انهم العراة من الاخلاق!
2005/05/20
عبد الباري عطوان
لا نعرف كيف نصنف، وتحت اي معايير اخلاقية، تسريب القوات الامريكية صورا للرئيس العراقي الأسير صدام حسين، وهو في ملابسه الداخلية داخل زنزانته. لان مثل هذا التصرف يتعارض مع كل القيم والمواثيق والمعاهدات الدولية، ويؤكد لنا مجددا ان كل الاحاديث الامريكية عن الحرية واحترام حقوق الانسان هي مجرد هراء
.
اي بطولة هذه في التقاط صور لرجل معتقل في زنزانته، وتراقبه الكاميرات علي مدار اربع وعشرين ساعة، ولا تحترم خصوصيته حتي عندما يذهب الي المرحاض لقضاء حاجته. واي اخلاق هذه التي تتحلي بها دولة عظمي، عندما تتعمد التشهير برئيس دولة بهذه الطريقة القذرة المقززة والاستفزازية؟
!
انها حلقة جديدة من مسلسل الاهانات التي مارستها وتمارسها الادارة الامريكية لاذلال العرب والمسلمين في عقيدتهم ورموزهم وقياداتهم ومقاومتهم وبسطائهم
.
فبعد ايام معدودة من تدنيس القرآن الكريم، والقذف به في مرحاض من قبل المحققين الامريكيين في غوانتنامو، ها هي الادارة الامريكية، او المحسوبون عليها، يسربون صورا للرئيس العراقي، وهو في ملابسه الداخلية، او يغسل جواربه بنفسه، ولن يكون مستغربا اذا ما طالعتنا احدي الصحف وقنوات التلفزة او مواقع الانترنت، بصور اخري للرئيس العراقي وهو عار تماما
.
اننا نسأل الرئيس بوش، قائد العالم الحر، ورسول الديمقراطية، عما اذا كان يقبل ان تنشر له او لوالده صورة مماثلة، او هل يقبل ان تظهر زوجته بالملابس الداخلية؟ ونوجه السؤال نفسه لتوني بلير، رئيس الوزراء البريطاني، ونضيف اليه سؤالا آخر نوجهه الي كل البريطانيين عما اذا كانوا يقبلون بنشر صور للسيدة مارغريت ثاتشر في صحيفة او محطة تلفزيونية عربية مخلة بالادب والذوق العام؟
نريد ان نذّكر الرئيس بوش وتابعه بلير بان حركة طالبان ، التي تعتبر الاكثر تطرفا في عدائها للغرب، لم تعامل اسراها الغربيين بهذه الطريقة اللااخلاقية، فقد احسنت معاملتهم واكرمت وفادتهم، ووفرت لهم كل انواع الطعام والشراب اللائق، وذهبت الي ما هو ابعد من ذلك عندما قدمت السجائر الي الصحافية البريطانية ايفون ريدلي، وتحملت كل استفزازاتها، رغم انها اخترقت القوانين وتسللت عبر الحدود بطريقة غير شرعية في ذروة التوتر الذي سبق الحرب، والاكثر من ذلك انهم اوصلوها الي الحدود الباكستانية في عز قصف قاذفات البي 52 العملاقة وصواريخ كروز لكابول والمدن الافغانية الاخري
.
ربما يجادل بعض الشامتين بالقول ان الرئيس العراقي كان ظالما وديكتاتوريا، وسجله في حقوق الانسان كان سيئا، وهذا صحيح، ولكن الرد علي هذا الجدل بسيط، فالرجل لم يقل ابدا انه كان ديمقراطيا ولم يقدم نفسه زعيما للعالم الحر، واطيح به من سدة الحكم تحت شعارات فرض احترام حقوق الانسان، وتطبيق قرارات الشرعية الدولية. وها هم رعاة هذه الشرعية يثبتون انهم الاكثر انتهاكا لها، وان مقابرهم الجماعية في الفلوجة والرمادي والقائم والنجف تشهد علي وحشيتهم بكل وضوح
.
لقد مللنا البيانات الامريكية المكررة حول تبرير مثل هذه الانتهاكات بالقول انها حالات فردية وان تحقيقات قد بدأت في هذا الصدد لمعرفة الجناة. فالشيء نفسه قيل اثناء انفجار فضيحة التعذيب في سجن ابو غريب، وبعد نشر مجلة نيوزويك تقريرها عن تدنيس القرآن الكريم، فالخلل هو في الطريقة التي يتعامل بها الامريكان مع العرب والمسلمين، و ثقافة الاستكبار والعنصرية التي يتبنونها وينشرونها من خلال بعض اعلامهم ضد كل من هو عربي ومسلم
.
تخطئ الادارة هذه عندما تعتقد ان نشر مثل هذه الصور المهينة للرئيس العراقي سيبعث اليأس في نفوس رجال المقاومة ويدفعهم الي تخفيف هجماتهم، بل ما سيحدث هو العكس تماما، وستؤدي هذه الجريمة البشعة الي تزايد هذه الهجمات، بل ومضاعفتها، فالقبض علي الرئيس العراقي نفسه وتصويره وهو اشعث الرأس رث الملابس في حفرة لم ينه المقاومة، وعرض جثماني ولديه بعد استشهادهما لم يزد رجال المقاومة الا اصرارا علي الحاق اكبر قدر من الخسائر بالمحتلين واتباعهم
.
الادارة الامريكية تخرج من حفرة لتقع في اخري اكثر عمقا واتساعا، وتقفز من فشل الي آخر في العراق والمنطقة العربية، وهذه السياسات المرتكبة هي افضل هدية تقدمها الي رجال المقاومة وجماعات التطرف الاسلامي في افغانستان وفلسطين والعراق، وهذا ما يجعل مأزقها اكثر تعقيدا، وخسائرها البشرية والمادية تتصاعد بشكل خيالي شهرا بعد آخر
.
تسريب هذه الصور المخجلة والمهينة يؤكد استحالة حصول الرئيس العراقي وكل المعتقلين الآخرين علي محاكمة عادلة في العراق، وفق نصوص المعاهدات الدولية، وهذا يحتم نقله الي دولة محايدة ليحاكم امــــام محكمة العدل الدولية وتحت اشراف الامم المتحدة تماما مثل الزعيم الصربي سلوبودان ميلوسيفتش
.
لا نعرف ما هي حقيقة مشاعر الزعماء العرب الآخرين، وهم يرون زميلا لهم يتعرض لمثل هذه الاهانات، فهل فقدوا القدرة علي الاحساس وبالتالي الغضب، وصمتوا خجلا او خوفا من مصير مشابه؟
عن جريدة : القدس العربي
Aucun commentaire