حكومة الولادة القيصريةأحزاب تتقن الرقص على البندير ولاتفهم شيئا في التدبير
أخيرا تمخض جمل عباس الفاسي فولد بمساعدة خبرة المستشارين المحنكين في الجراحة القيصرية حكومة ثلثها من التقنوقراء حكومة لن تغير حتما مجرى التاريخ المغربي حالها تماما كحال مجرى النهر الذي لا يستطيع تغيير اتجاهه، جاءت لتقول للأحزاب أن نسبة37 بالمائة من المشاركة لا يمكنها أن تؤدي إلى حكومة مشكلة فقط من الأحزاب، وبالتالي فقد حل القصر إشكالية الغاضبين بأن عين 11 وزيرا من التكنوقراء والأصل أن الأحزاب لو كانت لزعاماتها الجرأة السياسية لقامت بحل هياكلها مادامت لا تتوفر على طاقات ونخب يمكنها أن تتحمل حقائب وزارية، ومادامت مند ولدت لا تفكر في غير كسح المناصب والانتصارات والامتيازات والمصلحة الخاصة لنخبها، والواقع أن الحكومة الحالية التي حملت تشكيلتها 18 وزيرا جديدا من بينهم الممثلة ثريا جبران صاحبة الوصلة الإشهارية المعروفة "بجابها فراسو" تؤكد أن الوزير الأول دخل مأزقا سياسيا بعيدا عن الأغلبية المريحة وليس مستبعدا أن تعيد عليه وزيرة الثقافة نفس الوصلة بعدما يكون قد دق آخر مسمار في نعش حكومته. فالأحزاب الأربعة المشكلة للحكومة لا توفر حسابيا غير 146 صوتا عوض 163 المطلوبة نظريا لتمرير البرامج والمصادقة عليها، وبالتالي فانسحاب الحركة الشعبية في لحظة غضب لا غير باعتبار أن مرجعيتها السياسية لم تكن قط مرجعية معارضة، ولا شك أن زعيمها يتذكر كيف أنه لم يستطع أن يقف أمام الملك الراحل سوى لحظات ليتبول على نفسه خوفا ورهبة بعدما أخبر بتسلم مشعل الحركة عوض أحرضان، الخروج المفاجئ لحزب الحركة الشعبية للمعارضة التي لا تعرف عنها غير الاسم جعل عباس الفاسي يعول على مساندة نقدية من أحزاب صغيرة أهمها التحالف الذي أصبح يقوده الوزير السابق فؤاد عالي الهمة، وبالتالي فالحكومة التي لا تتوفر على أغلبية مريحة قد تسقط متى أريد لها ذلك سواء بالرقابة أو بغيرها..
طبعا يكاد يكون مؤكدا أن الأسماء المستوزرة مع استثناءات قليلة ليست مقترحة من الأحزاب، وبالتالي فهي أسماء سقطت على رأس زعماء الأحزاب كالصاعقة مما أدت إلى غضب البعض وتلويحه بالمعارضة التي ندم على التلويح بها فور وصوله إليها كما هو حال حزب الحركة الشعبية، وهذا يؤكد بأنه لا داعي لتقديم السيرة الذاتية للمرشحين لزعامات الأحزاب، والتسابق على وضع عشرات بل مئات الترشيحات على مكاتب زعماء الأحزاب، والأحرى أن تكون هذه البطاقات الشخصية ترتكز على العلاقات وأن توضع رهن إشارة بعض وزراء حكومة الظل ومستشاري الملك مادام هؤلاء هم الذين يحددون في الأخير لائحة المستوزرين ويفرضونها فرضا على أحزاب لم يعد لها غير الموت أو الانسحاب من الساحة سبيلا، والواقع أن اختيار الأسماء من طرف المستشارين أفضل بكثير من اقتراحات الأحزاب التي ترتكز على القرابة والمصاهرة والصداقة..
و بالنظر إلى أسماء أعضاء الحكومة الحالية يمكن لأي شخص أن يطمح في الوصول إلى مكتب إحدى الوزارات، باعتبار أن الكفاءات لم تعد هي المعيار الأول الذي يحكم اقتراحات الأحزاب بقدر ما تطغى أواصر القرابة والعلاقات والزبونية..
طبعا ليس عيبا أن يصل ممثلا أو فنانا للحكومة سواء تعلق الأمر بثريا جبران أو عبد الرؤوف ما دمنا لا نعتمد الأسماء الحقيقية، فقد وصل رونالد ريغان لرئاسة الولايات المتحدة وقد كان ممثلا، لكن الطرق تختلف بين شخص توصله الانتخابات وله مستوى معين مع اسم يفرض قصرا وهو لا يتوفر في أقصى الحالات سوى على شهادة تأهيل مسرحي..
المؤكد أن الشواهد الجامعية ليست دائما هي المهمة، مادام أن مجموعة من الأسماء وصلت لما وصلت إليه وهي لم تقرأ كتابا في حياتها ولم تدخل مدرج الجامعة…وبالتالي فهذه الملاحظة قد تكون أساسية لتقول لوزير بحجم الأشعري والمناضل في حزب امتهن المعارضة لعقود بأن وزارته يمكن أن تسير من طرف أي كان، وربما قد تسير أفضل بوجود أشخاص عاديين جدا..وهذه الإشارة يجب أن تستوعبها الأحزاب باعتبار أن حزب التكنوقراط هو الحزب الذي حصد أكبر عدد من مقاعد الحكومة، ولا داعي للتشدق بالمنهجية الديمقراطية وغيرها من المصطلحات الرنانة…وبالتالي على الاتحاد الاشتراكي الذي طالما انتقد منصب وزير دولة بدون حقيبة لما تولاها الوزير الأول الجديد في الحكومة السابقة ما عليه إلا أن يتقبل الانتقادات ويشرح كيف قبل زعيمه وزارة دولة بدون حقيبة في حين رفضت أحزاب يمينية معروفة عروض الوزير الأول فقط لأنها تتضمن أسماء لم يتم اقتراحها من طرف الحزب..
لسان حال الاتحاد الاشتراكي هو لسان حال كل الأحزاب المغربية التي لازالت تفكر في الزبونية والمصاهرة والقرابة على حساب الكفاءة، وهو ما جعل حتما الأسماء المقترحة من طرف جل الأحزاب غير وازنة وتم تعويضها بأسماء أخرى..مادامت الأحزاب لم تعرف بعد كيف تجدد دماءها ونخبها..والحال أننا أصبحنا نشاهد مسلسلا تلفزيونيا تتقاسم فيه زعامات الأحزاب البطولات والحقائب التي لا تعرف عنها شيئا فقط لإرضائها، كأن تصبح محامية وزيرة للصحة، ومختصا في علم الاجتماع وزيرا للعدل، وممثلة وزيرة للثقافة ومحامي وزعيم حزب وزير دولة بدون حقيبة والبقية تأتي…
لا شك أن الأحزاب المغربية لا تستحق أكثر من هذه البهدلة، فهي التي كسرت كأس السياسة والنضال في وقت سابق وخلال مختلف مساراتها، وليس لها أن تبكي اليوم هذه الكأس المكسرة…ورغم أن الضحية هو المواطن العادي، فإن الرسالة المرموزة الموجهة للأحزاب تحتاج إلى تشفير يقول كفى أيتها الأحزاب من القرابة والوراثة والمصاهرة والصداقة، وكفى من المناصب دون حقائب..ورغم أننا سوف نسمع في الأسابيع القليلة القادمة تعيينات جديدة لإرضاء الغاضبين سواء في سلك السفراء أو الولاة فهذا لن يكون استثناء في واقع حزبي مهترئ لا يسعنا سوى أن نقرأ الفاتحة عليه ونعود لأول السطر…
إنها حقا أحزاب مغربية ترقص على إيقاعات" البندير والتبهديل" ولا يهمها سوى الحقائب والمناصب بعيدا عن التدبير والتسيير..إنها حكومة الولادة القيصرية.
ولا يسعنا سوى أن نقول كل عام وحكوماتنا بألف خير ومبروك المولود الحكومي الجديد وما على مناضلي الأحزاب العتيدة سوى الرقص على البندير مادامت السياسة عندهم لا تفهم شيئا عن التدبير…
2 Comments
إن لله وإن إليه راجعون ، ماتت الأحزاب المشهود لها تاريخيا بالنضال والكفاح السياسي ، والبقية في حياة من عرف كيف يوجه الأمور لصالحه ويضحك عميقا على أغبياء الأحزاب وليس زعماؤها ، بعد أن ارتكبوا خطأ العمر عندما زاغوا عن الأهداف الحقيقية التي من أجلها دفع مناضلوهم الكبار الثمن غاليا حيث منهم من عذب ومنهم من لاق حتفه ومنهم من نفي ومنهم من جهل مصيره فالحقيقة أن الرب جزاهم على نيتهم السيئة فحمدا لله الذي جازاهم أحسن الجزاء في الدار الدنيا قبل الآخرة.
ألف تحية وتقدير زميلنا الأعز *زهر الدين طيبي* ومشكور جدا على مقالك الصرخة ،ضد حكومة ذات ولادة قيصرية، لاتحمل- كما قلت يوما -إلا الإسم..كما نحييك على كل كتاباتك التي لاتقبل القسمة على إثنين في زمن أصبح فيه النعت حالا فريدا من نوعه..