فيروس الطائفية يدمر جهاز مناعة الأمة
في تراثنا الإسلامي تشبه الأمة بالجسد في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى} ؛ وكما أن للجسد جهاز مناعة يصونه ويحميه من الانهيار والتفكك ؛ فإن للأمة جهاز مناعة يصونها ويحميها من الانهيار والتفكك. ومن أخطر الأمراض المدمرة للجسد مرض فقدان المناعة المعروف اختصارا بالسيدا ؛ والذي يتسبب فيه فيروس يتسلط على جهاز المناعة فيدمره تدميرا ؛ فيصير الجسد عرضة لكل داء لا يقوى على مقاومة. ومن أخطر الأمراض المدمرة للأمة مرض فقدان مناعتها المعروف بالطائفية؛ والذي تتسبب فيه طائفة تتسلط على جهاز مناعة الأمة الذي هو الوحدة فتدمره تدميرا؛ فتصير الأمة عرضة لكل الأطماع ولا تقوى على مقاومة.
لقد نجح المحتل في احتضان فيروس الطائفية؛ وجعله خلية نشطة بعدما كان خلية نائمة؛ وتسلط الفيروس على اللحمة الرابطة بين أبناء الأمة فعمل فيها الخراب والدمار فانهارت الأمة انهيارا غير مسبوق في تاريخها.
والطائفي في الأمة لا يعي دوره الفيروسي في التدمير بل يعتقد اعتقاد الجزم أنه محق فيما يفعل ؛ ولا يخلو خطابه من إضفاء المشروعية على طائفيته علما بأن الطائفية فاقدة للشرعية والمشروعية بالضرورة إذ كيف يصح مفهوم الطائفية أمام وجود مفهوم الأمة ؟. فإذا ما التقت هموم الطائفة مع هموم الأمة فما محل الطائفة من الإعراب ؟ وإذا ما اختلفت هموم الأمة مع هموم الطائفة فلا مبرر لوجود الفرع الناشز عن الأصل.
وعندما ينجح فيروس الطائفية في تقديم نفسه بديلا عن الأمة بنوع من التسلغ ويضفي على نفسه المشروعية إلى درجة القداسة يركبه فيروس الاحتلال ليفعل التدمير في كل خلايا الأمة ويصل في النهاية إلى إفقادها جهاز مناعتها. وقد يتحول فيروس الطائفية إلى فيروس أخطر من فيروس الاحتلال من حيث الوظيفة فيصير تدميره لجهاز مناعة الأمة أشد من تدمير فيروس الاحتلال.
ومن المعلوم أن فقدان المناعة سواء كان في الجسد الحقيقي أم في الجسد المعنوي له مصير واحد هو النهاية المفجعة. وكما استعصى علاج داء فقدان المناعة الحقيقي؛ فإن علاج داء فقدان مناعة الأمة أشد استعصاء. وكما أن المتوفر لحد الآن من عقاقير لا يعدو تمديد عمر الجسد المصاب بالسيدا لتزيد معاناته ؛ فإن العقاقير الموصوفة لداء فقدان مناعة الأمة لن تجدي نفعا وهي تزيد الأمة معاناة أشد . ولربما كان استئصال فيروس الطائفية قبل أن يستعصي أمره هو الحل الأمثل لصيانة جهاز مناعة الأمة . ولربما قد آن الأوان لتصير الطائفية مهما كان نوعها أمرا محرما في الأمة كما ينص على ذلك دين الإسلام بعدما تأكد دورها الخطير في جلب الدمار والخراب الذي لم يكن من قيل .
Aucun commentaire