Home»Correspondants»رحل قبل عام فخَلّد المنهج !

رحل قبل عام فخَلّد المنهج !

0
Shares
PinterestGoogle+

بقلم د. محمد بالدوان
bouddiouan76@gmail.com
مر عام عن رحيله دون أن يجزم كثير من الناس بطبيعة الوفاة، أكانت وفاة عادية؟ أم كانت مدبرة بإحكام ولا يعلم تفاصيلها إلا العليم البصير، خاصة بعد تردد ذكر موته أمام الحشود على لسان رفيق دربه وهو يبدي استعدادا للموت في سبيل الله وحب الشعب؟
كان إذا حاصره أنصاره أو خصومه بأسئلة لإثبات قصور تجربته الحكومية أو عجزها عن قطع دابر الفساد، كان يجيب لافتا إلى المنهج: أنتم تحاكموننا بمنطق الثورة في حين نحن قَدمنا إلى الحكومة بمنطق التوافق الدستوري والإصلاح السياسي.
حين تلاقيه تجد فيه الرجل اللطيف والأخ الوديع، وليس بإمكانك استيعاب خطابه والنفوذ إلى حكمته ومراميه إلا إذا وَصَلْت القلب بالعقل.
كل ما قيل في شخصه نزر يسير، ومن استكثر في حقه طيب الكلام وجميل العرفان بصنيعه القدير وفِعله منقطع النظير، فقد سقط في فخ الصورة، ولم يعرف عنه غير الظاهر، أما روحه النشطة وعقله المبدع فقد عجزت بصيرة المستكثرين بإدراكهما.
حين حاضر في قضايا تجديد الفكر الديني، لم يبدأ الحديث عن قضايا تجديد المنهج إلا بعد تأسيسها على إشارات تجديد الإيمان؛ جوهر الفكرة الدينية. وإذا عَرّج على تجديد منهج الحركة الإسلامية استحضر معالم حركة تنهج السلم والسلام، وتتوسل الإصلاح والبناء.
أعاد الاهتمام لعبادة التفكر، وربما هرع إلى الوادي يومها ليتفكر في الآخرة، وليدنو من مكان زاره ملك الموت قبل أيام قليلة ليقبض أحد رجالات السياسة الأفاضل. ولا أدري إن كان على موعد مع الموت، وكان يعلم بوجود ما جاء للتفكر فيه يملأ المكان ويعد له ملحمة العودة إلى الواحد الديان، أم أنه كان يشعر فقط بدنو الأجل؟
قد يكون السيناريو الثاني أقرب من الواقع، فكيف يموت على فراشه من جعل حياته حركة في سبيل الله: سعي لقضاء حوائج الناس، إصلاح ذات البين، إكرام اليتيم، عيادة المريض، … فوجئ الجميع بموته إلا أني أرجح بأنه لم يفاجأ كثيرا بقدوم ملك الموت إلى قبض روحه.
كان اسمه عبد الله، عاش عبدا لله ومات عبدا لله، توقفت حركته العادية وهمد قلبه الصغير، غير أنه خلف حركة غير عادية، وترك قلبا يتحرك بنبضه المجتمع والحضارة، وكذلك العظماء يصنعون.
كان يغبطه على منصبه الكثير، وقد لا يغبطه على موته إلا القليل، ولما بلغني نبأ رحيله فكرت في رثائه، لكن كيف يرثى من أعاد الله خلقه في أعظم تقويم؟
لا أخفيكم سرا إن قلت لكم بأني استلهمت مقالتي « الإصلاح نهج الأقوياء » قبل وفاته من مؤَلّفه « سبيل الإصلاح »، وأصْدقكم بأني كلما كتبت جملة منها غمرت خيالي صورة عبد الله، وما هي إلا ساعات حتى ملأ ذكره السماء والأرض. وسلوى نفسي فيه أني تحدثت بحضوره في جمع عن ريادته في العمل الإسلامي التجديدي، ولم يلمحه بصري مبتسما كشأن كل من يتلقى مديحا، بل طأطأ رأسه تواضعا وكأني به كان يردد دعاء الأولين: »اللهم لا تؤاخذني بما يقولون، واجعلني خيرا مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون ».
وقد ختمت تلك المقالة بأبيات عن نهج الإصلاح وأنشدت في أواخرها:
أبشر مِن بابٍ ولو كان ظاهره عذابا » » » » فإن باطنه يخفي رشدا تجنيه إكراما
وقل للحزم أقبل شبرا فسنأتيك أميالا » » » » وقل للعابد يكفيك ذاك النهج إحراما
وبعد نعي الفقيد بأيام أكملت منشدا، مع بعض التنقيح بعد إعادة القراءة:
أين عبدٌ ظل يحيي في الإخوان إيمـانا » » » »ويبعث الإصلاح في النفوس إلهاما
طوافُ فكرٍ ذاكرٍ يجول الدنيا تسبيحـا » » » »وقافٌ عند حد الله لا يجتاز أحكاما
نال الولاية حائزا من الشعب تفويضا » » » »وحَلّ بصرح كان يَأتي ثراه أحلاما
تهيب قابض الروح قطع الخير إِنهاء » » » »ويمضي عبد الله إلى الرزايا مقداما
وكأن الموت مد يديه ليـروي ضمآنـا » » » »وكـأنه تفادى اليوم أن يكون هدامـا
نهْجُ الصفاء خالدٌ شعاع النور مصباحا » » » »هو الإحسان بِرا متين النَّسْج إِحكاما
وبعد سنة أضفت مستحضرا بعض ما جد بعد وفاته:
تمضي السنون والنَّهْج يؤتي أرطابــــا » » » » فكيف باللؤم لا يحصي الخير إلـمامــــــا
ذووا الحاجة غَبَطوا الأرامل استبشارا » » » » وأهل النفوذ دَكّتهم الأقدام إرغــامــــــــا
نَمْ أبو الأمين قرير العيـــن مرتاحـــــا » » » » فلما أرادك الشعب صرنا للشعب خُدّاما
وكُفّ عن حمل هموم الشعب أثقــــالا » » » »فكل نكاية عجزت عن كَدْم الجسم إيلاما
واسأل شهيد النضال يَرْويكَ أحزانــــا » » » »ويَحْكيكَ كيف صارت الأخلاق أوهامــا.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *