Home»National»الخطيب بين مطرقة الورقة الإطار وسندان الواقع

الخطيب بين مطرقة الورقة الإطار وسندان الواقع

0
Shares
PinterestGoogle+

بسم الله الرحمن الرحيم

الخطيب بين مطرقة الورقة الإطار وسندان الواقع

في البداية أريد أن أستسمح ذوي الاختصاص لِأَنْ أُدلي برأيي في هذا الميدان، لكن ليس من وجهة نظر الخطيب وإنما من وجهة نظر المُخَاطَبِ والمُتلقي للخطبة.

لا شك أن عددا من رواد خطبة الجمعة، يرتاحون لبعض الخطباء ويتوجسون من البعض الآخر، مما يدفع ببعضهم إلى الرحيل من مسجد الحي إلى مسجد آخر قد يكون بعيدا في أحيان متعددة، لأنهم يرتاحون لهذا الخطيب أو ذاك. لكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: ما هي المعايير الشرعية المساعدة على تحديد مواصفات الخطيب الجيد، تفاديا لذلك التحيز المبني على حساسيات ضيقة وتوجهات شخصية؟

ولا شك أن الوثيقة الإطار الصادرة عن المجلس الأعلى العلمي قد أجابت عن جل التساؤلات التي يمكن أن تُطرح في هذا الشأن من قبل أولئك الذين يَحضُرون خطبة الجمعة بِنِيَّةِ الاستفادة والاستزادة من المعرفة الدينية، إلا أنه في نظري المتواضع قد تم تحميل الخطيب ما لا يطيق حين وصفت الخطبة بأنها عاجزة عن ترسيخ الثوابت، كأن كل المغاربة (من بينهم هؤلاء الذين لم تُرَسّخ لديهم الثوابت المعنية) يداومون على صلاة الجمعة، ويستوعبون مضامينها، وكأن الخطيب هو وحده الموكول إليه أمر هذا الترسيخ، إذ كيف يُعقل أن يَخفق أستاذ في توصيل مادة تخصصه لعدد محدود من التلاميذ الذين يفترض فيهم التجانس من حيث السن ومن حيث القدرات العقلية، والذين لا يتجاوز عددهم 40 تلميذا في القسم الواحد في معظم الأحيان، بينما يُحمَّل الخطيب هذه المسؤولية الثقيلة مع العلم أن المُخاطبين غير متجانسين لا من حيث السن ولا من حيث القدرات العقلية ولا من حيث الثقافة الشرعية.

وإذا افترضنا أن الخطباء كانوا في مستوى ما تُطالبهم به الوثيقة، فما معنى أن يَبني الخطيب من جهة ويهدم غيره من جهة أخرى، كما هو الشأن بالنسبة لمضامين وسائل التواصل الاجتماعي التي يَدُسُّ بعضها السم في نصوص تُحسب على الدين، وكما هو الشأن بالنسبة للمجال السمعي البصري الوطني الذي يفترض فيه الحرص أكثر من غيره على هذه الثوابت والمقومات، في الوقت الذي تُوفر له إمكانات لا تُوفر للخطيب، دون أن ننسى الذين يحاربون اللغة العربية، بشتى الوسائل المتاحة، والتي تُعتبر مفتاح الخطاب الديني بصفة عامة وخطب الجمعة بصفة خاصة، والتي بِدُونِهَا لا يمكن توجيه اللوم لا للخطيب ولا للمخاطب، حيث من البديهي في علم التواصل  أنه لكي تصل رسالةُ (الخطبة) المُرْسِلِ (الخطيب) إلى المُرسَلِ إليه (جمهور المصلين) لا بد من تَوفر وسيلة لذلك، والتي لا يمكن أن تكون إلا اللغة العربية ولو في حدودها الدنيا، وإلا فإتقانها ضروري في أمة دينها الإسلام ولغتها العربية بحسب ما تنص عليه أسمى وثيقة رسمية ألا وهي الدستور. وصدق الشاعر إذ يقول:

ولو ألفُ بانٍ خلفَهم هادمٌ كفى ** فكيفَ ببانٍ خلفَهُ ألفُ هادمِ

ولا أريد أن أشير في هذه الكلمة إلى المجال السمعي البصري الخارجي الذي لا يمكن أن نَلُومَه لأنه يشتغل لصالحه ولصالح أهدافه الخاصة به.

في الختام أرجو أن تُعَمَّمَ الوثيقة الإطار على مختلف شرائح المجتمع حتى تتضح العلاقة بين الخطيب والمُخاطب، كما أرجو أن تعمل مختلف الجهات المسؤولة على توجيه وثائق إطار لكل مَنْ لهم مسؤولية في الحفاظ على ثوابت الأمة وترسيخها لدى مختلف شرائح المجتمع، كل حسب اختصاصه ومجاله. والحمد لله رب العالمين.

الحسن جرودي

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *