حكايا استاذ متقاعد ـــ 16 : 12 نضال،جريمة،وانطباعات
عندما أطل على التاريخ غير البعيد لحزب القوات الشعبية،تتزاحم في ذهني صور وبصمات رجال ونساء وهبوا حياتهم لمطاردة الظلام لتنعم الجماهير بما هي أهل له.
كان النضال معاناة مستدامة ذاق بسببه البعض كل أشكال التنكيل التي انفرد بها جهاز القمع في وقت من الأوقات،واقترن بأمكنة بعضها معروف والاخر ظل سريا ليمارس الجلادون ساديتهم بكل حرية!
لقد تحدث الضحايا باسهاب عن ،الكاب١ والفظاعات التي مورست على مغاربة لمجرد أنهم اعتنقوا أفكارا مخالفة لما كان سائدا.
وعندما يثار موضوع النضال،فلا شك أن المفاهيم تتباين بتباين القناعات.
وهكذا،فان الانخراط في الهيئات السياسية التقدمية كان مستندا لمبادىء ثابتة تجعل المناضل مستعدا دائما للأسوء لأنه يواجه أجهزة أمن تستعيض عن الحوار بالبطش!
وبسبب العواقب التي كانت تنتظر المناضلين الحقيقيين،فانهم لجأوا في كثير من الحالات للعمل السري اقتصادا للتضحيات!
إن ما رواه بعض ضحايا القمع يبين كيف عمل زوار الليل على تجريد الضحايا من انسيتهم من خلال العبث بأجسامهم بكل وحشية،الى درجة أن التنكيل قد انتقل إلى ذويهم ،بل لقد انتهكت حرمات العديد من أهل المعتقلين تشفيا أو سعيا لانتزاع اعترافات.
كان المرحوم ،عمر بن جلون،واحدا من رموز النضال الحقيقي الذين استبيحت أجسامهم وكرامتهم!
غير أن هذا الرجل استطاع أن يحول المعاناة الى تحد قوي توج باشرافه على إعداد التقرير الايديولوجي للحزب في محطة المؤتمر الاستثنائي.
لقد اعتنق عمر – رحمه الله- الفكر الاشتراكي العلمي،وظل يحلم ببناء مجتمع التقدم في ظل الكرامة.
لم يمر الا وقت قصير على المؤتمر الاستثنائي حتى تعرض عمر لاغتيال بشع في واضحة النهار،وفي الشارع العام!
لن أنسى أبدا صورة الفقيد وهو مضرج بالدماء أمام سيارته ،رونو16، البيضاء يوم18/12/1975!
لقد استدرجته يد الغدر حتى توقف لتزهق روحه ببشاعة بواسطة الة حادة لتدخل صغيرته،،سهام،،وكل شرفاء الوطن في متاهات الذهول والمجهول!
نسبت الجريمة لتيار اسلامي قرر إهدار دم رجل بدعوى أنه يعتنق الالحاد،وأنه خرج عن إجماع الأمة فكان العلاج هو الاغتيال!
ان اغتيال المناضل عمر،يطرح العديد من التساؤلات حول أبعاد الأفكار التي يدافع عنها كل تيار،والواقع أن المرء ليصاب بالحيرة احيانا،حينما يقارن بين المرجعيات والتداعيات.
ومن غير التعصب لأي جهة،فان الملاحظ أن بعض ذوي المرجعية الوضعية لا يختلفون في النهاية عن ذوي المرجعية الدينية،اذ كلاهما لا يتردد في اقصاء الاخر،بدل البحث عن سبل التعايش!
وقد تنبه احد المفكرين الكبار لهذه المعضلة منذ زمان حين قال بأن المتدينين ينتهون ماديين دون أن يشعروا،وهو ما يحدث لدى المتصوفة الذين يبلغ بهم الأمر حد تجسيد بعض المعتقدات،وبالمقابل فان الماديين ينتهون مثاليين حين يسبغون على زعمائهم صفات تلامس القداسة!
ألم يكن بعض المناضلين يقسمون برأس ،لينين،ماركس،كاسترو،ماو…ومازال البعض يرتدي قمصانا تزينها صورة،،غيفارا؟
وفي الجانب الاخر،ألم ترد في الاشعار الصوفية اشارات مادية؟
واذا كان الطرفان يلتقيان من حيث لا يدريان،فلم لا يكون الحل في القبول المتبادل بدل التناحر؟
في القديم كان ذوو المرجعية الدينية يعيبون على خصومهم ما اعتبروه نوعا من الاستئصال في حقهم وعنفا غير مبرر،ثم مالبث أن تحول هؤلاء إلى أسلوب التصفية الفردية والجماعية وبدون سابق حوار!
وعند الحديث عن النضال الذي طالما اقترن بالفكر الشيوعي،لا بد من الإشارة إلى أن كثيرا من مفتعلي النضال انما كان أحد أهدافهم الأساسية هو مجرد التحلل من قواعد الدين للاقبال على الملذات التي لا تستثني شيئا إلى أن يصبحوا ،،أبيقوريين،،وكفى!
وبمقابل هذه الصورة،كانت بعض الجرائد التي احرقتها نيران الغيرة عندما تتعرض،،المحرر،،للحجز والرقابة القبلية،يتمنى اصحابها لو تعرضوا لهذا الاختبار ولو مرة ليستدروا عطف الناس في غياب تضحيات تخول لهم أهلية ادعاء النضال!
كان عمر أحدث ضحية للاغتيال السياسي ببلادنا،ثم لم يتردد أهل الفتاوى الدموية في تصفية المفكر اللبناني،حسين مروة، سنوات قليلة بعد تصفية عمر،وقد دخل الرجل عتبة الثمانين لمجرد أنه أصدر كتابا قيما بعنوان،،النزعات المادية في الفلسفة العربية الاسلامية،،.
وبالانتقال الى الوقت الحاضر،اعتقد بانني لن اقدم درسا لأحد حول ما يقع،ذلك أن الإسلام البريء من سلب الحق في الحياة إلا في الحالات المحددة،قد تستر وراءه قتلة الأبرياء في كل مكان.
لقد صار الناس يعيدون النظر في القناعات،اذ ماقيمة متعصب ديني يستبيح حياة الغير امام اخر لا دين له ،ولكنه يحترم حق الاخرين في الوجود؟
لا شك أن الأسئلة تتناسل اليوم بعدما أصبح القتل هواية لدى البعض المحسوبين على ديننا الحنيف الذي قطع الطريق على هؤلاء بمحكم الكتاب( انك لا تهدي من احببت،ولكن الله يهدي من يشاء). صدق الله العظيم.
Aucun commentaire