الجزائر تبحث للقاعدة عن ملجَـإ خارج أراضيها
الجزائر تبحث للقاعدة عن ملجَـإ خارج أراضيها
يعتقِـد مراقبون في نواكشوط أن الإعلام الجزائري المقرّب من الحكومة، لعِـب دورا سلبِـيا تجاه الجيش الموريتاني خلال العمليات العسكرية الأخيرة، حيث قالت كُـبريات الصحف الجزائرية، إن الجيش الموريتاني يُـقْـدم على الإنتحار باقتِـحامه لمعاقِـل القاعدة في شمال جمهورية مالي، بل مضت وسائل الإعلام الدولية إلى نشْـر معلومات أسندَتْـها إلى مصادر أمنية جزائرية، تتحدث عن « مقتل عشرات الجنود الموريتانيين في المعارك وهزيمة نكْـراء حلّـت بالجيش الموريتاني على يَـد مقاتلي تنظيم القاعدة »، كما صدرت تصريحات غيْـر مؤيِّـدة للعمليات العسكرية الموريتانية عن بعض كِـبار المسؤولين الجزائريين.
ويمكن إعادة الموقف الجزائري إلى اعتبارات عديدة، منها أن الجزائر تجِـد مصلحة إستراتيجية في بقاء منطقة شمال مالي كملجإٍ آمن لمُـقاتلي تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، وذلك لدفْـع المسلّـحين الإسلاميين المُـرابطين في جبال الجزائر، إلى الهروب إليها تحت ضغْـط ضربات الجيش وقوات الأمن الجزائريين، وإرغامهم على التسلّـل نحو المُـتَّـسع الآمن في صحراء مالي، خارج الجزائر.
وما تزال الحكومة الجزائرية حتى الآن تواجه صعوبة في إخراج « إمارة التنظيم » من العُـمق الجزائري، حيث يوجَـد الأمير « أبو مصعب عبد الودود » وكبار مساعديه في جبال الجزائر، رغم جهود الجيش هناك لطردِهم وإخراجهم إلى شمال مالي، وهو ما تعتقِـد السلطات الجزائرية أنه لو تحقّـق، فستكون له نتائج تخدِم إستراتيجيتها في المنطقة، منها إبعاد المسلّـحين عن أراضيها وتخفيف وطْـأة الهجمات والعمليات التي ينفِّـذها المسلّـحون في العُـمق الجزائري، وإقناع المجموعة الدولية بأن التنظيم بات تنظيما إقليميا ولم يعُـد مجرّد تنظيم جزائري محلِّـي، كما كان في السابق، ممّـا يقتضي التّـنسيق والمساعدة في محاربته.
وهنا لن تجِـد دول المنطقة ولا غيرها من الدول المهتمّـة بمحاربة التنظيم، بُـدّا من اللجوء إليها كصاحبة خِـبرة في مجال محاربة الإرهاب، وإسناد زعامة أي حِـلف ينشأ في منطقة الساحل ضدّ الإرهاب إليها، وهي زعامة تنشدها الجزائر كمكسَـب لها في معركة النفوذ التقليدية، التي تخوضها مع المغرب في المنطقة، وهنا لابد من الإشارة إلى تعمّـد الجزائر إقصاء المغرب من « تحالف تمنراست »، بحجة أن المغرب توجد جُـغرافيا خارج منطقة الساحل، فضلا عن أن تحوّل التنظيم إلى تنظيم إقليمي في الصحراء، يعنِـي وجود تهديد حقيقي لمصالح الدول الغربية في المنطقة، وفي مقدِّمتها فرنسا، كما هو الوضْـع حاليا.
وهنا، تكون الجزائر قد وجّـهت ضربة انتِـقامية للغرب، وخصوصا فرنسا، التي تعتَـبِـر أنها خَـذلتْـها في معركتها مع الإرهاب خلال سنوات التسعينات، التي عُـرفت في الجزائر باسم « العشرية السوداء ».
يُـضاف إلى ذلك، أن نفوذ الجماعة المسلّـحة في صحراء مالي، يعني مزيدا من الحضور الجزائري في تلك الصحراء، إذا ما أخَـذنا في الحُـسبان المعلومات التي تتحدّث عن اختراق قوي لتلك الجماعات من قِـبل المخابرات الجزائرية، وهو اختراق يجزِم به عدد من المحلِّـلين الغربيين وخبراء مكافحة الإرهاب.
هذه الأهداف الجزائرية مُـجتمعة، يأتي الهجوم الموريتاني على معاقِـل التنظيم في شمال مالي، ليُـهدِّد بتقويضها. فحين تُـصرّ موريتانيا على أن شمال مالي يجِـب أن لا يبقى ملجأً آمِـنا لمقاتلي التنظيم ويهاجم الجيش الموريتاني تلك المعاقل، فإن إستراتيجية الجزائر لطرْد المسلّـحين إليها، ستكون مهددة بالإنهيار وسيجد مسلّـحو التنظيم المضايَـقة والملاحَـقة في الصحراء المالية، المكشوفة في أغلَـبها، فلا يجدون بُـدّا من العوْدة إلى الجبال الجزائرية والتمترس فيها والإستِـماتة في الدفاع عنها، وليس سِـرّا أن طبيعة التضاريس الجبلية في الجزائر تُـعطي التنظيم فُـرصة للمُـناورة والكَـرّ والفَـرّ، أكثر مما تمنحه ذلك صحراء مكشوفة في غالبها الأعم، ولا تتوفّـر على سلاسل جبلية للإحتماء والتخفي والمرابطة.
ثم إن إصرار الجزائر على أن تتولّـى الزعامة الفعلية للمنطقة، يعني أنها لن تقبل بأي عمل عسكري موريتاني، دون الرجوع إليها والتنسيق معها، وهو ما تصِـرّ نواكشوط على رفضه وتعتبِـر أن النفوذ الجزائري في المنطقة، ينبغي أن لا يكون على حِـسابها وأن الجزائر لا يمكن أن تكون سيِّـدة على السياسة الدِّفاعية والأمنية الموريتانية.
Aucun commentaire