تقسيم السودان جريمة والسكوت عليها خيانة لله ولرسوله

يحل اليوم يوم شؤم على الأمة، سيتم فيه التصويت على فصل جنوب السودان الذى تبلغ مساحته مساحة 9 دول عربية مجتمعة وهى عمان، سورية، تونس، لبنان، الأردن، قطر، الكويت و الإمارات . إن هذا الحدث المؤلم لم نسمع بمثله فى تاريخ الأمم حيث تقدم دولة على تقسيم نفسها إلى دولتين دون تدخل أى قوات أجنبية أو إعتداءات عسكرية على السودان. بل يجرى الأمر بإختيار النظام الحاكم فى الخرطوم وبمباركة من المعارضة ومساندة من دول الجوار.
إن فصل الجنوب لن يكون نتيجة إستفتاء الجنوبيين كما يصور النظام السياسى فى الخرطوم بل هو نتيجة سياسات متبعة أشرف عليها الغرب تجاه الجنوب لما يربو عن المائة عام لتؤدى فى نهاية الأمر إلى الإنفصال. وقد تكللت هذه السياسات بمفاوضات مشاكوس ونيفاشا والتى كانت بمثابة الإعلان الحقيقى وبشكل جدى عن الإنفصال. أما مسألة التصويت عليه ماهى إلا المشهد الأخير من هذه المسرحية الخيانية لتسويق الإنفصال أمام الرأى العام وإخراجه على أنه إرادة أهل السودان. لقد فشل الغرب على مدار مائة عام أن ينجز هذا الإنفصال ، ذلك لأن الجنوب منفصلاً عن شماله لايملك مقومات دولة وقد حاولت بريطانيا جاهدة فى أوائل القرن المنصرم أن تغير التركيبة السكانية فى الجنوب لعلها تتمكن من فصله على أساس دينى فتكون دولة الجنوب دولة نصرانية إلا أن هذا لم يحدث وبقى المسلمون إلى يومنا هذا أغلبية بالنسبة إلى النصارى هناك.
فتبع ذلك على مر الحكومات المتعاقبة إساءة رعاية لأهل الجنوب كى تزداد الهوة بين الشمال والجنوب , كللت هذه المرحلة بالحرب التى أودت بحياة مليونين ونصف من البشر. إن فكرة الإنفصال لم تجرؤ أى حكومة علمانية فى السودان أن تتفوه بها لأنها تعرف أن الجميع سيكون لها بالمرصاد . إلى أن جاءت حكومة الإنقاذ المتأسلمة ، ووجد الغرب فيها ضالته فهى الوحيدة القادرة على فصل جنوب السودان لأنها محسوبة على الإسلام ولن تجد من يعارضها أو يقف فى وجهها إستغلالاً للمشاعر الإسلامية المتزايدة عند الناس.
وأخيراً أصبح حلم الإنفصال الذى حلمت به بريطانيا وأكملته أمريكا قاب قوسين أو أدنى من أن يصبح واقعاً .
وهكذا يتمكن الغرب وهو فى مرحلة الإنهيار من السير فى تمزيقه للأمة وتحويله جنوب السودان إلى « إسرائيل » الثانية التى ربما تشغل الأمة أكثر مما شغلتها « إسرائيل » الأولى. إن معظم من تناول مسألة جنوب السودان بالنقد والتحليل تناوله من منظور مصلحى ، بمعنى ماسيجلبه تقسيم السودان من فوائد أو أضرار وقد إشترك الجميع تقريباً فى أن تقسيم السودان سوف يكون له مضاره خاصة على مصر من خلال التحكم فى مياه النيل. وكأننا أبينا أن نقيس الأمور إلا كما يريد الغرب. إن من يتمتع بأقل درجات الوعى السياسى لايمكن أن ينظر إلى مسألة فصل جنوب السودان على أنها مسألة مصلحية بحته ، بل هى مسألة تتعلق بعقيدة الأمة والتى توجب على المسلمين الحفاظ على بلادهم وعدم التفريط فيها ، فأرض السودان أرض إسلامية ملك للأمة ولايجوز لأحد كائن من كان أن يفرط فى شبر واحد منها تحت أى مسمى من المسميات.
ورحم الله السلطان عبد الحميد الذى ضرب مثالاً حياً حين عرض عليه اليهود أن يشتروا قطعة أرض من الدولة التى دب فيها الضعف فى كل أرجائها حتى لقبت بالرجل المريض مقابل سداد كل ديون الدولة : فقال عبد الحميد رحمه الله مقولته التى سطرها التاريخ » لعمل المبضع فى جسدى أهون على من أن أفرط فى شبر واحد من بلاد المسلمين ».
أما اليوم فنسمع الرئيس السودانى يقول » لو إختار أهل الجنوب الإنفصال فسنكون أول المهنئيين » يا الله ألهذه الدرجة هانت عليكم بلادكم ؟ أيعقل أن يبيع إنسان أحد أبنائه ثم يقول سوف أقوم بتبنيه بعد ذلك؟ إن سقوط بغداد وكابول وإحتلال فلسطين لهو أهون من إقتطاع 700 ألف متر مربع من الأرض الإسلامية فى السودان لتهدى لأعداء الأمة يسرحون فيها ويمرحون ، يبنون فيها قواعدهم العسكرية ويشنون منها الحروب على ماتبقى من بلاد المسلمين لتفتيته حتى لايبقى للمسلمين أى مقومات للقوة لأن كابول وبغداد وفلسطين مصيرها أن تحرر أما جنوب السودان فقد أقتطع من الجسد إقتطاعاً. إننا فى هذا اليوم الحزين من أيام الأمة يجب أن نشير بالبنان على أصحاب المسؤولية الذين فرطوا فى أرض السودان ويأتى فى المقدمة الرئيس السودانى الذى سار فى مخططات الغرب وعلى رأسهم أمريكا إبتداءاً بإساءة الرعاية لأهل الجنوب لزيادة الهوة بينهم وبين أهل الشمال ثم الموافقة على دخول مفاوضات مع متمردين الأصل أنهم تحت سلطان الدولة التى يحكمها البشير فكان هذا إعترافاً ضمنياً بهم وبأنهم أصحاب حق كما حدث فى مشاكوس وأخيراً فى نيفاشا.
ومع أن الطرف الثانى قد نقض كل ماتم الإتفاق عليه فى نيفاشا مما أعطى الضوء الأخضر للبشير للتملص من هذه الإتفاقيات والحفاظ على وحدة البلاد إلا أنه لم يفعل برغم إرتفاع الأصوات التى طالبته بذلك . وكل هذا ليؤكد بأن الرئيس البشير ليس مضطراً كما يصور البعض بل هو يسير فى مسألة الإنفصال سيراً إختيارياً بإرادته ويدرك جيداً ماذا ستؤول إليه الأمور. للأسف إن المعادلة التى تحكم سلوك الرئيس البشير لمعادلة خاسرة وهى تنفيذ مخططات أمريكا مقابل كرسى الحكم وإن كان ثمنه التنازل عن البلاد والعباد. نعم خاسرة لأن السودان بعد الإنفصال لن يكون مثله قبل الإنفصال بمعنى أن السودان الجديد سوف يحتاج إلى لاعبين جدد لم يتم حرقهم بعد ، ناهيك عن أن فرنسا وبريطانيا تلاحقان أمريكا فى دارفور وتريدان أن يكون لهما فى أرض السودان نصيب وتلاحقان الرئيس البشير قضائياً فقط من أجل إبتزازه ليتمادى فى تنازلاته وهنا لن تجد أمريكا أى مشكلة لتضحى بالرئيس البشير وهنا يكون قد خسر الدنيا والأخرة وذلك هو الخسران المبين. » يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ ۖ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا » النساء 120.
إن لم يكن الرئيس البشير قادراً على حماية وحدة السودان فكان أفضل له أن يترك الحكم ويقر بذلك ليحمل الأمة جميعها هذه المسؤولية لتحافظ هى على وحدة السودان وينجو بنفسه من غضب الله . وتأتى فى المرتبة الثانية بعد الرئيس البشير فى المسؤولية المعارضة والتى كان موقفها من مسألة الإنفصال مخزياً وسارت مع النظام ولم تبدى أى إمتعاض بل أظهرت أن الإختلاف بينهم فقط هو التنافس على كرسى الحكم البائد. وعلى رأس هذه المعارضة يأتى الدكتور حسن الترابى الذى لم يخجل من أن يصرح علانية فى قناة الجزيرة بأنه طلب من أتباع حزبه فى الجنوب خاصة المسلمين منهم أن يصوتوا للإنفصال بل ويتباهى بذلك حتى أن الإستنكار كان واضحاً على وجه مذيع الجزيرة وهو لا يصدق مايسمع . ويشارك المعارضة فى الإثم الجيش السودانى الذى كان واجباً عليه أن يقف حائلاً أمام هذا الإنفصال أليسوا منوطين بذلك ؟ أم لماذا وجودهم أصلاً إن لم يكونوا قادرين على حماية أرض السودان؟. ومن خارج السودان تأتى الدول المجاورة وعلى رأسها مصر التى كان يجب علي النظام فيها أن يبذل الغالى والنفيس من أجل الحيلولة دون إنفصال الجنوب الذى سيكون كارثة على مصر .
ولكنه بدل أن يقوم بدوره ، قام بمساعدة الجنوب سواء بالمنح المالية التى لاترد أو بخدمات فى مجالات متعددة منها تسيير خطوط طيران إلى جوبا أو معنوية كإستقبال سيلفا كير إستقبال رسمى كرجل دولة. وليته قام بهذه المساعدات قديماً كنوع من الرعاية لأهل الجنوب فيحافظ بذلك على وحدة السودان أو ليته قام بتوحيد مصر مع السوادن ليزداد قوة إلى قوة ووقف حائلاً أمام مخططات الغرب. ولكن نفس المعادلة التى تحكم أنظمة الحكم فى بلادنا هى واحدة لاتتغير ولاتتبدل ولايمكن أن تميل مرة فى صالح الأمة.
وغير هؤلاء يأتى العلماء الذين تقاعسوا عن الدور المنوط بهم فى تبيان الحكم الشرعى فى هذه الجريمة ويأخذوا على أيدى الحكام ليحملوهم مسؤولياتهم تجاه الحفاظ على بلاد المسلمين وعدم التفريط فيها لا ليخرجوا علينا بعد فوات الأوان بفتواهم لمسلمى الجنوب بعدم جواز التصويت على الإنفصال !
أتتركون صاحب الصلاحية لاتخاطبونه وتخاطبون المغلوب على أمرهم الذين لن يغيروا شيئاً فى نتيجة الإستفتاء. إن الأمة جميعها مسؤولة حكاماً ومحكومين عن تفتيت السودان ويجب عليهم ألا يتركوا هذا المخطط الشيطانى يمر وكأن شيئاً لم يكن . إن إسرائيل الأولى التى قامت وشغلت الأمة مايزيد عن الخمسين عاماً قامت فى قلب بلاد المسلمين ومصيرها إلى زوال أما إسرائيل الثانية التى يراد إيجادها فى جنوب السودان فهى على حدود العالم الإسلامى وسوف تكون نقطة إرتكاز لإستكمال مخططات الغرب تجاه الأمة حتى لايبقوا فيها شبراً إلا قسموه ليصعبون على الأمة أن تقوم من كبوتها وتعود من جديد خير أمة أخرجت للناس.
اللهم قد بلغت اللهم فأشهد.




Aucun commentaire