الأزمة الاقتصادية العالمية من منظار إسلامي

اختلفت وتعددت وجهات نظر خبراء الاقتصاد العالميين بخصوص الأزمة الاقتصادية العالمية وفسرت التفسيرات المختلفة لاختلاف الإيديولوجيات الرائجة ، وعند التأمل لا نجد التفسير الإسلامي لهذه الأزمة علما بأن دين الإنسانية جمعاء مغيب ، مع أنه صاحب الكتاب الذي لم يغادر شيئا من أحوال البشرية في ماض أو حاضر أو مستقبل إلا وتناولها لأنه من لدن خبير عليم . ولا يمكن لهذه الأزمة العالمية الحالية أن تكون خارج تغطية القرآن الكريم الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : » إن الله أنزل هذا القرآن آمرا وزاجرا ، سنة خالية ، ومثلا مضروبا ، ففيه نبؤكم ، وخبر ما كان قبلكم ، ونبأ ما بعدكم ، وحكم ما بينكم » فبموجب هذه النبوءة الصادقة كان من المفروض أن يلتمس رأي القرآن الكريم في الأزمة الاقتصادية العالمية . فالعالم وعلى رأسه ما يسمى الدول المتقدمة تعلن عن برامج للتقشف ، وتقرع أجراس الخطر ، وتتحرك شوارعها بالإضرابات ضد سياسات التقشف ، فما ذا حدث ؟ هل نفدت خزائن الله عز وجل وهو القائل في محكم التنزيل : ((ولله خزائن السماوات والأرض )) والقائل أيضا : (( وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم )) والقائل أيضا : (( قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتورا )) فلا أحد من البشر يملك خزائن السماوات والأرض ليحكم عليها بالنفاد والله مالك الخزائن يقول : (( إن هذا لرزقنا ما له من نفاد )) .
فالمشكلة إذا في البشرية وليست في خزائن الله عز وجل.إن ما وقع في العالم من وجهة نظر القرآن الكريم هو قول الله تعالى : (( وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون )) فهذا مثل قرية هذا العالم وهكذا يسميها أهل هذا العصر بعدما قربت وسائل الاتصالات المعاصرة بين أهلها المسافات ، بل يزعمون أن العالم صار بسبب تلك الوسائل قرية صغيرة ، وهو كذلك كما جاء في المثل الذي ضربه الله عز وجل في القرآن الكريم ولله المثل الأعلى . لقد كفرت قرية العالم الصغيرة بأنعم الله فأذاقها سبحانه وتعالى لباس الجوع والخوف بما صنع أهلها . فماذا صنع أهل القرية الصغيرة ؟ لقد حولوا قريتهم إلى قرية ظالمة جائرة ، وسبب شيوع الجور فيهم هو تكدس الرزق عند بعضهم ، وهو تكدس صرف في غير ما ينفع القرية من حروب وغيرها . فالله تعالى خبير بعباده وهو القائل : (( إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه بعباده خبير بصير )) وهو القائل أيضا : (( ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير )) إن المعادلة الاقتصادية التي لا يبالي بها خبراء الاقتصاد أن بسط الرزق يساوي البغي ، وهو ما حصل بالفعل حيث بسطت أرزاق الدول الغنية فوقع منها البغي فكان لا بد أن يسري عليها الناموس الإلهي وهو أن يذيقها الله لباس الجوع والخوف مقابل البغي. وخزائن الله تعالى لا زالت كما كانت مليئة ، والمشكلة في قرية العالم الصغيرة تكمن في بشرها . وليست الحلول فيما يقترح البشر الباغي من تقشف أو تسريح للعمالة ، أو تمديد لسنوات شغلها ، أو إشعال للحروب إلى غير ذلك من الحلول الضالة الطائشة بل الحل كما قال الله تعالى في محكم التنزيل : (( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كان يكسبون )) إذا فالأزمة الاقتصادية العالمية الحالية هي عبارة عن أخذ الله للبشر بما كانوا يكسبون .
والحل كما قال الله عز وجل : (( ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون )) . فأهل قرية العالم الصغيرة لا يقيمون ما أنزل إليهم من ربهم وهو القرآن الكريم آخر رسالة سماوية بعدما حرفوا الرسائل السابقة التوراة والإنجيل وعطلوهما بسبب التحريف . والأمة المقتصدة أي المعتدلة في قرية العالم الصغيرة قليلة ، والكثرة الكاثرة منها ساء ما تعمل ، ومن سوء عملها استغلال الرزق المبسوط لممارسة البغي وهو ما جر النقمة الإلهية على القرية برمتها ، وهي لباس الجوع والخوف. فكثير من الناس في قرية العالم الصغيرة يلتمسون الأرزاق عند بشر مثلهم مع أن الله عز وجل يقول: (( إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون )) كما يقول : (( قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون )) فالاقتصاد العالمي بيد مالك خزائن السماوات والأرض وهي ملكية حقيقية ، وتدبيره هو التدبير الحق وليس بعد الحق إلا الضلال ولكن سكان قرية العالم الصغيرة منصرفون عن الحق إلى الضلال ، وفيهم يقول الله تعالى : ((ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض شيئا ولا يستطيعون )) فكثير من سكان القرية يطيعون أهل البغي فيها مع أن هؤلاء لا يملكون شيئا في أرض ولا في سماء ولا يستطيعون ذلك ، والذي يملك ذلك هو رب العزة جل جلاله القائل : (( وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين )) والقائل أيضا : (( وكأي من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم )) فالعالم بمستقر ومستودع دواب قرية العالم الصغيرة هو ضامن أرزاقها دون غيره من البشر الباغي . فالله تعالى تكفل بأنصبة الدواب المرتزقة أي الملتمسة الرزق عنده مهما قلت هذه الأنصبة حتى ولو كانت في حجم حبة الخردل لقوله سبحانه : (( إنها أن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير )) فالسماوات والأرض والصخر هي عبارة عن حيز ملكه بيد الله عز وجل ، ومثقال حبة الخردل من رزق في هذا الحيز علمه وخبرته عند الله عز وجل ، ومن لطفه بعباده في قرية العالم الصغيرة ـ وما اللطف سوى العلم بدقائق الأمور وإيصالها إلى حيث يجب أن تصل ـ أنه سهل لهم ما ينزل من السماء وما هو مخبوء في الأرض أو في صخرها ، وما هو خارج منها إلى سطحها ،و لا طاقة للبشر من أجل الوصول إلى ما هو في مثقال حبة الخردل من رزق في حيز الكون إلا بلطف اللطيف الخبير جل جلاله وتقدس اسمه . وأخيرا بقيت نصيحة أتوجه بها إلى الأمة المقتصدة في قرية العالم الصغيرة وهي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : » من أصبح منكم آمنا في سربه معافى في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا » هذا كلام موجه إلى الأمة المقتصدة المعتدلة ولكنها مع الأسف غافلة عن شرع ربها وغارقة في متابعة الكثرة الكاثرة المسيئة العمل في قرية العالم الصغيرة ذلك أن حيازة الدنيا وجمعها إنما يتأتى بسلم وصحة وعافية وقوت يوم لا بالصراعات والحروب والأوبئة والأمراض والاحتكار لقوت القرون الطويلة .
وإذا كان دأب أهل قرية العالم الصغيرة هو البغي بسبب ما يبسط عليهم من رزق فدأب الله عز وجل أن يذيقهم لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون . وصدق الله العظيم إذ يقول : (( وما أرسلنا في قرية من نبيء إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء فأخذناهم بغتة وهو لا يشعرون ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون أو أمن أهل القرى أن يـأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون )) لن تكون قرية العالم الصغيرة خيرا من القرى البائدة قبلها ، ولن يجديها أنها عفت أي كثر عددها وعدتها ، ولن يجديها أن يكون لها تاريخ يقص عليها ما أصاب الآباء والأجداد من ضراء وسراء ، ولن يخطئها ناموس الله وهو الأخذ بالبأس المباغت ليلا أو نهارا ، وما الأزمة الاقتصادية العالمية إلا نوع من الأخذ المباغت ولن يأمن مكر الله عز وجل إلا القوم الخاسرون وما أفدح خسارة قرية العالم الصغيرة ولكن الناس لا يشعرون ولا يعقلون وسبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .




2 Comments
تصحيج : قال الله تعالى ((فأخذمناهم بغتة وهم لا يشعرون )) وقع سهوا مني : « وهو « عوض « وهم » فاستغفر الله العظيم
ربما يقصد الأستاذ (منظور) إسلامي و ليس منظار إسلامي
و الواقع أن الأزمة ليست اقتصادية كما يروج كثيرون إنهاازمة مالية فقط و لها آثار سلبية على المستوى الاجتماعي
و به وجب التنبيه و شكرا