خطوة ايجابية أقدمت عليها وزارة التربية الوطنية

1)الخطوة الايجابية:
أعلنت بعض وسائل الإعلام الالكترونية عن إقدام وزارة التربية الوطنية على خطوة تجريبية ينتظر أن تعمم على باقي مدارس التراب الوطني.و يتعلق الأمر بتقليص الساعات الدراسية في المستوى التعليمي الأساسي من 30 ساعة كما هو معمول به في الوقت الحالي الى27 ساعة ،كما كان معمولا به في سنوات الستينات في بعض المدارس ذات التفويجات المتعددة.كما صاحب هذا الإعلان عزم الوزارة إلى التقليص من حجم المقررات الدراسية(المحتويات من حيث عدد الدروس و الكم الذي تحتويه).
وهي خطوة ايجابية ،خاصة و أن الأمر يتعلق بتلاميذ صغار يمثلون في مقياس علم النفس النمو، مراحل الطفولة المتوسطة و المتأخرة و بداية المراهقة(من 6 إلى 13 سنة).وكما نعلم فان المقررات المعمول بها حاليا قد احتلت نصيب الأسد في اليوم و الأسبوع و الشهر و السنة، بالنسبة لوقت التلميذ. وحرمته من أن يعيش بكيفية طبيعية طفولته(التي يكون اللعب فيها يأخذ حصة الأسد)،إلا نسمع عن براءة الأطفال و مرحهم و لعبهم؟،كل هذا حرم منه الأطفال،و جعلنا منهم راشدين قبل الأوان.لانتا جعلنا النهار للدراسة و الليل لانجاز التمارين و تحضير الدروس و المراقبة و الاختبارات…فلا مكان للعب أو للهوايات الخاصة…و اللعب(الوقت الرابع) هي الحصة التي يشعر فيها الطفل انه مازال طفلا. فلا معنى للطفولة في أي بلد بدون لعب أو بوقت خاص بالطفل.
ومن أخطائنا الشائعة أننا جعلنا حتى من سنوات رياض الأطفال (من 3الى5سنوات) سنوات تدريس فعلية(الكتابة و القراءة و الحساب و المحفوظات من كل شيء.. الخ…)مع العلم أن حصة الأسد(في هذه السنوات الأولى) من الوقت ينبغي أن تصرف في اختراع العاب ترفيهية( حكايات غناء موسيقى رقص تلوين تقطيع خرجات إلى الطبيعة أو استكشافية…) و العاب تربوية و تعليمية…
2) الخطوات المقترحة
نتمنى أن الأمر لا يقف عند هذا الحد،بل يرجى ان تتبعه خطوات أخرى شجاعة من اجل إحياء و إعادة الحياة إلى المدرسة و التي شارفت على الموت و الفناء.
فمن اجل الرفع من مستوى التلاميذ الذي بدأ يشكو من ضعفه الخاص و العام من الناس -حتى أولئك للذين ليس لهم أية صلة بالمدرسة-أصبح لديهم الاقتناع بضعف المردودية المدرسية و الأداء المدرسي
ينبغي أن تعطى لحصص التربية العلمية بما فيها التجارب العلمية الحصص الكافية التي يجب أن تتعدى الحصة الواحدة أسبوعيا، نظرا لما هذه المواد من تأثير على بناء المنهج العلمي القائم على الملاحظة المنظمة و بناء الفرضيات و تنظيم المعطيات، و قراءة النتائج والخلاصات منذ الصغر.
الى جانب ذلك ان تكون وحدة للغة العربية و الفرنسية ،لها هدف التمكن من القراءة و الكتابة و التواصل. ووحدة للرياضيات و العلوم،ووحدة للتربية الفنية(الرسم و النحت و الموسيقى وان كان بالسماع فقط) والتربية الخلقية والتربية الصحية والتربية البدنية.على أن يكون لكل وحدة المدرس الخاص بها،و يضاف إلى هذا مدرس مختص بالدعم التربوي و النفسي خاص بالمتعثرين(هذا النموذج عملت به فرنسا منذ بداية الثمانينات..يراجع في هذا الشأن شريط بعنوان les enseignants des champs/centre culturel français).
أن يكون الهدف من التربية البدنية هو إعطاء التلميذ_ الطفل المجال للعب في الأقسام الصغرى(من3الى9)و الانتقال به إلى الرياضة البدنية في الأقسام النهائية من التعليم الابتدائي. يتصاحب هذا اللجوء إلى مدرس الوحدات(نظام الاختصاص)،عوض النظام الحالي الذي قد تسند إلى مدرس واحد ، أكثر من مستوى واحد (عربية و فرنسية و رياضيات و نشاط علمي الخ)وفي بعض الأحيان قد تصل إلى 6 مستويات، و جميع المواد…هذا النموذج الذي يطلق عليه (الأقسام المشتركة) و الذي كانت له نتائج كارثية على تعليم و تعلم التلاميذ… و الذي عمل به لأسباب اقتصادية و ليس تربوية …
أن يكون النجاح من قسم إلى أخر بناء على المعدل و لمن يستحق،كما كان منذ الاستقلال، وذلك لهدف الرفع من مستوى التلاميذ و مستوى التعليم ،عوض المبدأ المعمول به حاليا دعه يمر دعه ينجح :( أي احتلال المنصب الشاغر).
أن تنتقل الدولة من النظرة إلى التربية التعليم كقطاع مستهلك، لا فائدة منه باعتباره قطاعا يلتهم ميزانية ضخمة(في نظر البعض قد تقترب من وزارة الدفاع الوطني) بدون أن تكون له مرد ودية اقتصادية فعلية و آنية،إلى النظرة إليه انه قطاع تنموي، و يساهم في التنمية البشرية و الاقتصادية للمجتمع ككل.فهو القطاع الوحيد الذي يمد و يغذي كل القطاعات الاجتماعية و الثقافية و العلمية و التعليمية و الاقتصادية و السياسية و العسكرية في الوطن كله الخ.. انه استثمار في الإنسان على المدى البعيد و الطويل، و ليس مشروعا خاسرا كما كان ينظر إليه .
أي أن ننتقل من النظر إلى التعليم كقطاع اقتصادي غير منتج و لا يسهم في الثروة او إنتاجها، إلى النظر إليه نظرة تربوية مدنية و حضارية، باعتباره قطاعا يكون الأطر العليا و المتوسطة و الدنيا،و يسهم في تكوين المواطن، و يساهم في تنمية المجتمع الصغير و الكبير.
هذا جزء من طموح الآباء و الأمهات و الساهرين على هذا القطاع،قد يبدو حلما الآن، و في الحاضر، و لن يكتب له التحقق بمبررات الصعوبات الاقتصادية و الكلفة المالية، و لكن لا يمنع أن نتمنى له التحقق و التنفيذ في المستقبل..
أخيرا، لا باس أن نستشهد برأي المفكر المغربي الكبير المرحوم الدكتور محمد عابد الجابري عن مساهمة التعليم في إنتاج الثروة و التقدم الاجتماعي : »…و يؤكد « الفريد مارشال »في كتابه (مبادئ الاقتصاد)الصادر عام 1890 على الدور الاقتصادي للقدرات البشرية.فهو يقول: »إن القدرات البشرية بوصفها وسائل للإنتاج تلعب دورا أكثر أهمية من الدور الذي تلعبه الأشكال الأخرى للرأسمال ».و كلما خضعت هذه القدرات للعمل التربوي كانت أهميتها بالغة…ومن هنا ابرز أهمية تعليم الأطفال و العمال تعليما يمكن من استغلال مواهب الفرد إلى أقصى حد ممكن، »مبدأ التخصص ». »و القيمة الاقتصادية للرجل العبقري الواحد في ميدان الصناعة تكفي لتغطية النفقات التي تصرف على التربية في مدينة بأسرها »ذلك لان « فكرة جديدة يقول بها هذا العبقري قد تؤدي إلى اختراع يضيف إلى اقتصاد البلد قوة إنتاجية اكبر من القوة الإنتاجية التي يخلقها عمل مئات الآلاف من الرجال » و هكذا »فيما أن أغلى و أثمن رؤوس الأموال هي تلك التي تستثمر في الميدان البشري،فان التربية يجب أن تكون استثمارا وطنيا »…المرجع :من اجل رؤية تقدمية لبعض مشكلاتنا الفكرية و التربوية. مطبعة دار النشر المغربية. الدار البيضاء، 1977.ص:134 .
انجاز:صايم نورالدين





Aucun commentaire