رسالة تونس : الغضب الساطع آت
.jpg)
بقدر ما يفرح المتتبع لما يشاهده في تونس من مشاهد الحياة دفاعا عن الحقوق، والكرامة ..، بقدر ما تحز في صدره سكاكين رؤية الدماء المسفوكة وقد كان الأولى حقنها…
إن ما حدث في تونس المتقدمة في مؤشرات التنمية ، والتعليم وغيرها، على جميع الدول المغاربية ، تونس » الخضراء » تونس « الأمن » … ليطرح بشكل قوي تساؤلات حول النظام التونسي ، شرعيته و أمد حياته .. لكن الرسالة الأكبر من هذه الرسالة الداخلية ، هي تلك الموجهة إلى كافة الدول العربية ، المغاربية بالخصوص ، رسالة بدأت تفرض نفسها في المشهد السياسي العربي و المغاربي على حد سواء فبعد الاحتجاجات القوية بالجزائر ، التي ربما لا يزال بركانها يتأجج وقد تكون له رجات مقبلة ، أطل ملك الأردن على شعبه من منصة البرلمان ، المتهم بكونه مزورا في ظل مقاطعة قوى مهمة للانتخابات التي وصفت بأنها عبثية ، ليدعو إلى ضرورة العمل على توفير الرخاء للشعب والعمل على هبوط أسعار المواد الأساسية في خطوة استباقية لدعوة نشطاء سياسيين وحقوقيين إلى التظاهر ضد غلاء الأسعار الجمعة المقبل .
هذه الرسالة يمكن أن تستخلص بنودها في النقاط التالية :
1 ـ لا حياة للظلم وإن طال الأمد :
عموما تعرف الدول العربية والإسلامية صبرا نوعيا على أشكال الاستبداد و الظلم ، يؤطر هذا الصبر بالخصوص فهم مؤول مبدل، للفقه السياسي الإسلامي روجت له الأنظمة الاستبدادية عبر التاريخ ، فغلب على شعور الناس إحساس بواجب الصبر على المتأمر وإن كان جائرا أو غالبا بالسيف …
لكن رسالة تونس اليوم هي أنه حين يطول أمد الظلم فإنه لا يسلك في أذن الجائع إلا صوت يبشره بالخبز ، ولا يقنع العاطل إلا عمل يضمن له حياته وكرامته ، ومهما غنت في آذان الشعوب قنوات الإعلام المحتكر ، أو المؤسسات الموالية حزبية كانت أو نقابية أو دينية، فإنه لا يؤبه لها ، أمام إحساس قوي صنعه التلظي بنار الظلم، مفاده : لم يبق لي شيء أخسره ، وهو ما تجسد بشكل يؤسف له في حرق البوعزيزي ذاته ، وإقدام آخرين على الانتحار احتجاجا …
2 ـ لا حياة بلا قيم الاختلاف و الاعتراف بالآخر :
مما تضرب فيه تونس المثل ، أنها دولة بوليسية ، « ميزة » أهلتها لتحتضن لقاءات وزراء داخلية العرب ، للتنسيق الأمني ، تعززت بالدعم القوي لأمريكا وفرنسا بالخصوص .
هذه « الميزة » مكنت تونس من حصار جميع الهيئات الفاعلة بالبلاد إن لم نقل القضاء عليها ، بدءا بالقضاء على حركة النهضة الإسلامية ، إلى اغتيال رموز نقابية ، إلى تهميش أصوات المعارضة من كل طيف وفئة …
هذا التعامل الاستئصالي للرأي المخالف وإن حقق للنظام التونسي مكاسب معينة خصوصا الإطالة من أمده في ظل الاستفراد ، إما عبر الحصول على النسبة الساحقة من الأصوات في الانتخابات الرئاسية ، أو عبر تعديل الدستور ليتيح للرئيس الدوام رئيسا ، إلا أن الرسالة اليوم تؤكد أن النظام التونسي قد حفر قبره بيده يوم ألغى وأضعف كل فاعل سواه، فلم يجد اليوم من يحاور الشعب الغاضب ، غير المؤطر من أية جهة، ولا يزال يحاول الدفع ببعض النقابات لتتبنى الاحتجاجات وتؤطرها بعد أن رفض المحامون ذلك .
إن من إيجابيات التعددية الفكرية والسياسية ، زيادة على إشاعة جو الجدية في الأداء خوفا من محاسبة صناديق الاقتراع ، أنها تنسج المجتمع في إطار مجموعات لها ارتباط بأفكار ووسائل عمل واضحة معلنة في إطار قواعد ومرجعيات عامة متفق عليها ، فلا يبقى مجال لـ » غير المؤطر » الذي لا يعرف ساعة الغضب طريقة في الاحتجاج و لا يقتنع بضرورته وجدواه، ولا من يرده ويأخذ بيده .
3 ـ لا حياة بدون إعلام حر وقضاء مستقل :
من ميزات تونس كذلك أنها دولة تحتكر وسائل الإعلام المحلية ، تراقب وتقمع بعنف المعارضة منها ، حتى لا تكاد تجد صحافيا يعارض النظام إلا إن كان منفيا إلى الخارج ، على غرار القيادات السياسية المنفية ، إلا أن الرسالة اليوم ، مفادها أن زمن احتكار الإعلام ولى ، أمام الإمكانيات الهائلة التي تتيحها الثورة المعلوماتية ، والشاهد على هذا الأمر الكم الهائل من صور وفيديو الأحداث المبثوث في المواقع الاجتماعية كـ » فيسبوك » و » يوتوب » وغيرها ، مادة لا تخضع لأية مراقبة ، أو خط تحريري ، أو معايير مهنية ، شكلت المرجع لكل القنوات الخارجية الممنوعة من التغطية بالداخل.
الشق الثاني هو شق القضاء ، لم يسمع لحد الساعة أي صوت لمدع عام أو قاض ، يطالب بوقف أعمال القتل ، ويقدم المسؤولين للعدالة ، يأتي هذا الصمت من جهة يفترض فيها أن تكون مستقلة رقيبة على مؤسسات الدولة جميعها ، أن تزيغ أو تحيد عن الدستور ..
رسالة تونس اليوم ، لجميع الدول العربية ، والمغاربية بالخصوص ، مفادها » دوام الحال من المحال » خصوصا في زمن أزمة اقتصادية خانقة ، تبشر المنصت المستجيب بالحل ، وتنذر المعرض المعول على المقاربة الأمنية بالطوفان .




1 Comment
أحييك بشدة على المقالة الرائعة
وأضم صوتي لكل ما قلته