Home»International»موقع اللغة العربية في الميثاق الوطني للتربية والتكوين

موقع اللغة العربية في الميثاق الوطني للتربية والتكوين

1
Shares
PinterestGoogle+


موقع اللغة العربية في الميثاق الوطني للتربية والتكوين

*الدكتور محمد بنلحسن


1-تقديم :
لم يكن صدور الميثاق الوطني للتربية والتكوين ،ودخوله حيز التنفيذ بعد الأجرأة المرحلية،حدثا عاديا ولا أمرا يسيرا ؛لقد عد هذا الانجاز الذي عكفت على إخراجه لجنة وازنة،
متعددة المشارب والتخصصات ،منعطفا حاسما في تاريخ المدرسة المغربية ونظامنا التعليمي .
وما كان للميثاق الوطني للتربية والتكوين أن ينال الاهتمام كله، وأن يلفت إليه الأنظار، لولا
الإضافات التي أتى بها .
ويضيق الحيز لاستعراض كل ما أتى به الميثاق الوطني للتربية والتكوين من جديد؛ لتعدد أقسامه ومجالاته ودعاماته …لكن سنهتم في هذا السياق باللغة العربية في المقام الأول؛ لجلاء موقعها في الميثاق الوطني للتربية والتكوين ،والمنزلة التي وضعها فيها .
أتى ذكر اللغة العربية في بداية القسم الأول تحت عنوان : المبادئ الأساسية، والعنوان الفرعي: المرتكزات الثابتة حيث ورد في المرتكز الثاني ما يلي :
" يلتحم النظام التربوي للمملكة المغربية بكيانها العريق القائم على الثوابت ومقدسات يجليها الإيمان بالله وحب الوطن والتمسك بالملكية الدستورية ؛عليها يربى المواطنون مشبعين بالرغبة في المشاركة الايجابية في الشأن العام والخاص وهم أعوان واعون أتم الوعي بواجباتهم وحقوقهم، متمكنون من التواصل باللغة العربية ،لغة البلاد الرسمية تعبيرا وكتابة …"(1).
نستخلص من خلال هذا المرتكز الثابت،أن النظام التربوي للمملكة المغربية ليس مقطوع الجذور والأواصر مع ماضيها، ومقدساتها على الرغم من حداثة صدوره .
وتتبدى لنا اللغة العربية في مقدمة الأولويات في هذا النظام التعليمي، الذي يروم الإصلاح ؛حيث جعلها من غاياته الأساس؛ حين نص بوضوح على أن التواصل بها شيء يربى عليه المواطنون، بمعنى أن اللغة العربية في مقدمة ما يتعلم و يتلقى في المدرسة المغربية.
وحين ينص الميثاق على مسألة التمكن من التواصل تعبيرا وكتابة ؛فانه يشير ولاشك إلى الجهود الجمة التي يجب أن تبذل لإرساء هذا التمكن، وكذا إلى المساحة التي يجب أن تشغلها اللغة العربية تدريسا واستعمالا.
إن هذا التركيز على تعلم اللغة العربية ،والتمكن من التواصل بها سواء كتابيا أم شفهيا؛ دليل نابع من موقع هذه اللغة نفسها في البلاد، حيث تعتبر لغتها الرسمية.
والمؤكد أن أبناء البلد لن يقدموا في مستهل التعلم أي لغة سواها؛ باعتبار اللغة العربية بالنسبة للمغاربة وعاء لدينهم وتاريخهم وتراثهم.
إن استهلال الميثاق الوطني للتربية والتكوين بهذا التنصيص الذي ينزل اللغة العربية منزلتها الطبيعية في أمة لسانها اللغة العربية، توجيه هام للمشتغلين في حقل التربية والتعليم والقائمين على تدبير القطاع .
بوأ الميثاق الوطني للتربية والتكوين اللغة العربية مقاما ساميا شأنها شأن باقي اللغات الحية ،من هنا بلورها من خلال دعامة خاصة؛ ألا وهي الدعامة التاسعة التي عنونها كالآتي :
تحسين تدريس اللغة العربية واستعمالها واستعمال اللغات الأجنبية والتفتح على اللغة الأمازيغية(2).
لم يكتف الميثاق الوطني بالإفصاح عن منزلة اللغة العربية، بل أماط اللثام عن دواعي هذا التقديم، مستندا في ذلك على أسمى قانون للأمة ألا وهو الدستور ،حيث جاء في المادة 110من الميثاق الوطني :
حيث إن اللغة العربية ، بمقتضى دستور المملكة المغربية ، هي اللغة الرسمية للبلاد وحيث إن تعزيزها واستعمالها في مختلف مجالات العلم والحياة كان ولا يزال وسيبقى طموحا وطنيا (3).
نستنتج من خلال آخر جمل هذه المادة، أن إيلاء اللغة العربية اهتماما استثنائيا، ظل هاجسا مركزيا يستغرق الأزمة كلها دون انحسار، مع اتخاذه منحى التأبيد أي الاستمرارية ، وقد اتجه الميثاق الوطني بعد المادة 110 إلى بيان وسائل دعم اللغة العربية من خلال عنوان بارز أطلق عليه :
تعزيز تعلم اللغة العربية وتحسينه
فما مظاهر هذا التعزيز ؟
تقول المادة 111 من الميثاق الوطني للتربية والتكوين :
"يتم تجديد تعليم اللغة العربية وتقويته ،مع جعله إلزاميا لكل الأطفال المغاربة ،في كل المؤسسات التربوية العاملة بالمغرب…" (4 ).
ما يسترعي الانتباه في هذه المادة ،هو استعمال مصطلحات ذات أبعاد دلالية قوية نظير :
تجديد /تقوية /إلزاميا /
إن مصطلح تجديد يتضمن حمولة تربوية /بيداغوجية /ديداكتيكية بالغة التأشير على التطور الهائل المراد بلوغه مع هذا الميثاق الوطني للتربية والتكوين.
إنها طفرة لافتة في مجال تدريس هذه اللغة ، لم يعد الأمر مقتصرا على التعليم كما ساد منذ عقود ،
الميثاق الوطني يعلن قطيعة مع ما سلف ،وينخرط في بوثقة التحديث ،ومواكبة المستجدات من خلال إعلانه رهان التجديد.
أما مصطلح تقوية الوارد في المادة أعلاه، فلا يقل أهمية عن سابقه، ذلك بأن تقوية هذا التعليم /اللغة لا يتسنى إلا في ظل التجديد المشار إليه أنفا ،ولاسبيل إلى التقوية دون ابتكار وسائل وأساليب مستحدثة تواكب طفرة العصر.
أما مصطلح الإلزامية لكل الأطفال فإنه تأكيد أهمية هذه اللغة؛ وذلك باعتبارها عنصرا أساسيا من الهوية الوطنية .وهذا الاتساع في الفئات المستهدفة يضاعف ولاشك مهام المضطلعين بالتجديد والتقوية، مع وجوب تكييف كل ذلك مع خصوصيات تلك الفئات ومعارفها السابقة ،ومكتسباتها القبلية، واستعداداتها النفسية والمعرفية والبيئية …. وإذا علمنا من خلال المادة السالفة – طبعا- تعميم مادة التجديد والتقوية والإلزامية على كل المؤسسات التربوية، تبين لنا اتساع نطاق هذا الإنجاز وما يستلزمه هذا الامتداد من جهود مضاعفة وطاقات متعددة.
وتتكشف لنا جسامة هذا المشروع /الإنجاز من خلال انفتاحه على الشعب العلمية ، وفي عدم اقتصاره على الشعب الأدبية فقط ،أتى في المادة 112 من الميثاق الوطني للتربية والتكوين :" يستلزم الاستعداد لفتح شعب البحث العلمي المتطور والتعليم العالي باللغة العربية إدراج هذا المجهود في إطار مشروع مستقبلي طموح ذي أبعاد ثقافية وعلمية معاصرة " (5).
لقد انتقل الاهتمام باللغة العربية من مرحلة اعتبرت فيها وسيلة للتعليم ،إلى طور غدت معه جزءا من مشروع يستشرف المستقبل ،وهذا الانتقال مسهم ولاشك في إدخال تطويرات هائلة على هذه اللغة، وإفساح المجال أمام معجمها ليشهد تحولات عميقة ومتسارعة.
وقد حدد الميثاق مرتكزات هذا المشروع كالآتي :
1- "التنمية المتواصلة للنسق اللساني العربي على مستويات التركيب والتوليد والمعجم " (6).
2- " تشجيع حركة رفيعة المستوى للإنتاج والترجمة بهدف استيعاب مكتسبات التطور العلمي والتكنولوجي والثقافي بلغة عربية واضحة ،مع تشجيع التأليف والنشر وتصدير الإنتاج الوطني الجيد "(7).
يتبين لنا من خلال هذه المرتكزات ،مدى امتداد هذا المشروع بحيث ينهض على أساس البحث العلمي المستمر، وليس البحث المرحلي ذلك أن فعل التنمية المتواصلة لا يتحقق إلا عبر سيرورة دينامية من المجهودات المتعاقبة، والتي تتطلب فريقا من الباحثين المتخصصين يملكون آليات رصد التطور، وتتبع هذه التنمية على مستوى التركيب والتوليد والمعجم.
وهذا الفريق يجب أن يكون متنوع المشارب يضم الباحثين في اللسانيات، وممارسين في الفصول الدراسية ،بل إن حدود المشروع ورهاناته تتعدى الفريق الواحد إلى مستعملي هذه اللغة كافة، لاسيما المتخصصين فيها دراسة وتدريسا وإبداعا.
ولا يتحقق هذا المسعى إلا إذا واكبته عملية إنتاج غزير متجدد منفتح على روح العصر، وما يتداول فيه من مستجدات، وهذا ما انتبه له الميثاق حين دعا إلى تشجيع حركة رفيعة المستوى للإنتاج والترجمة .
إن تأكيده المستوى الرفيع ،منسجم ولاشك مع حقيقة التطور المتسارع الذي يشهده العالم هذا اليوم في مجال التكنولوجيا والثقافة .وهل بمقدور فرد واحد القيام بهذه المهام ؟كلا إنها وظيفة مجموعة من الباحثين المواكبين وتيرة هذا التقدم الهائل الذي يجري أمامنا في العالم بأسره .ولا تخفى صعوبات عملية الترجمة من اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية ، وما تطرحه أمام المترجمين من متاعب تنتهي في أحيان كثيرة إلى إحداث تشويش داخل شبكة التواصل …إن الأمر يقتضي إلماما واسعا باللغة المترجمة، وباللغة المترجم إليها ،إلماما بمضامين المادة المترجمة ،وكذلك بقواعد لغتها الأجنبية واللغة العربية أيضا.
واستشعارا من الميثاق الوطني بجسامة هذا الإنجاز؛ نجده حظ على وجوب تأهيل نخبة قادرة على الاضطلاع بهذه المهمة.
يدعو نص الميثاق الوطني للتربية والتكوين إلى:
" تكوين صفوة من المتخصصين يتقنون مختلف مجالات المعرفة باللغة العربية وبعدة لغات أخرى ،تكون من بينهم أطر تربوية عليا ومتوسطة "(8).
في ضوء ما سلف، نستنتج أن الميثاق الوطني للتربية والتكوين لا يتورط في اقتراح البدائل الكفيلة بالرفع من جودة تدريس، وتعلم اللغة العربية، بل ينخرط بإجرائية دقيقة في بيان أنجع السبل المؤدية إلى تحقيق تلك البدائل على أرض الواقع .
لكن السؤال المتبادر ههنا ،كيف السبيل إلى تكوين هذه الصفوة المشار إلى جلال المهام المناطة بها ؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال لا بأس من التمهيد له بالتساؤل عن مظاهر عناية الميثاق الوطني للتربية والتكوين باللغة العربية،هل انتقل هذا الاهتمام من طور التصريح إلى طور التنفيذ والأجرأة ؟
كيف السبيل إلى النهوض باللغة العربية وتشجيع المتعلمين للإقبال على تعلمها والتفوق فيها ؟
إن تجديد تعلمها، وتقويته، مع جعل ذلك إلزاميا؛ لن يؤتي ثماره إلا إذا واكبه تحضير للمتفوقين في هذه اللغة، بعد فتح آفاق واعدة أمام متعلميها.
يبدو أن الميثاق الوطني لم يغفل هذا الجانب باعتباره رافعة أساسية لدراسة اللغة العربية، وتعبيدا لطريق المقبلين على التخصص فيها؛من هنا نجد الميثاق الوطني قد منح هذه اللغة الحظوظ نفسها الممنوحة لسائر المواد الدراسية الملقنة لاسيما المواد العلمية، وما تحظى به بعض اللغات الحية مثل اللغة الفرنسية؛ لذلك أحدث أقساما تحضيرية خاصة باللغة العربية ،على غرار ما هو موجود في الرياضيات والفيزياء؛ أتى في المادة 124 من الميثاق الوطني للتربية والتكوين :
" على غرار الأقسام التحضيرية في الرياضيات العليا والرياضيات الخاصة ،ستحدث أقسام تحضيرية في الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية والبيولوجيا والقانون والاقتصاد "(9).
من خلال المادة أعلاه، يترجم الميثاق الوطني حديثه السابق في الدعامة التاسعة إلى واقع ملموس ،ولا يخفى ما لإيلاء اللغة العربية من قيمة سامية؛ وذلك بجعلها تدرس شأنها شأن بعض المواد العلمية مثل الرياضيات في الأقسام التحضيرية .
لكن هذه الأقسام لا يتوجه إليها كل التلاميذ، بل المتفوقون منهم خاصة، و "يلتحق بهذه الأقسام الطلبة الحاصلون على دبلوم الباكالوريا المتفوقون "(10).
إن الأقسام التحضيرية ليست كبقية أقسام التعليم الثانوي التأهيلي والإعدادي ولاشك؛ مادامت لا تستقبل إلا الحاصلين على شهادة الباكالوريا ،وشريطة أن يكونوا متفوقين ،وهذا الأمر يجعلنا نتصور هذه الأقسام التحضيرية فضاء رفيعا لتحقيق الأهداف المعلن عنها في مقدمة هذا المقال، والتي جاءت في مطلع الدعامة التاسعة. إن تجديد تدريس اللغة العربية ،وتطوير أساليب تعليمها وتعلمها ؛ كل ذلك سيزدهر ولاشك في ظل الظروف الممتازة التي توفرها العينات المتوجهة صوب تلك الأقسام .
يتبين من خلال أهداف هذا النظام، رهانه الكبير على الجودة باعتبارها من مرتكزاته الأساس ،
وهذه الجودة لن تتحقق إلا بالموارد البشرية ممثلة في الأطر المدربة والمؤهلة علميا وبيداغوجيا .

(*) أستاذ باحث ،مبرز في اللغة العربية مكناس .
1-الميثاق الوطني للتربية والتكوين ،9.
2-نفسه ،51.
3-نفسه.
4- نفسه.
5-نفسه.
6- نفسه.
7- نفسه.
8- نفسه ،52.
9-نفسه،56.
10-نفسه.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *