الإعلام الالكتروني وظاهرة القراءة المستبدة

يتميز الإعلام في المجال الالكتروني عن غيره بظاهرة مشاركة المتلقي للمرسل في التعبير؛ فبينما يعتمد الإعلام التقليدي السمعي البصري على تفرد الإرسال بالتعبير إلا في حالات نادرة ؛ نجد الإعلام الالكتروني يوفر نفس فرص التعبير لقرائه ؛ بل قد يكون الحيز المسموح به للقراء أكبر وأوسع من الحيز المتوفر للكتاب. وهذه قفزة نوعية في مجال الإعلام عبارة عن مكسب يعود الفضل فيه للشبكة العنكبوتية ؛ ولتقنيات المعلومات.
وإذا ما كانت المواقع الالكترونية تختلف باختلاف الثقافات في مجال هامش حرية التعبير للكتاب والقراء على حد سواء ؛ فان بعض المواقع قد قطعت شوطا بعيدا في هذا الصدد ؛ ولم تعد الشهرة بالنسبة إليها تعزى للأقدمية بل لهامش الحرية الذي تستطيع توفيره دون إن تفقد رصيدها من الكتاب والقراء .
ولعل الكثير من القراء لم يتكيفوا بعد مع نوع الحرية التي توفرها بعض المواقں لهذا تطالعنا بعض السلوكات الغريبة من قبيل التدمر من بعض الكتابات ؛ وبعض الأقلام ؛ ومحاولة إقصاء أصحابها واستئصالهم لمجرد أن ما يكتبونه لا يساير أذواق بعض القراء المدللين الذين يحلمون بكتابات حسب أمزجتهم وأهوائهم. وقد تثير بعض عباراتهم السخرية من قبيل :( لقد مللنا هذا النوع من الموضوعات) علما بأن هامش الحرية المسموح به لهؤلاء هو نفسه المسموح به للكتاب ؛ ولكن الثقافة الاستبدادية التي تطبع مراحل معينة من تاريخنا جعلت هذا الصنف من القراء ينقل أوزار استبداده إلى الإعلام الالكتروني ؛ وكأن مصادرة آرائه في الإعلام التقليدي حالة طبيعية. لقد كان هؤلاء القراء ولا زالوا يتصفحون الجرائد والمجلات ويشاهدون الشاشات ويسمعون الإذاعات بدون حرية تعليق أو تعقيب إلا في حالات نادرة ومقننة بالنسبة للإعلام السمعي البصري ؛ ومع ذلك لا يستطيعون حتى مجرد الحلم بإسكات الآراء المخالفة لآرائهم ؛ولكنهم بالنسبة للإعلام الالكتروني يتجاسرون على آراء غيرهم ويطالبون جادين بمصادرتها بمعنى يودون إخراس غيرهم ليحصل لهم الارتياح المهدئ لساديتهم .
والغريب أن يطالب القراء بإقصاء الكتاب علما بأن فعل القراءة رهين بفعل الكتابة ؛ والكتابة هي الإبداع الذي يتولد عنه إبداع القراءة ذات الآفاق الواسعة حسب الثقافات والقناعات.
إنني أربأ بالقارئ اللبيب أن يسمح لنفسه بمصادره الكتابة لمجرد مسايرة أهوائه ؛ وهو يعلم أن الكتاب إنما يكتبون حسب قناعاتهم لا حسب أهواء القراء؛ كما أن التنوع والاختلاف هو عنوان عن الرشد الفكري ؛ بعد المراهقة الفكرية الرافضة للغير والتي تعاني من تضخم الأنا لتحقيق الذات.
أتمنى أن تزول مظاهر الاستبداد عند قراء الإعلام الالكتروني بكل أشكالها ؛ وأن يحل التكيف مع الغير محل الدلال غير المبرر. ولو فكر الكتاب في مصادرة حضور القراء كما يريد القراء المدللون لكسروا أقلامهم بكل بساطة. ولعل المقالات تكتسب قيمتها من خلال قدرتها على الاستفزاز الذي يكون محفزا على إبداع القراءات .
وكلمة أخيرة لصنف من القراء وهم قلة لحسن الحظ الذين تزل بهم أقدامهم فيتخذون من فرص التعليق المتاحة لهم مطية لتفريغ مكبوتاتهم العدوانية ؛ بحيث لا يمت التعليق بصلة لموضوع المقال ؛ ولا يوجد مبرر له سوى العدوانية المجانية والاستبداد .




7 Comments
اشاطرك الراي استاذي فيما ذهبت اليه بخصوص الموضوع
ثمة التباسات اخرى سيحين طرحها للنقاش والتداول
الى ان نقلرا لك تقبل مودتنا
لاتوجد عدوانية مجانية كما لاتوجد كتابة بريئة والكتابة في مفهوم علم النفس كلها تفريغ للمكبوتات فهل أنت تبرئ نفسك منها؟؟؟
لا افهم في ماذا تشاطره الراي! يبدو ان الكاتب ايضا لم يتكيف بعد. انت لست في مسجد سيدي. فلولا الاعلام الالكتروني لما نسبت نفسك الى مجال الاعلاميين و المبدعين. فالاعلامي والكاتب دائما يحترم قرائه. و في الحقيقة انت الدي تثير السخرية . فاراء مخالفيك قد تدفعك الى الامام. وادا كنت لا تريد ان تسير الى الامام. سنتركك ونتقدم نحن. فليسقط الاستبداد, و العدوانية المكبوتة.
وراء كل كتابة دافع والمبدع لاينطلق من فراغ فالخلفية الفكرية والاجتماعية والسياسية والدينية والمصلحية و…. امور كلها تتحكم في انتاجات المبدع احسنهم من يتخلص نسبيا من هذه الدوافع وبنسبة كلما قلت كان اكثر موضوعية من غيره وحتى عندما يقول المرء انا حر افعل هذا ولا افعل هذا فهو في الحقيقة لايملك من الحرية الا اللفظ لانه عندما يعتقد انه اختار بحريته فان قوة اختيارية اخرى هي التي جذبته الى ذلك الاختيار. وصاحب المقال يرفض الرأي المستبد ويدعو الى حرية التعبير ولكنه ينطلق من التعاليق التي تكتب على مواضيعه مخالفة لرايه ويصادرها ويرفضها فالشخص الذي عبر عن رايه بحرية عنده (يحلمون بكتابات حسب امزجتهم واهوائهم ) ورفض قول من قال له (لقد رفضنا هذا النوع من الموضوعات ) فكيف نتحدث عن الابداع والحرية ونحن نؤمن باحادية الراي واقصاء كل من خالفنا ويتضح هذا اكثر تحاملا وبعبارات نابية حين وصف من يخالفه الراي قائلا :( تزل بهم اقدامهم ……لتفريغ مكبوتاتهم العدوانية …… سوى العدوانية المجانية والاستبداد ) فاي حوار يمكن ان يكون مع (مبدع ) من هذا النوع واي آفاق مستقبلية للسير بالابداع الى الامام
تحياتي للأخ عزيز باكوش ومرحبا بطروحاتك وآرائك المتميزة على شبكة وجدة سيتي ودام قلمك
الى القارىء المحترم مقالي لايتضمن تبرئة للنفس كما خطر ببالك ؛ ولا أدين الأفكار مهما كانت وانما أدين الذين يرقضون الأفكار أو يحاولون مصادرتها لأنها لا تمثل وجهات نظرهم. وأنا استغرب أن يقول قارىء لكاتب لقد مللنا من كتاباتك وبوسعه أن ينصرف عنها ولا يقراها ويريح ويستريح ؛ ومثل هذا القول لا يعني مجرد عدم الاتفاق مع الكاتب وانما هو محاولة اعدامه ولسان حال هذا الفارىء المستبد اسكت أنت لأستريح انا أو لأتكلم أنا وحدي
المرجو من الاخ الكريم محمد شركي ان يدرك بان الكتابة هي فعل ابداعي تتعدد وظائف لغته وعملية تواصلية تقوم على نية الارسال وتقدير المتلقي وحسن الكلام بعيدا عن الانفعال والغضب المنافيين لصفة الكاتب. وعلى هذا الاساس اضحى من المفيد عدم الانخراط في الجدالات العقيمة والاتهامات المجانية التي تضر بالممارسة الثفافية عموما.