رمضان فرصة للتجارة مع الله
هل يمكن أن نتحدث عن التجارة في الإسلام التجارة التي رأسمالها العطاء والصدقة والإنفاق؟
هل يمكن أن نجعل الله تعالى الخالق البارئ شريكا لنا في أعمال تجارية محضة تشمل كل مصطلحات التجارة العالمية المتعارف عليها كرأس المال و الربح والبوار والنسبة والشراء والبيع والقرض والضعف والشركة والإفلاس.
1
– التجارة مع الله في القرآن الكريم.
قال الله عز و جل » يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله و رسوله و تجاهدون في سبيل الله بأموالكم و أنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون »
{إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ }فاطر29
و قال عز و جل » و من الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم و أموالهم بأن لهم الجنة) »
{مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }البقرة245
وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ }المائدة12
وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً
و قال صلى الله عليه و سلم » كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها
ويقول سائلا أصحابه: أتدرون من المفلس؟ قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع….
فالدنيا سوق ..و أفضل التجارة فيها التجارة مع الله عز و جل و ربحها الحياة الطيبة في الدنيا و السعادة الأبدية في جنة الله في الآخرة
2- وثيقة شركة تجارية لن يعتريها الكساد بين طرفين
الطرف الأول: يتعهد الطرف الأول بالأمور التالية:
1-أن يقوم بكل ما يلزم ليجعل الشركة مستمرة في الزمن والمكان
2-أن لا يستقيل منها إلا إذا منعه منها أجل محتوم
3-أن لا يدخل فيها أي شريك ثالث
4-أن يقوم فيها بالأعمال والخدمات وفقا للشرطين التاليين : ا – أن تكون الأعمال والخدمات خالصة لوجه الله
ب-أن تكون وفق السنة النبوية
5
–أن يجلب لهذه الشركة ولما تقوم به من أنماط في العمل والتسيير أكبر عدد من الناس وأن يجعل لها فروعا منتشرة في كل الآفاق حتى يعم ظل الشركة كل الناس في محيطه من أسرة وحي وعمل و أن يجعل فضلها يعم الأحباب والأصحاب ومن لقي من الناس.
الطرف الثاني:
1- هو في غنى عن الطرف الأول
2-أن يعطي الطرف الأول على كل مجهود يبدله أضعافا مضاعفة من الربح
3-الطرف الثاني يضمن للطرف الأول بأن ربحه مضمون ولن يتعرض لكساد أو فساد أو فشل ما دام يحترم الشروط المتفق عليها خصوصا ألا يدخل أي شريك آخر بينهما
4-أي قرض يقدمه الطرف الأول للطرف الثاني يكون مضاعفا أضعافا كثيرة غير محدودة وربما حتى يقنع الطرف الأول ويرضى
5
–يمتاز الطرف الثاني بكونه يملك كل شيء وبيده كل شؤون التجارة في العالم وهو خبير في كل ما يقع في هذا الكون وقدير على فتح أبواب غير محدودة من سبل الرزق والربح والمضاعفة.
6-الطرف الثاني يتجاوز عن الأخطاء والسهو وما أكره عليه الطرف الأول.
7-من خصائص الطرف الثاني في العقد أن التجارة معه مضمونة ولا يمكن أن يعتريها الفشل أو الكساد على الإطلاق.
فمن يشترك في هذه الشركة؟ ومن يسهم بسهم فيها؟
فكل عبادة من العبادات أو معاملة من المعاملات الشرعية تجارة مع الله و كل تجارة مع الله عز و جل فهي رابحة لا تخسر بحال من الأحوال ..قال الله عز و جل » إن الذين يتلون كتاب الله و أقاموا الصلاة و أنفقوا مما رزقناهم سراً و علانية يرجون تجارة لن تبور »
و أي أحد من الناس إذا أراد معاملة غيره فإنما يريد الربح لنفسه , و يريد أن ينتفع منه نوع منفعة و الله عز و جل يريد لنا الربح و يطلب منا أن نعامله عز و جل حتى نربح نحن أعظم الربح و هو عز و جل غني عنا و عن معاملتنا …..
قال صلى الله عليه و سلم » من قال سبحان الله العظيم و بحمده غرست له نخلة في الجنة » فانظر إلى مضيعة الساعات كم يفوتنا من النخيل
و قال صلى الله عليه و سلم » من صلى في يوم ثنتي عشرة سجدة تطوعاً بنى الله له بيتاً في الجنة « ………..أي من صلى السنن الرواتب في كل يوم يبني له بيت في الجنة كل يوم ..
…………..يا لها من تجارة رابحة ……..
…إن رأس مال هذه التجارة هو الوقت و العمر, و كل نفس من أنفاسنا هو جوهرة ثمينة نستطيع أن نشتري به كنزاً لا يفنى
و التجارة مع الله عز و جل ليست كغيرها من التجارات , فهي معاملة بين العبد الفقير و الرب الجليل, بين المخلوق الضعيف و الخالق القدير فهي نوع خاص من المعاملات لا يشبه معاملة الخالق للمخلوق و ينبغي علينا أن ندرس فقه التجارة مع الله عز و جل حتى لا نكون يوم القيامة من المغبونين أو من الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا و هم يحسبون أهم يحسنون صنعاً ……
3- فقه التجارة مع الله عز و جل ؟؟؟
من فقه التجارة مع الله عز و جل أن يعلم العبد أن الله غني عن العبد و عن عبادته و أن من عمل عملاً أشرك مع الله عز و جل غيره فإن هذا العمل لا يقبله الله عز و جل كما قال تعالى ( و قدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا) فالله عز و جل لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا فيشترط الله عز و جل على من أراد أن يتاجر معه الإخلاص, قال رسول الله صلى الله عليه و سلم » إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً و ابتغى به وجهه »
*- و من فقه التجارة مع الله عز و جل أن لا يعمل العبد عملاً إلا بنية قال صلى الله عليه و سلم » إنما الأعمال بالنيات » .. فالنية الصالحة تحول العمل المباح إلى طاعة كما قال بعض السلف ( إني لأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي ) و قال بعضهم » لا تعملن عملاً إلا بنية »
*- و من فقه التجارة مع الله أن يجمع العبد في العمل الواحد نيات كثيرة صالحة أي أن نعمل عملا واحدا و نحتسب فيه نيات كثيرة فننال الثواب على كل نية صالحة احتسبناها و لذلك قيل » تجارة النيات تجارة العلماء » و العلماء هم الذين يعرفون فقه التجارة مع الله عز و جل و كيف يربحون مع الله أعظم الأرباح الطائلة. قام غلام من مكانه فسأله العالم إلى أين تريد؟ قال له أريد فتح الباب فإن أحدا ما يطرقه. قال له فما نيتك؟ أجاب الغلام: ليست لي أية نية أريد فتح الباب فقط. فقال له الشيخ: ألا نويت لو كان سائلا لأعطيته أو ضالا فأرشدته أو جائعا فأطعمته حتى إذا لم يكن من ذلك شيء ربحت أجر وثواب نيتك.*-
*- و من فقه التجارة مع الله عز و جل أن نتأكد أن عملنا موافق للسنة لقوله صلى الله عليه و سلم » من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد »
فكل عمل لا يندرج تحت ما شرعه الله فهو مردود غير مقبول حتى و إن صلحت فيه النية
كما قال صلى الله عليه و سلم » فعليكم بسنتي و سنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عَضُّوا عليها بالنواجذ و إياكم و محدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة »
و قال سفيان الثوري : لا يقبل قول إلا بعمل , و لا يستقيم قول و عمل إلا بنية , و لا يستقيم قول و عمل و نية إلا بمتابعة السنة .
*- و من فقه التجارة مع الله عز و جل أن يجعل العبد معاملته سراً بينه و بين الله عز و جل فإن الله عز و جل يحب من العباد أن يعاملوه سراً و كان السلف رضي الله عنهم يخفون حسناتهم كما نخفي سيئاتنا و في الأثر ( من استطاع منكم أن يكون له خبيئة من عمل صالح فليفعل )
*- و من فقه التجارة مع الله عز و جل أن يحفظ العبد أعماله الصالحة من محبطات الأعمال فكما أن الحسنات يذهبن السيئات كذلك السيئات إذا قويت على الحسنات أحبطتها
فإذا عملنا عملاً صالحاً فلا نمن به على الله عز و جل و لا على عباد الله و لا نعجب بأعمالنا فإن الله عز و جل هو المتفضل علينا و هو الذي وفقنا لهذا العمل الصالح ولذلك فالمطلوب أن نشكر الله على هذا التوفيق و نسأله القبول.
4- نموذج من نماذج التجار مع الله الفائزين.
بينما كان الرسول محمد صلَّى الله عليه وآله جالساً وسط أصحابه
إذ دخل عليه شابٌّ يتيمٌ يشكو إليه قائلاً : » يا رسول الله ، كنت أقوم بعمل سور حول بستاني فقطع طريق البناء نخلةٌ هي لجاري طلبت منه أن يتركها لي لكي يستقيم السور فرفض ، طلبت منه أن يبيعني إياها فرفض »
فطلب الرسول أن يأتوه بالجار
أُتي بالجار إلى الرسول صلى الله عليه وآله وقص عليه الرسول شكوى الشاب اليتيم
فصدَّق الرجل على كلام الرسول . فسأله الرسول صلى الله عليه وسلم أن يترك له النخلة أو يبيعها له فرفض الرجل. فأعاد الرسول قوله : » بِعْ له النخلة ولك نخلةٌ في الجنة يسير الراكب في ظلها مائة عام »
فذُهِلَ أصحاب رسول الله من العرض المغري جداً . فمن يدخل النار وله نخلة كهذه في الجنة
وما الذي تساويه نخلةٌ في الدنيا مقابل نخلةٍ في الجنة. لكن الرجل رفض مرةً أخرى طمعاً في متاع الدنيا فتدخل أحد أصحاب الرسول ويدعي أبا الدحداح فقال للرسول الكريم
: « إن أنا اشتريت تلك النخلة وتركتها للشاب ألي نخلة في الجنة يا رسول الله ؟
فأجاب الرسول نعم .
فقال أبو الدحداح للرجل : » أتعرف بستاني ياهذا ؟ »
فقال الرجل نعم ، فمن في المدينة لا يعرف بستان أبي الدحداح ذي الستمائة نخلة والقصر المنيف والبئر العذب والسور الشاهق حوله، فكل تجار المدينة يطمعون في تمر أبي الدحداح من شدة جودته.
فقال أبو الدحداح: بعني نخلتك مقابل بستاني وقصري وبئري وحائطي.
فنظر الرجل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم غير مصدق ما يسمعه: أيُعقل أن يقايض ستمائة نخلة من نخيل أبي الدحداح مقابل نخلةً واحدةً فيا لها من صفقة ناجحة بكل المقاييس
فوافق الرجل وأشهد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم والصحابة على البيع وتمت البيعة
فنظر أبو الدحداح إلى رسول الله سعيداً سائلاً: « أليَّ نخلة في الجنة يا رسول الله ؟ »
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: لا. فبُهِتَ أبو الدحداح من رد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استكمل الرسول قائلاً ما معناه: الله عرض نخلة مقابل نخلة في الجنة وأنت زايدت على كرم الله ببستانك كله وَرَدَّ الله على كرمك وهو الكريم ذو الجود بأن جعل لك في الجنة بساتين من نخيل يُعجز عن عدها من كثرتها.
وقال الرسول الكريم : » كم من مداح إلى أبي الدحداح » ( والمداح هنا – هي النخيل المثقلة من كثرة التمر عليها )
وظل الرسول صلى الله عليه وآله يكرر جملته أكثر من مرة لدرجة أن الصحابة تعجبوا من كثرة النخيل التي يصفها الرسول لأبي الدحداح وتمنى كُلٌّ منهم لو كان أبا الدحداح
وعندما عاد أبو الدحداح إلى امرأته ، دعاها إلى خارج المنـزل وقال لها : « لقد بعت البستان والقصر والبئر والحائط » فتهللت الزوجة من الخبر فهي تعرف خبرة زوجها في التجارة وسألت عن الثمن فقال لها « لقد بعتها بنخلة في الجنة يسير الراكب في ظلها مائة عام »
فردت عليه متهللة « )ربح البيع أبا الدحداح – ربح البيع »
فمن منا يقايض دنياه بالآخرة
ومن منا مُستعد للتفريط في ثروته أو منـزله أو سيارته في مقابل شيءٍ آجلٍ لم يره
إنه الإيمان بالغيب وتلك درجة عالية لا تُنال إلا باليقين والثقة بالله الواحد الأحد
أخيرا لنتكلم عن أهم مصرف بنكي في العالم
من خلال معرفتنا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتدرون من المفلس؟ قالوا المفلس من لا درهم له ولا متاع. قال: المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام ويأتي وقد شتم هذا وضرب هذا وأكل مال هذا فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما علبه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار.
هذا الحديث الصحيح هي دعوة غير مباشرة ليكون لكل مسلم مصرف بنكي يجمع فيه ويكدس الحسنات تحسبا لأي محاكمة أخروية فيما أتلفناه ولم نعتبره أو لم نعره بالا ولا اهتماما مما يستوجب ضريبة أوذية أ و دعيرة .
وهذا يتطلب عدم الزهد في الحسنات وتنظيم الدخل تفاديا للغفلة أو السهو أو تضييع الوقت لأن التاجر الشاطر لا يمكنه أن يضيع وقته فيما لا يذر عليه دخلا أو ينمي تجارة.
وأحسن شيء لضبط المداخيل القارة واكتنازها في البنك الذي هو وحده كفيل بحل الأزمات الأخروية هو وضع جدول تنظيمي خاص بهذه المداخيل يكون يوميا ويشمل ورد القرآن وورد الصيام وورد الذكر وورد الإنفاق ولو بالشيء القليل لأن الله يربي لأحدنا صدقته مثلما يربي أحدنا فلوه فتأتي يوم القيامة مثل جبل أحد. وعلى رأس هذا الورد الحفاظ على الصلوات في وقتها ومع الجماعة. وشهر رمضان يعتبر فرصة لا تتكرر إلا مرة في السنة وهو شهر اقتضت حكمة الله فيه أن تفتح أبواب الجنات وتغلق أبواب النار وتصفد الشياطين.. ونسأل الله تعالى أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.
1 Comment
موضوع قيم جزاكمالله خيرا