دلالة عيد النحر
من أعظم نعم الله عز وجل على عباده المؤمنين نعمة عيد الأضحى المبارك ، وهو أعظم عيد عند المسلمين على الإطلاق ، وهو عيد يجسد علاقة المحبة بين المؤمنين وخالقهم. وهو مناسبة تجديد عهد هذه المحبة . لقد كان المشركون في الجاهلية يتعلقون بأصنام لا تنفعهم ولا تضرهم ويكنون لها المحبة لهذا كانوا يقدمون لها القرابين ويضعون لحوم القرابين عليها ، وينضحون عليها الدماء . ولما من الله على المؤمنين بنعمة الإيمان اشتد حبهم له فتفضل عليهم بنعمة العتق من النار والعفو والمغفرة يوم الحج الأكبر وهو يوم عرفة ، وجعل خاتمة العفو عيدا تذبح فيه الذبائح التي لا يعنيه سبحانه وتعالى منها إلا التقوى كما جاء في قوله جل من قائل : (( لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم وبشر المحسنين )).
فالله تعالى لا يشارك المؤمنين في ذبائحهم كما كان المشركون يشركون أصنامهم في ذبائحهم بل هي هدية من الله عز وجل بمناسبة عفوه ومغفرته لعبادة المؤمنين بعد وقفة عرفة ، وهي وقفة تضرع وإقرار بالذنوب والاستغفار منها . وما التقوى التي يريدها الله عز وجل من وراء طاعة النحر سوى الخوف منه والحذر من الخروج عن طاعته. فالمؤمن عندما يتقرب إلى الله عز وجل بالهدي إنما يعبر عن إقراره لله تعالى بالألوهية والربوبية ، وإقراره بعبودية وطاعته له ، وهذا ما يريده الله من طاعة النحر . وهكذا يكون عيد النحر هو فرصة سنوية للتعبير عن الطاعة والخضوع لله تعالى خضوع محبة لإله غفور رحيم يتجاوز عن عباده خطاياهم بعد وقوفهم بين يديه ضارعين متوسلين يوم الحج الأكبر. قد توجد مظاهر التعبير عن الخضوع لله تعالى طيلة أيام السنة كما هو الحال بالنسبة لقيام وركوع وسجود الصلوات اليومية الخمس ، ولكن الله تعالى جعل لنا مظاهر تعبير أخرى عن طاعته في فرص سنوية كرمضان وعيد النحر. وليس من قبيل الصدفة أن تقترن طاعة النحر بعبادة الحج وتحديدا بعد الوقوف بعرفة الوقفة المعلومة بالضراعة لله تعالى والتي يعقبها عفوه ومغفرته فيكون النحر بعد ذلك بمثابة التعبير عن الفرحة بالظفر بالمغفرة والعفو. ومن فضل الله تعالى على المؤمنين أنه عمم طاعة النحر لتشمل حتى الذين لا يقفون في عرفة ولا يحجون لأنه سبحانه يعمم فضل مغفرته وعفوه على كل المؤمنين في كل مكان ، لهذا ينحر الجميع حيثما وجدوا شكرا لله تعالى على نعمة عفوه ومغفرته لهم حيثما وجدوا. ومعلوم أنه من عادة الإنسان إذا ما ظفر بخير أو بجائزة عبر عن فرحه بذلك بشتى الطرق منها تقديم الهدايا. وعيد النحر إنما هو تقديم هدايا الأضاحي شكرا لله تعالى . ومن عادة المحتفل بالظفر وبالخير أن يقيم الولائم ويطعم الطعام تعبيرا عن فرحه بظفره لهذا أنعم الله تعالى على المؤمنين بهدية عيد النحر وهي عبارة عن ذبائح يذبحونها تعبيرا عن شكرهم ومحبتهم لخالقهم الذي واجه ذنوبهم بالصفح والعفو ، وفي نفس الوقت يفرحون بالأكل منها وبإطعام المساكين منها لقوله تعالى : (( والبدن جعلناه لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر كذلك سخرها لكم لعلكم تشكرون )) وهذه الآية الكريمة تصرح بالغرض من النحر وهو شكر الله تعالى على نعمة العفو والمغفرة ونعم تسخير الخير.
إن الذبائح عبارة عن هدايا يأكل منها أصحابها ويتمتعون بها ويشاركهم فيها المحتاجون سواء كانوا من صنف القانع وهو السائل بالمقال ، أو من صنف المعتر الذي لا يسأل الناس سؤال المقال بل سؤال الحال ، وما حال مثل هذا الصنف بخاف عن المؤمنين . و نعمة النحر نعمة أنعم بها الله عز وجل على نبيه الكريم إبراهيم الذي اتخذه خليلا لقوله تعالى : (( واتخذ الله إبراهيم خليلا )) ، وما اتخذ الله عز و جل إبراهيم خليلا إلا لأن حب هذا النبي الكريم لربه كان فوق حب غيره ذلك أنه لم يفضل على حب الله تعالى أبا ولا ابنا ولا زوجة ولا عشيرة ولا مالا ولا ديارا وهي أمور تستأثر بحب الإنسان وتنسيه حب خالقه سبحانه وهو مصدر كل النعم. وأصدق الحب ما كان حبا للمنعم لا حبا للنعم لهذا قال الله تعالى : (( قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين )) فمن الفسوق وهو الخروج عن الطاعة أن يتحول الحب من حب المنعم سبحانه إلى حب النعم. ولما كان حب إبراهيم عليه السلام للمنعم لا للنعم فقد اتخذه الله تعالى خليلا ، وجعله لنا إسوة فقال سبحانه : (( قد كان لكم إسوة في إبراهيم )). ومن التأسي بنبي الله إبراهيم عليه السلام اتباع نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم وهو خير من اقتدى وتأسى بأبيه إبراهيم عليه السلام لقول الله تعالى مخاطبا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: ((ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين))فمن رغب في ملة إبراهيم عليه السلام لزمه ا تباع محمد صلى الله عليه وسلم ، ولا سبيل إلى ملة إبراهيم عليه السلام إلا بواسطة سنة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، ومن يرغب عن سنة محمد صلى الله عليه وسلم فإنه يتعمد تنكب ملة إبراهيم عليه السلام لهذا قال الله تعالى : (( ومن يرغب عن ملة إبراهيم غلا من سفه نفسه)) وأية سفاهة أكبر من تنكب ملة إبراهيم عليه السلام من خلال تنكب سنة سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام.
وإذا ما بلغ المؤمن درجة محبة الله عز وجل التي بلغها إبراهيم الخليل عليه السلام ، وبلغها سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ، فإنه سيحظى بالجوائز والأوسمة التي نالها إبراهيم الخليل عليه السلام وقد ورد ذكرها في كتاب الله عز وجل منا خلة الله تعالى ومحبته وأكرم بها من مرتبة ومن وسام ، والاصطفاء ، والصلاح ، والحكمة ، والملك ، والولاء لله مع البراء مما سواه ولو كان أب الرحم ، وقوة الحجة ، وصواب الوصية ، ورسوخ الإيمان ، وأمن المقام ، واستجابة الدعاء عبر الزمان والمكان ، وبناء أشرف بنيان ، والصبر على البلاء ، والجائزة بعد البلاء ، وكل ذلك الدين القيم والملة الإبراهيمية . وأخيرا أقول إن الاقتداء بسيدنا إبراهيم عليه السلام وبسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لا يجب أن يقتصر على طاعة النحر بل يجب أن يشمل كل الطاعات ذلك أنه ما أطاع ربه في النحر وهو على المعاصي مع سبق إصرار لا طاعة له و حجة معه . وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين كما صلى وسلم وبارك على سيدنا إبراهيم وعلى آله إنه حميد مجيد .




Aucun commentaire