Home»National»الثابت في نظمية المخزن، مدخل للعلاقة بين الحاكم والمحكوم

الثابت في نظمية المخزن، مدخل للعلاقة بين الحاكم والمحكوم

2
Shares
PinterestGoogle+

يعود الاستعمال الرسمي لكلمة مخزن، إلى إبراهيم بن الأغلب أمير إفريقيا (800-812 م)، وقد ارتبط هذا التعريف بتحصيل المال أو الأشياء العينية، وهو تعريف يمكن الأخذ به حتى قبل الحفصين، مادام الأمر يتعلق بالمعنى الضيق للكلمة. وهذا التعريف يقول به THAMINY, Monique (1) و ميشو بيلر، باعتبار أنه تعريف يحيل على الدولة عموما، والمخزن يحيل لغويا على عملية الخزن، بمعنى أنه اسم مكان، والقائم عليه هو الخازن، فالمكان هنا لتجميع مالية الدولة، نقدية أو عينية، ولتجميع هذا المال لابد من إيجاد المصدر الذي هو الشعب، هذا الأخير قد يستفيد من خدمات، هي في جوهرها مجرد سبل لتبرير استخلاص الضرائب والمكوس والجبايات، ويرافق عملية التحصيل هذه، عدد من القوانين والضوابط، التي يشرف على تنفيذها جهاز يستعمل القوة والردع لذلك، فتكون النتيجة، ترسيخ ثوابت تدعم السلطة والسلطان، وتضع جدارا سميكا بين الحاكم والمحكوم، وبالتالي تقر ثنائية البنية الاجتماعية، تلك الثنائية التي تجعل كلا يعرف قدره، وتفسح المجال في الوقت ذاته أمام من يريد التسلق والوصول والتقرب من دائرة السلطة المخزنية، فيصبح كل شخص نال مرتبة الرضا خديما لهذا النظام.
وهذا التعريف، ينقل كلمة مخزن من معناها اللغوي البسيط، إلى المعنى الاصطلاحي الجامع الدال على نظام متفرد في الحكم، تصاحبه طقوس خاصة تم التأسيس لها عبر قرون خلت من عمر المغرب المعاصر، نظام بإمكانه التكيف مع أي وضع جديد لضمان استمراريته.
لقد ظل المخزن و لا يزال بعيدا عن قضايا الشعب، تتحكم في ممارساته تلك المقاربة الأمنية و الخوف من ردة فعل الأهالي والقبائل.
مقابل هذا التسلط، تولدت لذا المغاربة روح الانتقام من المخزن ورجالاته، كلما سنحت الفرصة بذلك، فلا غرابة إذن، إن حملت الذاكرة الشعبية إلى الآن، في صمت، هزيمة إيسلي سنة 1844، والملابسات التي حافت بها، بحيث اعتبرت انتقاما من جهة القبائل التي عانت الأمرين من تسلط المخزن، وقبلها مع الولاة العرب تجاه الأمازيغ ساكنة الشمال الأفريقي، حين تم سلب أموالهم وسبي نسائهم، فقتل عقبة بن نافع الفهري… وهو ذات السلوك الذي استمر عبر حقب متتالية من تاريخ المغرب، بدرجات متفاوتة.
وكلمة مخزن أطلقت في بلاد المغرب على « هيئة إدارية و تراتيب اجتماعية، وعلى سلوك و مراسم. أو بعبارة جامعة، كان المخزن سيفا و قلما. نما وتطور في كل دولة و إمارة »(2).
ارتبطت السلطة في بلاد المغرب بالقوة، ولاكتساب القوة لابد من اكتساب أدواتها، من مال، بفضل الجبايات، ثم تكوين جيش قوي ومؤسسة إدارية تعمل على تنفيذ سياسة المخزن وبثها بين مختلف الفئات الاجتماعية، وبهذا يستتب الأمن بواسطة العنف. إضافة إلى الشرعية التي يبحث عنها كل نظام، سواء من الدين أو ماضي الأجداد، والذي تتم صناعته بكثير من الإضافات. إنها رموز وطقوس يحافظ عليها السلطان، وعلى رأسها البيعة على الولاء والطاعة، وتجديدها كل سنة لتشكيل نوع من الكاريزماتية، ثم أخذ البيعة للإبن الأكبر للسلطان، أو أحد أبنائه، وبالتالي توريث الحكم، إضافة إلى تقوية نفوذ الأتباع والحجاب والوصفان والحاشية والبطانة والخدام (3)…
ويعرف إينياسيكو راموني Ignacio Ramonet، المخزن، كونه البنية السياسية والإدارية التي يتكئ عليها النظام المغربي، من خلال الإذعان والطقوس والاحتفالات والأعراف، عبر رؤية محددة للسلطة تتحكم في مجموع النخبة السياسية التي يشكل الملك محورها(4).
يعمل المخزن، دائما، على إظهار قوته وعظمته ومهابته من خلال كل أوجه الحياة، بما في ذلك البنايات الإدارية، التي تجعل من يلجها يشعر بالفزع والمهابة، فشكلها الهندسي يوحي للناس بوجود شبح المخزن حيث ما ولوا وجوههم، فتجد عامة الناس يقدسون الزي المخزني، ومنها أن هذا الزي وحده بقيمة 12 شاهد، ويقبلون العملة أو الأوراق النقدية، عبر الشعارات والرموز التي تحملها والتي تكؤد حضور المخزن بقوة.
ويتمظهر المخزن عبر المواسم ونظمية الزوايا والأعياد والمناسبات، واستعراض القوة والتحكم في الحياة العامة، سياسية واقتصادية واجتماعية، الشيء الذي يتيح له تشكيل « النخب » وفق تصور مسبق يراعي الحفاظ على مصالح المخزن كمؤسسة إدارية قائمة.
د. محمد حماس
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
1) THAMINY, Monique, pour une réévaluation de la Notion de Makhzan. RMDC.N°2,1983, p23
(2 عبد الله العروي: مجمل تاريخ المغرب. ط1/2007. المركز الثقافي العربي/الدار البيضاء. ج2. الفصل9: نظم الدولة في بلاد المغرب. ص369
(3 نفسه. ص370
4) Ignacio Ramonet : « la structure politico-administrative sur laquelle repose le pouvoir au Maroc, faite de soumission, de rituels, de cérémonies, de traditions; une conception spécifique de l’autorité qui imprègne l’ensemble de la classe politique et dont la pièce maîtresse est le roi ». le Monde diplomatique, juillet 2000.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *