Home»Correspondants»شتان بين النجاشي الأسمر الإنساني، والنجاشي الأشقر الرأسمالي

شتان بين النجاشي الأسمر الإنساني، والنجاشي الأشقر الرأسمالي

0
Shares
PinterestGoogle+

شتان بين النجاشي الأسمر الإنساني، والنجاشي الأشقر الرأسمالي

حمل مقال نجاشي القرن 21 حقيقتين اثنتين، إذ ذكر الكاتب –مشكورا- في مطلع المقال بحقيقة تاريخية تحكي عدل النجاشي ملك الحبشة واستقباله لوفود المهاجرين الأوائل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم؛ ورصد حقيقة راهنة تعبر عن الخذلان العربي للاجئين السوريين، خصوصا الدول الخليجية التي أغلقت حدودها في وجههم وتنكرت لهم.

ولكن بإزاء الحقيقتين المذكورتين ثمة بعض القضايا الملتبسة، خصوصا ما يرتبط بقراءة الأحداث الراهنة إلى درجة أن تصير أوربا بمثابة نجاشي القرن 21 الذي لا يظلم عنده أحد؛ ففي هذه الحيثية بالذات أجدني مضطرا لبيان بعض الحقائق اختصارا:

انتشرت مسألة اللاجئين السوريين في الفترة الأخيرة وأصبحت قضية دولية، ولا شك أن الإعلام الأوربي المضلل عمل على إثارة هذا الموضوع في هذه اللحظة بالضبط، رغم أن المأساة السورية قتلا ودمارا ولجوءا… يزيد عمرها عن أربع سنوات، وجعل الإعلام نقطة الانطلاق صورة الطفل الغريق أيلان كردي التي تصدرت صفحات المجلات العالمية، وخلقت رأيا عاما عالميا؛ فلماذا الآن بالضبط؟ وما حدود المسؤولية القانونية والأخلاقية لأوربا إزاء قضية اللجوء؟

رغم أن الموت ظلما، وفي حق الأطفال بالخصوص حقيقة مرة، تستدعي الاستنكار الشديد ومحاسبة الفاعلين، إلا أن أوربا تميز بين من مات غرقا أثناء اللجوء، ومن مات ذبحا بالسكاكين أو خنقا بالكيماوي أو حرقا بالبراميل المتفجرة والقنابل العنقودية والفراغية، كما حصل ويحصل مع عشرات الآلاف من السوريين كبارا وصغارا في الحولة وبنياس ودوما وداريا والغوطتين وحمص وحلب… فلماذا كانت المجلات العالمية تتحاشى صور الضحايا ولا تريد أن تضع الأصبع على موطن الداء؟ الفرق واضح، لأن الموت غرقا تتفرق مسؤوليته على جهات كثيرة: الدول التي ترفض استقبال اللاجئين، المنظمات الإغاثية، المتاجرين في البشر…أما أشكال الموت الأخرى فمسؤوليتها تقع على النظام السوري المجرم مباشرة، وهو الأمر الذي تحاول أوربا تفاديه مرة بعد مرة، مع الاحتفاظ بالمناورة الخبيثة كالادعاء أن استعمال الكيماوي خط أحمر، ثم لا تحرك ساكنا وقد تجاوز بشار المجرم كل الخطوط.

أوربا مسؤولة عما يقع في سوريا –وأمريكا أيضا-، فلا يقبل منها التباكي على اللاجئين، أو التظاهر بالرحمة والعطف عليهم، مسؤولة لأنها تدعم الديكتاتوريات العربية، وتثبت نظام الأسد، وحضرت وصول مضادات الطيران إلى أيدي المعارضة السورية المسلحة، وعارضت إقامة مناطق آمنة في الشمال السوري، وميزت بين محاربة داعش وقتال النظام السوري، رغم أن إرهاب الدولة أشد فتكا. أوربا تتاجر بالملف السوري وبدماء الأبرياء، وتتركهم فريسة للأسد والأطماع الإيرانية، ثم تريد أخيرا أن تحضى بميزة أخلاقية في قضية اللاجئين، إلى درجة أن ترفع ميركل الألمانية عقيرتها مفتخرة بأن أوربا استقبلت اللاجئين المسلمين في حين لم تستقبلهم مكة وهي أقرب، متناسية أن ألمانيا شكلت الاستثناء الأوربي سنة 2013 برفض تسليح المعارضة بمضادات الطيران التي كانت كفيلة بحفظ أرواح الأبرياء واستقرارهم في بلدهم؛ مع العلم لو أن أوربا قامت بواجباتها الدولية أولا لما كانت مسألة اللجوء من أصلها، ولو أنها قدمت على الأقل مساعدات مالية وإنسانية كافية لمخيمات اللاجئين في دول الجوار، لما اضطر السوريون إلى سفر بعيد الشقة، ولكنها تركتهم في الجحيم والمذلة كمخيم الزعتري بالأردن ومخيمات لبنان. في حين أن تركيا استقبلتهم وأكرمتهم بل سمتهم ضيوفا، واعتبرت ذلك واجبا إنسانيا لا يحتاج إلى مدح، ولم توصف بأنها نجاشي.

مسألة أخرى ينبغي الانتباه إليها، فلا يبعد أن تثار مسألة اللاجئين في هذه الظرفية، وتفتح الحدود في وجه موجات الهجرة، من أجل إفراغ سوريا من شعبها، وفرض توزيع إثني وطائفي جديد وتقسيم جغرافي تمهيدا لتقسيم سياسي؛ وهو الأمر الذي بدأت تفاوض عليه إيران علانية حين اشترطت إفراغ الزبداني ومحيطها من كافة السكان السنة من أجل توطين الشيعة. ثم يرجع اللاجؤون بعد سنوات « الاستضافة » الأوربية ليجدوا سوريا قد أصبحت دويلات متعددة: سنية وشيعية وعلوية وكردية، ويعلموا حينذاك أن أوربا ما استقبلتهم في بيتها إلا لتتلاعب ببيتهم الأصلي.

أضف إلى ما سبق أن عناوين الأخبار تفيدنا بمتفرقات تسهم في تجميع أجزاء الصورة:

ألمانيا تحل مشكلة اليد العاملة لديها من خلال لاجئي سوريا، بولندا ترحب بالسوريين المسيحيين وترفض استقبال المسلمين، المجر تتعامل مع اللاجئين بتصرفات تحط من الكرامة الإنسانية، مصورة مجرية تركل اللاجئين، مقتل أكثر من سبعين لاجئا في شاحنة بالنمسا… فهل بعد هذا كله يمكن تشبيه أوربا بالنجاشي الملك الذي لا يظلم عنده أحد؟ و قد وصل ظلمها إلى سوريا قبل وصول اللاجئين، وهي تناور بحسابات إمبريالية ورأسمالية مغلفة بأقنعة أخلاقية وإنسانية؛ بل حتى المواقف العربية المخزية تجاه سوريا ولاجئيها يحسب جزء منها على التأثير الأوربي والأمريكي، وليس هذا من قبيل التفسير بنظرية المؤامرة، ولكن الثوابت العامة للنظام الدولي الجديد القاضي بالتحكم في دول الهامش وتوجيه سياساتها ودعم الديكتاتوريات الموالية للغرب…وحينئذ لا يمكن الحديث عن موقف أو اختيار عربي، بل عن موقف غربي مبطن، وعن رجع صدى معلن من حليف أو عميل، ولا يهم أن يسمى بعد ذلك عربيا أو عبريا فالكل شريك في الجريمة، أما السوريون فلا نجاشي لهم.

مصطفى صادقي

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

3 Comments

  1. خيري
    11/09/2015 at 01:23

    حقيقة ، كثير من المسلمين اغتروا بما فعلته أوربا اتجاه السوريين ، و لكن مقالك هذا ، كشف عورة اليهود الخائنين و كيد النصارى

  2. كاتب مقال النجاشي
    11/09/2015 at 09:43

    اولا كل الشكر لصاحب المقال الذي يتين ان هناك نقاط متفق عليها في المقالين و نقاط نختلف فيها و هناك تباين في وجهات النظر و اختلاف في المرجعيات الفكرية و الثقافية و هذا شيء طبيعي اظن.و لكن اسجل اني اجد غصة ان يتحول الصراع في المنطقة الى صراع فقهي بين السنة و بين الشيعة عوض ان يكون تعاون بينهما ام الامسائل الفقهية و المرجعيات الدينية فتترك جانبا.و اجد حرجا ان يصطف السنة من بلدان الخليج و تركيا وراء العالم الغربي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية و اسرائيل ،عوض ان يتحد السنة و الشيعة لمواجهة الخطر الصهيوني الذي يدمر الامة العربية و الاسلامية و العالم اجمع.و يظهر ذلك من خلال التعاليم التلمودية و كتبهم الدينية.و لعل الرسول الكريم عانى كثيرا من هذه الامة الكافرة و القران الكريم حافل بالامثلة عن هذه الامة التي تعيث في البلاد الفساد .فاذا كان الله الخالق سبحانه قد نبه المسلمين من خطر هذه الامة ،فلماذا تسعى البلدان الخليجية الى الانضمام الى المعسكر اليهودي و قريبا ستسعى الدول الخليجية الى التطبيع مع الدولة اليهودية و تعترف بيهودية الدولة العبيرية،و هذا ما اشار اليه رئيس وزرائهم في اليومين السابقين.و استغرب من مواقف هذه الدول التي تعترف باسرائيل تحت الطاولة و تعارضها فوق الطاولة كما يقول
    استنتج و الخص و اقول انه عوض ان نستفيد من تقدم ايران في الميادين العلمية و الصتاعية و الاقتصادية جعلناها عدوة لنا ،و جعلنا عدونا الازلي منذ القدم الى صديق. و للعلم انا لست لا شيعيا و لا سلفيا و لا اي مذهب ، بل مؤمن ان الاسلام واحد و الدين واحد و الرب واحد.و توزيع المسلمين الى فرق و مذاهب هو اكبر غلطة ارتكبها المسلمون.

  3. on ne badine pas avec Israël
    13/09/2015 at 21:35

    ايها الاخوة لو اجتمع سنيو الدنيا والآخرة وشيعيو الدنيا والآخرة واتفقوا واتحدوا على القضاء على اادولة اليهودية ما استطاعوا ذلك لان اسرائيل دولة عسكرية بامتياز ولها من القوة العسكرية و الحربية ما تمحي به الدول العربية من على الخريطة ولو تضاعف عددها.

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *