الديكتاتورية عملة واحدة

كشفت الصور التي نقلتها وما تزال
تنقلها وسائل الإعلام والإنترنيت
يوميا من سوريا وليبيا وغيرها الوجه
الخبيث للديكتاتورية وحقيقتها
الصادمة .فهي لا تكتفي بجريمة اغتصاب
حق الشعب في انتداب من يراه الانسب في
إدارة شؤونه وهو الحق المصادر منذ عقود
في هذه البلدان وغيرها من بلدان
المنطقة ، بل تثبت بالحجة والدليل
الدامغ أنها مجرد عصابة تجردت من كل حس
إنساني وحضاري ،وأن المبادئ
والأيديولوجيات التي ما تنفك تسلب
بها وعي شعوبها مجرد أوهام استعملت
بخبث ماكر من أجل الغرض الوحيد وهو
تثبيث دعائم الديكتاتورية واستدامتها
… مشاهد القتل والترويع
والتنكيل بالجثث وتشويهها وإطلاق
الرصاص العشوائي على المتظاهرين
المسالمين تعبير سيميائي لا يحتاج إلى
تفسير ولا إلى أدلة داعمة للإقتناع
ببربرية الديكتاتورية وهمجيتها ،وأن
الخطر الحقيقي المهدد للشعوب لا يأتي
من خارج الحدود وإنما من داخلها …أن
الخطر الاكبر على « الأمن القومي » لا
يكمن في الأعداء الخارجين ،ليس في
القاعدة ولا إسرائيل ولا امريكا، بل
في غياب الديموقراطية وسرقة إرادة
الشعب … الصورة التي كشفها
الديكتاتور عن نفسه تظهر أنه لا يعتبر
نفسه ابن الشعب وخادمه كما يدعي ،
لأن مواصفاته الإستثنائية تجعله في
مرتبة أعلى من كل المواطنين ،الأمر
الذي يؤهله دون غيره لتولي مقاليد
الحكم وحماية الشعب من » الاخطار
الداهمة » ،وما دام عظيما ولا ينتمي
إلى العامة فمن البديهي أن يورث
صفاته تلك إلى أبنائه مما يؤهلهم
لوراثة كرسي الحكم كذالك…
كل الأدلة تشير إلى أن الديكتاتورية
لا تشكل خطرا على الشعب المضطهد
المحاصر المحروم من حقوقه الطبيعية
فحسب ،بل خطرا حتى على الديكتاتور
نفسه ،لأنها تجعله يعيش وهم العظمة
وتغيب عنه الحقيقة وتجرده من أخلاقه
ومبادئه بل وادميته …من منا كان يتخيل
أن القذافي الذي كان يشحن خطبه
بالعداء لأمريكا بطزاته الشهيرة أن
يتحول إلى قاتل سفاح يبيد شعبه
الاعزل ويصفه بأبشع الأوصاف والنعوت
…لقد اعتقد الرجل أنه كسب العالم
في ثوبه الديكتاتوري لكن الحقيقة
التي كان يجهلها هي أن الديكتاتورية
سلبته ما هو أغلى من الكسب والتملك
والحكم ،جعلته متخلف الفكر أعمى
البصيرة ، لقد حجبت الجدران السميكة
التي أحاط بها الوهم عنه رؤية
الحقيقة ،حتى في اللحظات التي كان من
المفروض أن يشعر فيها أن الخطر يداهمه
من كل جانب وأن التمادي في العناد
سيقوده إلى توريط نفسه اكثر والوصول
بالأزمة إلى نقطة اللا عودة.
التاريخ لن ينسى أبدا القذافي ولا
مبارك ولا بن علي ولا أشقاءهم في
السلوك والطباع بل سيحتفظ بهم في
مزابله كنماذج خالدة تقدم دروسا
ومواعظ لكل من سولت له نفسه نهج
منوالهم ،لقد تحولت أسطورة المجد
التي كانوا يرغبون تدوينها على صفحات
التاريخ بالدم والنار والحديد وإذلال
الشعب وانقلبت إلى عكس ما كانوا
يطمحون …فغدت مهازل تثير السخرية
والإشمئزاز والشفقة، وستتحول حياتهم
بلا شك إلى مواد دسمة لرسامي
الكاريكاتير والسينمائيين والكتاب
والفنانين…لعقود طويلة .
لقد كان بإمكان هؤلاء أن يدخلوا
التاريخ من بابه الواسع رغم كل ما
اقترفوه سابقا في حق شعوبهم لو
استعملوا القليل من التفكير ونهجوا
طريقا أخرى لإدارة الأزمة من
البداية …لو وقفوا وقفة رجل مسؤول
أمام الشعب وأعترفوا بخطئهم واعلنوا
توبتهم وقدموا استقالتهم وناشدوا
الشعب مسامحتهم وعملوا على نقل
السلطة إلى الشعب دون إراقة دماء
…بالتأكيد أن التاريخ لن ينساهم ابدا
ماداموا هم من وضعوا حدا لتاريخ اسود
بائس ،وهم من فسحوا المجال أمام
الشعب لولوج الفردوس الديموقراطي
…في الواقع لو فعلوا ذلك سيكونون
أكثر عظمة وخلودا في نظري حتى من
الثوار لأن الثورة على الاخرين اسهل
بكثير من الثورة على النفس…هذه
الاخيرة ترتكز على فضيلة الإ عتراف
بالخطا وامتلاك الشجاعة النفسية
والفكرية والإقتناع بأنه ليس بأفضل من
سائر أفراد المجتمع وأن الشعب لن
يكون أكثر سوءا في غيابه …وأن قوته
الحقيقية لا يكتسبها من الحكم بل
بمدى تشبثه والتزامه بالأخلاق .
رشيد أوخطو
Aucun commentaire