Home»Islam»التحرر في رمضان من خلال معنى البعث والإرسال

التحرر في رمضان من خلال معنى البعث والإرسال

1
Shares
PinterestGoogle+
 

أحمد الجبلي
لقد خص الله تعالى شهر رمضان بصفات وخصائص محددة ميزته عن باقي شهور السنة، منها أنه شهر تصفد فيه الشياطين، وتفتح فيه أبواب الجنات، وتغلق فيه أبواب النيران، وهذه الصفات تعد عوامل تحرر أطلقت الناس وحررتهم من بعض العوامل التي كانت تشدهم إلى الأرض شدا، ولذلك ها هم يقبلون على بيوت الله وعلى تلاوة القرآن، وعلى الصدقة والجود والكرم وإطعام الصائمين.
إن الإنسان المسلم قد تحرر من شهوة الأكل التي كانت تأخذ منه وقتا ليس بالقصير، كما تحرر من شهوة الشرب والفرج وشهوة الحديث والكلام الذي لا طائل منه، وهذا التحرر وفي رمضان بالضبط يعد دورة تدريبية لينتقل العمل بنفس النهج والبرنامج التحرري على مدار السنة، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل كل ليلة وكان يصلي في كل ليلة أحد عشرة ركعة فإن فاتته صلاها نهارا، وكان جوادا على مدار السنة وكان أجود ما يكون في رمضان، وكانت كل حياته دعوة إلى الخير فهو دائما كان إما معلما أو داعية أو آمرا بمعروف أو ناهيا عن منكر، أو مجاهدا أو متصدقا أو قائما أو …لقد كان تماما كما أمر الله تعالى أن يكون.
إن رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر أنبياء الله تعالى قد حددت بين البعث والإرسال، فاما من حيث البعث فإن الله تعالى قد بعث رسوله المصطفى في أمة أمية كي يعلمها الكتاب والحكمة، فقال (هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمه الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين) فمفهوم البعث عادة ما يكون هو الحياة بعد الموت، ولذا فإن الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم  كانوا يعيشون موتين معنويين، ومن خلال بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم تم إحياؤهم حياتين حقيقيتين، فأما الموت الأول فهو موت الضلال وذلك راجع لما كانوا يعيشون من غي وفساد وقتل وثأر ووأد إلى غير ذلك مما يثبت أنهم كانوا حقيقة موتى لا عقول لهم ولا قلوب ولا ضمائر، فأحياهم الله بالهدى والنور الذي أرسل إليهم، وأما الموت الثاني فهو موت الجهل حيث الأمة كانت أمة أمية لا تقرأ ولا تكتب ولا تحسب، فأحياهم الله ببعث هذا النبي الذي يعلمهم الكتاب والحكمة، فصاروا أحياء لأن حياة العلم هي الحياة الحقيقية التي تجعل الأمم حية لا تموت، ولذلك قيل « الأمة التي لا تقرأ تموت قبل أوانها »
ونجد في القرآن الكريم معنى آخر لبعث الرسل يلتقي معه اصطلاحا ويختلف معنى وهو الإرسال حيث قال الله تعالى في سورة الحديد: ( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط) ومعنى الإرسال مخالف لمعنى البعث حيث نجد العرب تقول: إذا أرسلت الحجر معناه أطلقته، وأرسل الكلام أي أطلقه دون تقييد، وإذا أرسلت الطير حررته، ومنه قولنا في دعاء النوم: « باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه فإن أمسكت نفسي فاغفر لها وإن أرسلتها فاحفظها بما حفظت به عبادك الصالحين » فجاء الإرسال بمعنى الإطلاق والتحرير الذي يضاد المسك والقيد، وفي معنى الحديث المرسل كما جاء في المنظومة البيقونية:  » والمرسل منه الصحابي سقط وقل غريب ما روى راو فقط » أي أن الحديث المرسل هو الحديث الذي لم يتقيد بكل الرواة، وبهذه المعاني لمفردة الإرسال يكون معناها هو التحرر والإطلاق والذي يضاده القيد والإمساك، ولذلك كان جميع الأنبياء محررين من كل العوامل التي تشدهم وتقيدهم وتربطهم بالأرض وتمنعهم من الانطلاق في الدعوة والجهاد، فالأنبياء لا يجوز لهم الخضوع للابتزاز، أو التغرير أو الرشوة أو الإغواء بالنساء أو الافتتان بالولد والزوجة مما يكون مانعا أو مسهما في التباطئ في الدعوة والانطلاق نحو تبليغ الرسالة، ولذلك نجد قريشا قد لجأت إلى جميع المغريات وتوظيفا لبعض العوامل التي تجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم  يخضع ويركن وينشد إلى الأرض فعرض عليه عتبة بن ربيعة الملك والشرف والسيادة والمال فلم يجد قبولا ولا استجابة ولا التفاتا منه صلى الله عليه وسلم. وكذا فعل جميع الرسل مع أقوامهم لتنيهم عن رسالتهم ودعوتهم فلم يفلحوا في ذلك، والله تعالى قد ابتلى سيدنا إبراهيم في ابنه إسماعيل نظرا لحبه له حبا يكاد يفتنه أي يغلب على حب الله تعالى يقول ابن القيم « ولم يكن المقصود ذبح الولد ولكن المقصود ذبحه من قلبه ليخلص القلب للرب، فلما بادر الخليل عليه الصلاة والسلام  إلى الامتثال وقدم محبة الله على محبة ولده حصل المقصود فرفع الذبح وفدي بذبح عظيم »، كما أن حب سيدنا يعقوب لابنه يوسف عليه السلام الزائد عن حده كان سببا في الابتلاء الذي تعرض له من خلال إبعاد ابنه عنه، لأن الله تعالى لا يريد لعباده الأصفياء أن يستعبدهم شيء من الممكن أن يكون سببا في انشدادهم إلى الأرض، ولذلك ذكر الله تعالى في سورة آل عمران حديثا عن فئتين التقتا الأولى كافرة والأخرى مؤمنة وما انتصار المؤمنة على الكافرة إلا لأنها لا تنشد إلى الأرض من خلال انشدادها إلى عوامل الشد كالنساء والبنين والذهب والخيل والأنعام والأراضي والضيعات ( قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة ترونهم مثليهم رأي العين، والله يؤيد بنصره من يشاء، زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب) كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان متحررا من كل ما من شأنه أن يمنعه عن الجهاد أو الدعوة أو طاعة الله من ذلك ما ذكرته أمنا عائشة رضي الله عنه حيث قالت:  » كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة لا يعرفنا ولا نعرفه » وما أجمل الآية في سورة آل عمران حيث وصف الله تعالى رسول الله وصفا دقيقا وهو يخرج من عند أهله مباشرة إلى الجهاد ورص الصفوف حيث قال (وإذ غدوت من أهلك تبوئ المومنين مقاعد للقتال) فالمرأة تعتبر أحد أخطر عوامل الشد والإخلاد إلى الأرض عندما لا يميز الإنسان المسلم الداعي بين السكون إليها والركون إليها، كما قد يمنعه دخول ساحة الجهاد إذا افتتن بأولاده أو أمواله أو أراضيه وضيعاته خوفا من أن يحرم منها أو يموت فيتركها بعده، في حين ما هي إلا متاع قليل وللآخرة خير وأبقى، وما عندكم ينفذ وما عند الله باق.
إن رمضان يعد شهرا تدريبيا لما بعده من الشهور حتى يتحرر المسلمون من جميع العوامل التي تشدهم عن الدعوة والخير والعمل وطلب العلم وتعليمه، لأن الله تعالى قد حرر الناس  وفي تحررهم وقت إضافي يمكن إستغلاله في قراءة القرآن وحفظه أو طلب العلم والمعرفة بالقراءة أو حضور حلقات علمية أو الاستماع لأشرطة نجباء من فطاحلة العلم وأطواد الحكمة من علماء هذه الأمة.
إن جميع المسلمين ومنهم المشتغلين بالحقل الديني أساسا ليعتبرون أنبياء الله قدوتهم ومثلهم العليا، ومن هذا الموقع فإن المطلوب منهم أن يقتفوا أثر هؤلاء المصطفين الأخيار في تحررهم وترفعهم عن كل من يشد الإنسان إلى الأرض ويحول دونه ودون القيام برسالته على أكمل وجه، فالمسلم إذا كان مسؤولا مديرا أو وزيرا فهو من هذا الموقع موقع اتخاذ الأنبياء قدوة له عليه أن يتحرر من جميع الشهوات التي يمكن أن تسترقه وتستعبده وبالتالي تمنعه من أن يقوم بواجبه على أحسن وجه، أو أن يقف في وجه الباطل والمنكر لأنه إذا انشد إلى الرشاوي والهبات والعطايا فإنه سيكون عاجزا عن إصدار موقف أو تبني فكر المواجهة مع الفساد والتفسيخ.
إن رمضان كشهر التحرر من العديد من الشهوات لهو شهر مبارك حيث يمنح الإنسان المسلم تجربة فريدة في نوعها من حيث تزكية النفس وتطهيرها وتحريرها من جميع العوامل التي تشد الإنسان إلى الأرض شدا فيخلد إليها وبالتالي يعجز على أن ينطلق في طريق الحق والدعوة والتبليغ ومواجهة المنكر والفساد.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.