس ، ولعجزها في مسايرة أحوالهم ولعجزها في تطويق الفتن ، والخلاف والظواهر السلبية المتفشية في المجتمع الشيء مما جعل الناس يلتمسون بدائل عنها لدى وسائل الإعلام[5]
لذلك يجب على وزارة الأوقاف أن تفكر جديا في إعادة الحرمة والقدسية لخطبة الجمعة وتنزيه المنبر عن كل عبث بحيث يشترط فيمن يعلوه الورع والتجرد من الأهواء، لأنه ينوب عن النبي صلى الله عليه وسلم والعمل على تجديد أسلوب الخطابة ،وتنويع أساليبها دفعا للرتابة والملل واختيار المواضيع المهمة التي تلقى التجاوب من السامعين[6]
لأنه إذا استمرت الأوضاع على هذا النهج فإنها ستعمل على تنفير المسلمين من المساجد يوم الجمعة لأن البعض منهم يحضرونها لتفادي صفة النفاق مصداقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (مَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ جُمَعٍ تَهَاوُنًا بِهَا طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ [7]).
كما يجب على وزارة الأوقاف أن تعيد النظر في تكوين الأئمة لأن الارتقاء بخطبة الجمعة كما ورد في الورقة الإطار يتطلب تأهيل الخطباء عن طريق تكوين مستمر متكامل علما وسلوكا ، وتزويدهم بالمعارف والمهارات الضرورية ، وتوعيتهم بأهمية مهمتهم الخطابية مع تحسين ظروف عيشهم لتحفيزهم على البذل والعطاء
وعلى المهتمين بهذا الميدان أن يجتهدوا أكثر من غيرهم في الدرس والتحصيل عن طريق دراسة أمهات الكتب النحوية والبلاغية والشرعية والأدبية وغيرها ليتمكنوا من ناصية اللغة ثم يضيفوا إليها مبادئ أولية في التربية وعلم النفس لأنها تفتح لهم آفاقا عريضة لفهم ومعرفة أحوال الناس، وهمومهم ،واهتماماتهم، وعوائدهم ،وأعرافهم ،وتقاليدهم، ونفسيا تهم وتطلعاتهم كما يمكنهم أن يستفيدوا من العلوم اللغوية الحديثة ومفاهيمها لأنها تعيبهم على منهجية التبليغ بأيسر طريق فيحدث التفاعل بين الخطيب والمتلقي ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر ما يعرف بعلم التواصل ونظرية التلقي لجاكبسون وغيره من علماء اللغة المعاصرين الذين يحاولون فيه توضيح عملية التواصل بين المرسل والمتلقي والسياق الذي تتم به هذه العملية المشتركة بينهما سواء كانت لفظية أو غير لفظية وما هو الأثر الذي يتركه الخطاب في نفس المتلقي شريطة احترام الطاقة المرجعية التي تمكن السامع من تفسير ما يتلقاه و فهمه و لفك الشفرة لابد من معرفة تامة بمضمون الخطاب وهذه مبادئ بسيطة أحببت أن ألفت إليها أنظار الطلاب للاستفادة منها في علاقتهم بالمصلين حين إلقاء الخطبة يوم الجمعة لأن الخطيب صاحب وظيفة تعبيرية هادفة . و هكذا تسترجع خطبة الجمعة وظيفتها فتصبح بذلك من أهم الروافد العلمية والشرعية التي يستفيد منها المسلم بشكل عام مع ما يراكمه من معارف دنيوية فتتكون لديه بوصلة يستنير بها في حياته ويسترشد بها في معتقده الديني والدنيوي
MOULILA BENYOUNES
[1] سورة الجمعة آية9
الورقة الإطار –المجلس العلمي لمدينة وجدة-[2]
الورقة الإطار –المجلس العلمي لمدينة وجدة [4]
لورقة الإطار –المجلس العلمي لمدينة وجدة [5]




Aucun commentaire