Home»Correspondants»السلفية المعاصرة في فكر الشيخ محمد الغزالي رحمه الله

السلفية المعاصرة في فكر الشيخ محمد الغزالي رحمه الله

6
Shares
PinterestGoogle+
 

أحمد الجبلي

يعد الشيخ محمد الغزالي رحمه الله مدرسة من أعظم مدارس القرن العشرين في الفقه الإسلامي المعاصر والاجتهاد العقلاني المتميز، مدرسة تركت أثرها في عقل كل مفكر وعالم ومسلم واع بالواقع واع بالتنزيل. مدرسة تتقاطع مع التقليد والبلادة والقراءات السطحية الهجينة.

لقد امتاز الشيخ محمد الغزالي رحمه الله بفكره الحاد، ورأيه السديد، وجرأته النادرة في الحق، وغيرته على ما يعيشه المسلمون من هزال وضعف وانحطاط وسوء فهم، وغالبا ما نجده رحمه الله إبان حياته إما صارخا محاضرا أو كاتبا معبئا ومؤطرا وموجها، وداعيا في كل أحواله للمسلمين حتى يعودوا لدينهم بالفهم الصحيح، مع نبذ العنف والتعصب و الغباء والاستغباء. لقد ألف أكثر من 100 كتاب تكاد كلها تنحى منحى التنوير والتحرير تنوير العقول لتعقل وتتدبر وتعي الفهم الصحيح للدين، وتحريرها مما علق بها من سطحية وعدم تدبر وفهم سليم وتمييز للغث من السمين. وهو يعتمد على منهج إرجاع جميع الأمور التي تثار في الواقع العربي الإسلامي إلى كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام.

إن من أهم كتبه كتاب  » دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين » وفي هذا الكتاب يتحدث الشيخ محمد الغزالي رحمه الله عن السلفية التي كانت له معها أشواط في عديد من المحطات، ودخل مع شيوخها في الكثير من الحوارات والمطارحات، لقد خصص في هذا الكتاب فصلا كاملا تحت عونان  » نحو سلفية واعية » وقد عبر فيه بأن السلفية ليست فرقة من الناس تسكن بقاعات جزيرة العرب، وتحيى على نحو اجتماعي معين، فالسلفية بهذا المفهوم يرفضها الشيخ محمد الغزالي ويأبى الانتماء إليها، كما يصرح بذلك.

إن السلفية، في مفهومه رحمه الله، هي نزعة عقلية وعاطفية ترتبط بخير القرون، ( القرون الهجرية الثلاثة الأولى) وتعمق ولاءها لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتحشد جهود المسلمين المادية والأدبية، لإعلاء كلمة الله،

دون نظر إلى عرق أو لون، وفهمها للاسلام وعملها له، يرتفع إلى مستوى عمومه وخلوده وتجاوبه مع الفطرة وقيامه على العفة.

وقد عايش الشيخ الغزالي بنفسه ورأى بأم رأسه مظاهر كثيرة لأناس يحسبون أنهم سلفيين مما جعله ينكر عليهم الشيء الكثير، من ذلك إنكاره عليهم فهمهم للسلفية على أنها فقه أحمد بن حنبل رضي الله عنه، ويعلل بأن هذا الفهم خطأ لأن فقه أحمد ليس إلا خطا واحدا من الخطوط الفكرية في الثقافة الإسلامية التي تسع أئمة الأمصار وغيرهم مهما كثروا. كما أنكر عليهم كونهم يعتقدون بأن السلفية هي مدرسة النص، وهذا خطأ، يقول، فإن مدرسة الرأي كمدرسة الأثر في أخذها من الإسلام واعتمادها عليه.

لقد صرح غير ما مرة بأنه رأى أناسا تغلب عليهم البداوة أو البدائية، يكرهون المستكشفات العلمية الحديثة، ولا يحسنون الانتفاع بها في دعم الرسالة الاسلامية وحماية تعاليمها، يرفضون الحديث عن التلفزيون، على سبيل المثال، لأن ظهور الصورة على الشاشة في اعتقادهم حرام، ويتناولون المقررات الفلكية والجغرافية وغيرها بالهزء والانكار، وهؤلاء لا يعتبرهم الشيخ الغزالي لا سلفا ولا خلفا، ويصرح بأن أدمغتهم تحتاج إلى تشكيل جديد.

كما يصرح بأنه رأى أناسا يتبعون الأعنت الأعنت، والأغلظ الأغلظ من كل رأي قيل، فما يفتون الناس إلا بما يشق عليهم وينغص معايشهم، ويؤخر مسيرة المؤمنين في الدنيا، ويأوي بهم إلى كهوفها المظلمة.. وهؤلاء أيضا لا يعتبرهم لا سلفا ولا خلفا. ويخلص إلى أنهم أناس في انتسابهم إلى علوم الدين نظر، وأغلبهم معتل الضمير والتفكير.

ويذهب في كتابه  » مائة سؤال حول الاسلام » أبعد من هذا إذ يقول:  » وإذا كان القتال الغبي لا مساغ له من أجل العقيدة ( وهو هنا يتحدث عن دعوة ابن عبد الوهاب التي انتشرت بالسيف) فكيف إذا كان في سبيل نقاب يوضع على وجه امرأة، أو غطاء يوضع على قافية الرأس، أو صورة ترسم على ورقة، إن البعض مستعد لحرب أشد من حرب داحس والغبراء من أجل هذه القضايا المحقورة. ونفس المنحى ينحاه رحمه الله في كتابه الدعوة تستقبل قرنها الخامس عشر إذ يتحدث عن سلفيي هذا العصر فيعبر بأنه لا يلوم المستشرقين ولا المبشرين حول ما اختلقوه من إفك حول الإسلام، وإنما اللوم كل اللوم يقع على من لبس عمائم العلماء وهو سوقي يدعي أن الإسلام يمهد لحرب الهجوم وينشر

دعوته بالسيف، ويدعي أن المسلمين الأوائل قد شنوا هجوما على قافلة قريش لأنهم مشركون مستباحون، ويتحدث عن آخر من نفس الطينة حيث زعم أن الحرب في الإسلام هجومية معللا ذلك بقوله إن الرسول عليه السلام أغار على بني المصطلق ، وهم غارون، أي باغتهم دون دعوة، ودون انتظار إيمان، ودون إتاحة أية فرصة للنجاة. ويتحدث عن ثالث ذهب إلى أن الحرب على هوازن وثقيف كانت هجومية…

كل هذا الهراء الذي يؤصل به هؤلاء ويستدلوا به على إستباحة الدماء والتكفير والرمي بالشرك في كل وقت وحين، ومثله كثير، يصفه الشيخ محمد الغزالي بالكذب القبيح والجهل الغليظ، معتبرا أن هكذا أقوالا وافتراءات لا تصدر سوى عن أناس يغلب عليهم القصور العقلي ولهم جرأة على إرسال الأحكام البلهاء بثقة العباقرة، وقد أصاب الإسلامَ شر كبير من هؤلاء المنتسبين إليه الجاهلين به وبتاريخه، فقد جروا عليه تهما منكرة.

والذي يرجع إلى كتب الشيخ محمد الغزالي يجدها ملأى بالردود الإسلامية القوية التي بها يفند أقوال وأفعال من يسمون أنفسهم بالسلفية بما يصحح فهمهم ويردهم إلى أصول الإسلام النقي تماما كما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام، وكله أمل أن يعودوا إلى جادة الصواب، ويربطوا الناس بالكتاب والسنة لا بفكر بشري اجتهادي معين يجوز فيه الخطأ والصواب، وأن يكفوا عن اغتيال عقولهم ويقوموا بتحويلها إلى كاشف ضوء يسلطونها على الحقائق فتنجلي، وعلى أولوية جمع شتات الأمة عوض التركيز على كل ما يشتتها ويمزقها أكثر مما هي عليه.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.