لننقذ أبناءنا قبل فوات الأوان
أحمد الجبلي
لقد أصبح الآباء مرغمين على الخضوع للعديد من طلبات أبنائهم، بل وأصبح البعض يجد صعوبة كبيرة في التوجيه والتنبيه لما أصبحت تعرفه قنوات الاتصال من انسداد وانغلاق فيما بينهم.
ومن أهم تمظهرات هذه الآفة كثرة التبرم والشكاوى التي أصبحت تصدر عن الآباء في كل مرة أتيحت لهم الفرصة للحديث عن العلاقة التي تربطهم بأبنائهم، ولكن هناك شيء آخر يبين أن الآباء يخفون الشيء الكثير عندما يتحدثون عن علاقتهم بأبنائهم، وهذا جلي من خلال طبيعة اللباس والسلوك والأفكار والطرق التي يتصرف بها الأبناء في استعمالهم لوسائل الاتصال المعاصرة التي جعلت جلهم يسهر الليل كله دن أن يجد تنبيها ولا أمرا من طرف الآباء إما خوفا من طرفهؤلاء الآباء، أو لأنهم مغلوبون على أمرهم مما يدفعهم إلى اجتناب الدخول في صراع مع الأبناء نظرا لما عانوه من صراعات سابقة سببها رفض الأبناء لأي توجيه كيفما كان.
إن العديد من الآباء يعرف يقينا أنه ليس من مصلحة أبنائه أن يظلوا الليل كله متسمرين أمام هاتف أو حاسوب يقوم بشحنهم بأمور مرفوضة أخلاقيا ودينيا ومجتمعيا.
إن الأجواء أصبحت تزداد توثرا كلما ازدادت التطورات التكنلوجية وتطورت وسائل الاتصال المعاصرة التي تعتمد على الزر والهوائيات والويفيات مما أثر سلبا حتى على مائدة الأكل التي كانت غالبا ما تجمع جميع أفراد العائلة وتوفر تلاقي بالأعين وتوفر فسحة لتبادل المشاعر. أو تلك السهرات الليلية التي كانت مدرسة تلتقي فيها الأفكار فيتعلم الصغار من الكبار فتصحح المفاهيم وتبنى القيم ويثمن كل ثمين وغال يسهم في بناء قيم مجتمعية عظيمة.
فما الذي حدث؟ وما المستجد الذي جعل الأجواء مشحونة ومكهربة تنبئ بانفجارات اجتماعية كارثية؟
من المؤكد أن العوامل قد تنوعت واختلفت، وحسب العديد من الآباء إن هذه الوسائل ساهمت في خلخلة نفسيات الأبناء، فجعلت المادة تطغى على كل شيء فتعددت الطلبات وارتفعت فأصبح الابن الواحد بمفرده يكلف العائلة ما لم تكن تنفقه أسرة بكاملها سابقا.
ولو كشف الغطاء لخرج العديد من الآباء إلى الشوارع يبكون ويصرخون ولسان حالهم يقول: أيها الناس لقد ضاع أبناؤنا أنقدونا وأنقذوهم فلم نعد نعرف كيف نتواصل مع بعضنا.
يمكنني أن أحصي أكثر من 100 لقاء وعشرات المكالمات الهاتفية الاستشارية مع الآباء، وكلها كانت تصب في بوثقة واحدة هي دخول الأسرة في نفق مسدود في علاقاتها مع الأبناء. وغالبا ما نحاول أن نلقي باللوم على الآباء ربحا للأبناء، ولكن الحقيقة تقول أن الآباء ليسوا وحدهم المسؤولين عن تفاقم هذا الوضع أو انقطاع حبل الود والتجانس داخل الأسرة، ذلك لأن الأبناء أصبحت تتقاسمهم مع الآباء وسائل تربوية توجيهية معاصرة كثيرة وهي أخطر مما نتصور. ولنضرب مثالا على ذلك وهو مثال من صلب مجتمعنا يشهد على عملية شد الحبل بين ابن وأبويه ولكن في الوسط كانت دائما هناك وسائل شيطانية تكنولوجية أقوى بكثير من سلطة الأبوين وتوجيهاتهما.
إن الأمر يتعلق بأحد أبناء مدينة وجدة وهو شاب يافع دون ذكر اسمه أو حيه، حتى نستر ما ستر الله، كان بمجرد أن يدخل منزله يدخل مباشرة إلى غرفته فيغلق الباب على نفسه، ولا يخرج إلا لقضاء حاجة أو إذا ناداه الجوع فيأكل منفردا، استمر الحال هكذا وسط صراعات مع أمه وأبيه، ولكن تم التطبيع مع هذا الصراع فصار ضربة لازب لصيقة بنمط حياة هذه الأسرة، فاستمر الوضع على ما هو عليه إلى أن رفع الأبوان الراية البيضاء واستسلموا للأمر الواقع، وخوفا على أنفسهم من مرض الأعصاب (مرض العصر)، وفي نفس الوقت خوفا على ابنهم من الانتحار أو الدخول في متاهات نفسية قد تكون لها عواقب لا تحمد عقباها.
هكذا استأسد الابن وما عاد أحد يتحكم فيه أو يرشده أو يستطيع الحديث معه، مما جعله يربط الليل بالنهار، فكان أول نتائج هذا التهور هو ذهاب الدراسة إلى الأبد نظرا لتخليه عنها، وكانت النتيجة الطبيعية الثانية الخطيرة والقصوى غير المتوقعة بتاتا، هي أنه ذات وقت لم يعد يُسمع له أزيز ولا حديث ولا حركة طيلة يوم وليلة، مما اضطر أباه إلى كسر الباب، وإذا به يفاجأ ويُفجع بوجود ابنه ميتا أمام الحاسوب عاريا تماما كما ولدته أمه.
إن ما وقع لهذه الأسرة المكلومة، يمكن أن يتكرر ما دامت العديد من الأجوبة تطرح ولم يجد لها الآباء جوابا ولا حلا، مما يتطلب التفكير بشكل جدي في تعبئة شاملة يسهم فيها الحزب السياسي والنقابة المهنية والجمعية الثقافية والتربوية ومؤسسات الدولة و المسجد والتعاونيات السكنية، والجريدة والمجلة والقنوات التلفزية والبرامج التعليمية والصحية والبيئية. إنه أمر مشترك ولا يمكن أن يتملص منه أحد وإلا نحن جميعا شركاء في الجريمة.
1 Comment
Oaani mitl hadihi l hala ma aa ibni wa la aarifou mada afaal insahouni mon fadlicom